شعار قسم مدونات

النيجر.. الوضع الراهن المتأزم

رئيس جمهورية النيجر محمد بازوم
رئيس جمهورية النيجر المعزول محمد بازوم (الجزيرة)

تبدو لغة المصالح وأطماع الطامعين حاضرة في صراع النيجر من أجل الحصول على حصة ثمينة من معدن اليورانيوم الذي تتربع النيجر على مرتبة متقدمة في إنتاجه بالقائمة العالمية، فسرعان ما ظهرت المواقف الإقليمية والدولية الرافضة لانقلاب الحرس الرئاسي على الرئيس المنتخب محمد بازوم، وبدأ التباكي على الديمقراطية وعودة حكم القانون في البلد الأفريقي الغارق في الفقر كغيره من بلدان غرب أفريقيا "الغنية" الفقيرة.

يرى العديد من المراقبين أن ما انتهى إليه اجتماع إيكواس بالعاصمة النيجيرية أبوجا لا يمكّنه استخدام القوة ضد الانقلابيين وعدّه خيارا مستبعدا لجملة من الأسباب، أهمها: تأثير ذلك على الاستقرار الأمني في دول غرب أفريقيا، والذي يطلق عليه حزام الانقلابات

تحركات مجموعة إيكواس

تحركت إيكواس -وهي المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي اجتمعت في العاصمة النيجيرية أبوجا في 30 يوليو/تموز 2023- واستخدمت سلاح العقوبات الاقتصادية بإغلاق الحدود مع النيجر وتجميد أصولها المالية وفرض منطقة حظر للطيران منها وإليها ورفعت العصي في وجه قادة الانقلاب تهديدا ووعيدا بمهلة أسبوع لعودة النظام الديمقراطي أو اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية، بما فيها احتمال استخدام القوة العسكرية لإنهاء التمرد لإعادة ما سمته المسار الديمقراطي.

ويرى العديد من المراقبين أن ما انتهى إليه اجتماع إيكواس في العاصمة النيجيرية أبوجا لا يمكّنه من استخدام القوة ضد الانقلابيين وعدّه خيارا مستبعدا لجملة من الأسباب، أهمها: تأثير ذلك على الاستقرار الأمني في دول غرب أفريقيا والذي يطلق عليه "حزام الانقلابات"، حيث تنشط في تلك الجغرافيا الكثير من الجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام القريبة من تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي، وثمة أسباب أخرى في هذا السياق تتعلق بوضع النيجر الاقتصادي حيث الفقر المدقع الذي تعيش فيه البلاد، إذ تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية (189 من 189 دولة)، ويعد أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

مواقف دول الجوار الأفريقي

أدى التوتر في غرب أفريقيا جراء الانقلاب الذي نفذه الحرس الرئاسي في النيجر إلى قلق في المنطقة، حيث عرّض تجمع التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للتفكك بالانسحاب منه، وقد حذرت السلطات العسكرية الانتقالية في كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري من أي تدخل عسكري ضد النيجر، واعتبرت بوركينا فاسو ومالي إن أي خطوة باستخدام القوة في النيجر ستعد بمثابة إعلان حرب عليها.

كذلك أدانت حكومتا مالي وبوركينا فاسو العقوبات التي فرضتها "إيكواس" على النيجر، معتبرة إياها غير شرعية وغير قانونية وموجهة ضد شعب النيجر.

ولم يتوقف الأمر على موقف مالي وبوركينا فاسو، فها هو المجلس العسكري الحاكم في غينيا كوناكري يقول إنه لن يلتزم بالعقوبات التي فرضتها "إيكواس" ووصفها بغير الشرعية، بل إن شعوب كل من غينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر تتطلع إلى احترام سيادتها، واعتبر المجلس الحاكم في غينيا كوناكري أن "التدخل العسكري في النيجر سيؤدي إلى تفكك مجموعة إيكواس".

أضحت النيجر قاعدة أساسية للجيوش الغربية وأجهزة مخابراتها بعد التحولات التي شهدتها المنطقة بعد الخروج الفرنسي من معاقلها التقليدية في مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو

التقاطعات الدولية في النيجر والمنطقة

لقد كشف انقلاب العسكر في النيجر النقاب عن المواقف الدولية والأطماع في موارد هذا البلد الذي عصف به الصراع الدائم لتمتعه بالموارد المعدنية، خاصة معدن اليورانيوم الذي تملك النيجر ثاني أكبر احتياطي منه في العالم، فضلا عن الماس والذهب والفحم.

فقد أضحت النيجر قاعدة أساسية للجيوش الغربية وأجهزة مخابراتها بعد التحولات التي شهدتها المنطقة بعد الخروج الفرنسي من معاقله التقليدية في مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، كما أن الدب الروسي ظل حاضرا، فضلا عن تردي الأوضاع الأمنية بسبب الانقلابات المتكررة في عدد من دول غرب أفريقيا، لذا سارعت دول الجوار والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إلى رفض الانقلاب ابتداء، ثم محاولة التوسط بغية تدارك ما يمكن تداركه وحماية تجربة التحول الديمقراطي الوليد في النيجر.

وفي ردود الفعل الدولية، فقد قال مسؤول في الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة ما زالت تقيّم الأوضاع على الأرض في النيجر، مع وجود فرصة ضئيلة للتراجع عن الانقلاب.

موسكو أدلت بدلوها هي الأخرى، فقد قال الكرملين إن الوضع في النيجر مبعث للقلق الشديد، ودعا كل الأطراف إلى ضبط النفس والعودة للنظام القانوني في أقرب فرصة.

وتقول بريطانيا إنها علقت مساعداتها التنموية طويلة الأمد للنيجر، ودعت إلى إعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم والعودة إلى المسار الدستوري.

ولم يكن موقف الاتحاد الأوروبي بعيدا عن الإجماع الغربي، فقد أيد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل جميع الإجراءات التي اعتمدتها مجموعة إيكواس.

الوجود العسكري الغربي في النيجر

تحتفظ فرنسا بـ4 قواعد تضم 1100جندي فرنسي، منها قاعدة "ماداما" العسكرية التي تم تشييدها عام 2014 على حدود النيجر وتشاد وليبيا، كما تحتفظ الولايات المتحدة الأميركية بقاعدة واحدة ووجود أمني يبلغ ألف جندي أميركي، وتوجد هذه القاعدة في ضواحي مدينة أغاديس بالقرب من أحد مفترقات الطرق الرئيسية في الصحراء، وتمثل هذه القاعدة أكبر قواعد القوات الجوية الأميركية في المنطقة، ورسميا تسمى هذه القاعدة "إيه بي 201" ولا تعتبر سرية فقد كشف عنها البنتاغون في العام 2014، وتعد مركزا لتدريبات قوات حلف الناتو مؤخرا.

وسترسم الأيام القليلة المقبلة ملامح المشهد ليس في النيجر فحسب، بل في عموم غرب أفريقيا في ظل إعادة التموضع في التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، خاصة بعد مواقف مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري، فهل يكون معدن اليورانيوم السر الذي يعصف باستقرار النيجر والمنطقة كما عصف المعدن الأصفر الذهب باستقرار السودان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.