شعار قسم مدونات

فقه المرحلة في السنة المطهرة.. شواهد وفوائد

مدونات - مكتبة إسلامية
لم تخل مرحلة من مراحل حياة الفرد والجماعة إلا وللسنة خطابها المتعلق بها بيانا وتوجيها (رويترز)

المراد بفقه المرحلة في السنة المطهرة عناية السنة بمراحل الزمان وأطوار الحياة الإنسانية، وعرض أدلتها ومبادئها وأحكامها، وتبيين ما جاء في القرآن عاما أو مجملا، ومعلوم أنه لا يوجد في السنة لفظ "فقه المرحلة"، وإنما توجد بعض الشواهد التي تدل عليه أو تشير إليه، ومن ذلك:

شواهد فقه المرحلة في السنة المطهرة:

  • الشاهد الأول: المرحلة المكية التي قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وهي الفترة التي كان من فقهها وأحكامها:
  1. بيان العقيدة وأصول الإيمان وفضائل الأخلاق.
  2. تكوين المجموعة الأولى من الصحابة الذين سينطلقون من مكة لنشر الإسلام وتبليغه وتفعيله.
  3. إعداد أرضية الدعوة ومقدمات إقامة المشروع الإسلامي بجميع أبعاده الوطنية الإنسانية والعالمية.
  4. الاهتمام بالتكافل الاجتماعي والتضامن بين الناس من خلال الحض على طعام المسكين والإطعام من الجوع والتأمين من الخوف.
  • الشاهد الثاني: المرحلة المدنية التي قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وهي الفترة التي كان من فقهها وأحكامها:
  1. بناء المسجد الجامع وإقامة رسالته التعبدية والتعليمية والتربوية والإصلاحية.
  2. المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وتعزيز الرابطة الوطنية بين سكان المدينة ومن حولها.
  3. إقامة السوق وتوفير مستلزمات الناس وحاجياتهم المختلفة.
  4. تمكين فاقد الشغل من المهاجرين بالخصوص من فرصة العمل ودخول السوق والكسب بيده ودون أن يكون عالة على غيره.
  5. إقامة الدولة وتنظيم الحياة العامة وإدارة ما يعرف بالشأن العام وتحقيق المصالح بما هو ممكن ومتاح.
  6. وضع وثيقة المدينة أو صحيفة المدينة التي هي بمثابة الدستور المنظم للحياة العامة والضابط للحقوق والواجبات والعلاقات بين مواطني الدولة الناشئة.
  7. إنشاء المعاهدات وإرسال السفراء ومخاطبة الحكام والملوك والامتداد بالمشروع الإسلامي خارج دائرة المدينة بطريق الدعوة والحوار والرحلات والزيارات والتواصل والتعارف.
  • الشاهد الثالث: مجموع الفترات الحياتية النبوية التي اختصها بأحكامها المناسبة لها، بناء على توجيه الوحي الكريم، واعتبارا بواقع تلك المراحل وملابساتها وسياقاتها، وتقديرا للمصالح وإعمالا للشورى مع صحابته الكرام، رضي الله عنهم. ومن ذلك مرحلة صلح الحديبية وفتح مكة وحجته وتفاصيل سيرته وحياته. وهي جديرة بأن تدرس بعمق، لاستخلاص أحكامها وعبرها وأسرارها، ولتقرير شرعية الاعتبار بنوط المراحل الزمنية بأحكامها المناسبة لها، اقتداء بهدي القرآن والسنة في هذا.
  • الشاهد الرابع: أحاديث المراحل الزمنية، كحديث اغتنم خمسا قبل خمس[1]، وأحاديث أوقات الصلوات وضبطها[2]، وأحاديث أحب الأعمال إلى الله[3] وربطها بأطوارها الزمنية ومراحلها المختلفة، فالصلاة لوقتها أحب العمل إلى الله بالنسبة إلى فاعلها وفقا لقدرته عليها وحاجته إلى الحفاظ عليها ومواجهة ما قد يعتريه من السهو والغفلة والتقصير فيها. وكذلك بر الوالدين من قبل الأبناء والبنات، فإنه من أحب الأعمال إلى الله، بالنظر إلى مرحلة الأبوة والأمومة التي يكون فيها الوالدان في أشد الحاجة إلى بر الأبناء، بسبب عجزهما أو لغاية الوفاء لهما.

فتحديد العمل الأحب بناء على اعتبار الحالة الإنسانية إنما هو ضرب من ضروب مراعاة الفترة الزمنية وواجب الوقت. ولذلك عد فقه المرحلة وفقه الفترة الزمنية يستند إلى عدة اعتبارات منها الاعتبار بالأَوْلى والأجدر بناء على زمانه وسياقه ومراعاة لحاجيات أصحابه ومتطلبات حياتهم وسلامتهم.

فوائد شواهد فقه المرحلة في السنة المطهرة

  • الفائدة الأولى: هدي السنة لجميع مراحل الحياة

تتوجه السنة بتأطير جميع مراحل الحياة وتخصيصها بما يناسبها من الأحكام والآداب والموجهات التشريعية والتربوية والحضارية، فلم تخل مرحلة من مراحل حياة الفرد والجماعة إلا وللسنة خطابها المتعلق بها بيانا وتوجيها، وتفصيلا وتخصيصا وتقييدا وتأكيدا لما جاء في القرآن الكريم. ولذلك فإن اهتمام المسلم بمراحل حياته وأطوار زمانه يعد من اهتماماته العلمية واتباعه لمنهج السنة.

  • الفائدة الثانية: أسلوب السنة في تأطير مراحل الحياة

كان هذا الأسلوب أكثر تفصيلا وتدقيقا وتصريحا من أسلوب القرآن في ما لم يفصل فيه القرآن، بناء على صلة السنة بالقرآن على مستوى البيان والتأكيد والتخصيص والتفصيل.

  • الفائدة الثالثة: فقه المراحل حقيقة سنية

إن معنى كون فقه المراحل حقيقة سنية أنه جزء من توجيهها وأدلتها، ومنهجٌ من مناهجها، فهو بمثابة السنة الكلية أو التصرف النبوي الذي أقام فيه مبدأ الالتفات إلى الزمان بفتراته المختلفة وأحواله المتقلبة، وتوجيه ما يناسب ذلك كله من الوصايا والبيانات والأحكام والتفاصيل. ولذلك، فإن إقامة هذا المنهج في حياة المسلمين خاصتهم وعامتهم، يعد من أمارات الاقتداء والاستنان، فليست السنة اتباعا للتفاصيل السنية فقط، وإنما هي اتباع للسنة بمجموعها (جزئياتها وكلياتها، منهجها وتفاصيلها).

  • الفائدة الرابعة: وجوب العلم بفقه المراحل باعتباره حقيقة سنية

إذا تقرر كون فقه المرحلة حقيقة من حقائق السنة، فإنه يلزم تمثله وإعماله، بناء على مشروعية الاقتداء على سبيل الوجوب أو الاستحباب، وفقا لضوابط ذلك ومسالكه النصية والاجتهادية.

 

هوامش

  • [1]  أخرجه الحاكم في المستدرك، وأخرجه غيره.
  • [2]  فهي تدل على اعتبار الوقت ونوط الأحكام به، ومنها أحكام الصلوات.
  • [3]  ففي الصحيحين عن أبي هريرة ـرضي الله عنه- واللفظ لمسلم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال الإيمان بالله، قيل ثم ماذا؟ قال الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور، وفي رواية: إيمان بالله ورسوله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.