شعار قسم مدونات

قراءة في رواية.. "والله إن هذه الحكاية لحكايتي"

غلاف والله إن هذه الحكاية لحكايتي عبدالفتاح كيليطو
غلاف رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" لعبد الفتاح كليطو (الجزيرة)

أقدم هذه الرواية الماتعة للقراء كقارئ فحسب، قريبا من المتعة، بعيدا عن النقد الأدبي، لا بداعي التحليل ولا سعيا للتأويل، للاستفادة وتعميمها، للتزيد من الخيال، لأن الخيال أهم من المعرفة!

وضوح غامض

اخترت رواية الكاتب المجيد عبد الفتاح كليطو "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" حبا وطواعية، شرعت في قراءة فصولها الخمس، مجدفا ضد رغبة العودة للصفحات الماضية، موقنا في قدرة العقل الأدبي على الفهم.. للوهلة الأولى؛ يتبدى الوضوح كاشفا عن نفسه، من العنوان إلى الشخوص في بعض الأحداث، لكن سرعان ما تقذف بك الرواية إلى متاهة مازجة بين الواقعية والغرائبية والتخيل، تبحث عن البطل فلا تجده، تتحسس موقع كليطو نفسه في المتن فلا تجسر على الحسم إن كان هو الحسن البصري، مع علمنا بولع عبد الفتاح بالمتون التأسيسية للأدب في تراثنا العربي الإسلامي، أم هو حسن ميرو، القارئ المعاصر الشغوف المتعدد الألسن، ذو العلاقة المتشابكة المعقدة بين تقدير التراث وحب الإنتاج الأدبي المعاصر.. أفشل في ذلك!

عودة السحر إلى النص الروائي المغربي

أتقدم في قراءة هذا العمل الفريد، فيتحداني، تحديا قائما على الغموض وعودة السحر للرواية العربية. يمارس كليطو الغواية في حقي كقارئ، يستثيــرني ويرهقني، وفي الآن ذاته لا يبخل علي بالخروج بفائدة من "روايته"، لا سيما وأن لنا سابقة احتكاك بالنص البارز للتوحيدي (الإمتاع والمؤانسة)، وبـ(مقامات الـحريري)، و(مقامات بديع الزمان الهمذاني)، و(البيان والتبيين) للجاحظ.. فتسعفني القراءة في فهم أن ميرو والبصري ونورا ومنار ونورما وموريس شخصيات من أحواض حضارية متعددة وأزمنة متباعدة، تلتقي في نص روائي ساحر من إبداع كاتب مغربي ماهر.

ينجح الكاتب في إقناعي -أو كذا ظننت- أن الأبطال الحقيقيين للعمل هي المصنفات العظيمة في تراثنا العربي-الإسلامي.

التهيب ولا التسيب.. أطروحة مترددة

فأطروحة جامعية لم تتم، عن شخصية مثيرة في تاريخنا، هو علي بن محمد بن العباس البغدادي الشهير بأبي حيان التوحيدي (922م-1023م) الذي رمم جسر المصالحة بين التراث العربي والفكر اليوناني، تلج بنا في متاهات لا تكاد تنتهي، محيية شخصية التوحيدي أو بالأحرى عمله الخطير (مثالب الوزيرين)، وموقدة جذوة لحظات الشك المنهجي والفكري إزاء مصادر بارزة في تاريخنا، وجاعلة الأدب في قلب العلاقات الإنسانية، لترينا كيف يمكن للأدب أن يقيم رابطة الحب بين شخصين في الرواية، وتنتسج بسببها أحداث ونقاشات بين أطراف أخرى في المشهد الروائي الذي لا ندري عنه إلا أنه يدور في باريس ونيويورك وهلسنكي وإشبيلية.. ونتابع بتعجب معركة حسن ميرو لإقناع نفسه بالاشتغال على مصنف التوحيدي الشهير/الخطير/المنبوذ/المقصود، ومراوحته بين التهيب من الكتاب والتهرب من مضمونه وتعويذته الفتاكة؛حسبما بلغه عمن قرأه قبله وبسبب ما قيل عنه من مصادر معاصرة له وتلك اللاحقة على زمانه.

فهل أراد السيد كليطو إنصاف الأديب العبقري التوحيدي؟ أم إبراز قدرته على استدامة الجدل رغم مرور أكثر من ألف سنة على موته؟ أم إيقاظ حاسة البحث الأدبي والتأريخي والنقدي لإعادة تملك إنتاج التوحيدي، المعروف منه والمجهول؟

لا أدري.. والله إن هذه الحكاية لحكايتي أيضا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.