شعار قسم مدونات

ألمانيا.. وريادة البحث والتطوير

Streets of Berlin Mitte with Alexanderplatz and the TV tower in the background.
ألمانيا تخصص ميزانية سنوية 3.13% من الناتج المحلي للإنفاق على البحوث العلمية والصناعية (غيتي)

الأبحاث العلمية والتكنولوجية نجحت في تحديد موقع كل شخص منا في الأرض، وما تبقى فقط هو البحث عن تقنية تحدد فيها موقع كل شخص منا في هذه الحياة، فالتفوق في هذا المجال يكبر ويتطور كل يوم ويعزز شعور الفخر بالإنسان أولا ومن ثم الوطن، ولو بعثرنا الأفكار للحظة وتخيلنا أن هذا التطور وجد قديما وتطور أكثر حديثا نرى أن الشرق قد بدأه في الماضي وسيطر عليه الغرب في الحاضر.

تحتل جمهورية ألمانيا الاتحادية المرتبةَ الرابعة بين أكثر الاقتصادات الوطنية تكثيفًا للبحث العلمي في العالم.

ففي ألمانيا يتمتع البحث العلمي بمكانةٍ مرموقة لدرجة أن الحكومة عملت في سنواتها الأخيرة على تخصيص ميزانية وقدرها 3.13% من الناتج المحلي الإجمالي من كل عام للإنفاق على البحوث العلمية والصناعية، ويُفترض أن ترتفع الحصةُ إلى 3.5% بحلول العام 2025، وهذا كفيلٌ بأن يضع ألمانيا في مصاف الدول الرائدة عالميًا، التي تنفق أكثر من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير.

وتحتل جمهورية ألمانيا الاتحادية فوق ذلك المرتبةَ الرابعة بين أكثر الاقتصادات الوطنية تكثيفًا للبحث العلمي في العالم. فقد أُنفق في المجمل ما يقربُ من مبلغ 107 مليارات يورو على البحث والتطوير الأعوام الأخيرة، ذهب منه 71 مليارا إلى القطاع الاقتصادي، و19.3 مليارًا إلى الجامعات، و15.6 مليارا إلى المؤسسات البحثية غير الجامعية كالصناعية على سبيل المثال، وهذا إن دل على شيء فهو دليل على استحقاق ألمانيا للقب سيدة أوروبا في العلم والاختراع.

واعذروني إذا استرسلت أكثر في بعض التطورات الألمانية، فقد طور العلماء على مر السنوات الأخيرة أداة ابتكار خاصة من خلال إستراتيجية التكنولوجيا الحديثة. ومنذُ ذلك الحين، ظهرت العديدُ من التطوُّرات الجديدة، من مصابيح "الليد" المُوفِّرة للطاقة إلى صمام القلب الذي ينمو مع بقية أعضاء الجسم.

كما برزت مجالات موضوعية لتتبوأ بمواضيع إستراتيجية مستقبلية معتمدة لعام 2025 ومنها: الصحة والرعاية، الاستدامة، حماية المناخ، الطاقة، التنقُّل، المدينة والريف، الأمن، فضلاً عن الاقتصاد والعمل في الثورة الصناعية الرابعة. وتشمل أهدافا إستراتيجية أخرى منها مكافحة السرطان، الحد من استخدام البلاستيك، صناعة خالية من غازات الاحتباس الحراري إلى حدٍ كبير.

ومن هنا أستنتج أن الحاجة للتطور من أجل البقاء في القمة بين الدول المجاورة، وكأنهم في حالة دفاع مشروع إن لم يكن فوريا، فعلى المدى الطويل كانت الميزة المشتركة بين الحكومة وأبناء الشعب. وعبر برامج المنح الدراسية تعمل ألمانيا على تعزيز الشراكات الجامعية العالمية، وقد أظهرت بوصلة الجامعات عام 2023 حوالي 37 ألف تعاونٍ مع أكثر من 5400 جامعةٍ شريكة في أكثر من 150 بلدا.

الألمان الذين ولدوا في قلب الحروب لا يستطيعون الآن العيش من دون تلك الحضارة العصرية

وقد نشأت في خضم أُطر التعاون هذا مقرراتٌ دراسية مزدوجة وجامعاتٌ ثنائية القوميات في الخارج، مثل الجامعة الألمانية الكازاخية في ألماتي، والجامعة الألمانية في القاهرة، والجامعة التركية الألمانية في إسطنبول. وتعتبر هذه المراكز الأهداف الأولى للتبادل العلمي في الأبحاث التكنولوجية، وقد توفر منصاتٍ لتبادل الاختراعات من خلال التحديات العالمية بين العلماء من ألمانيا ودولٍ أخرى، وخاصةً فيما يُسمَّى الجنوب العالمي.

وعندما تتدخل نظرة الشرق وأعني نظرة المراقبين الخارجيين من سياسيين وغيرهم لذلك البلد، نرى أننا نتفق في النتيجة.. فالألمان الذين ولدوا في قلب الحروب لا يستطيعون الآن العيش من دون تلك الحضارة العصرية، أما الذين ولدوا خارجها واستوطنوا فيما بعد فيها فيمكن أن يتحولوا ويتقدموا في الحياة، ونستطيع القول إن الجميع هنا كلما تطوروا مع الزمن شعروا بالتناغم أكثر مع هذا التطور.

لا شك أن كلماتي تلك هي مدونة مهاجر بالدرجة الأولى ومستوطن من الأقليات، ولكن يبدو لي أنها تعكس حساسية أتشاطرها دوما مع أحد مثقفين أقلياتي بشكل متزايد في المقهى الإيطالي في مدينة بوبنغن، متفقين على أن خوض هذا التطور العصري المستنبط من الغرب يعول علينا أن نترك أثرا في تلك الأرض المخملية يخلد من خلاله نهاية لربما نستحقها يوما.

فأعمق ذروة في العقل الإنساني أن يصل لاعتقاد أمور لها أدلة.. بجوهر القلم، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة، والمنطق لا الرصاص.. "رفعت الأقلام وجفت الصحف".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.