شعار قسم مدونات

بستان تحت الركام!

blogs كوريا الجنوبية
تحتل كوريا الجنوبية المرتبة رقم 10 من بين أقوى اقتصاديات العالم مما أهلها لدخول مجموعة العشرين الأقوى في العالم (مواقع التواصل)

يوجد سؤال إنكاري يتداوله المواطنون العرب، بمختلف جنسياتهم، وتشابه أوضاعهم وهو: هل يمكن أن نصبح يوما ما مثل اليابان أو كوريا الجنوبية؟ لكن قد يخفى عن الكثير أن كوريا الجنوبية بالذات لم تكن تلك البلاد المتفتحة ولم يكن شعبها قبل بضع سنين مضت يعيش الرفاهية التي يعرفها العالم عنه اليوم، بل كانت تعيش تحت وطأة دكتاتورية لا تختلف كثيرا عن شقيقتها الشمالية، وفقر مدقع، قبل أن تقوم كوريا الجنوبية بالمعجزة الاقتصادية ويتحول اقتصادها في بضع سنين إلى واحدة من أهم اقتصاديات العالم.

قامت الأمم المتحدة بتنظيم الانتخابات رغم مقاطعة الجزء الشمالي لها، تلك التي أفرزت فوز "سنغ مان ري" بالرئاسة

تقع كوريا الجنوبية جنوب شبه الجزيرة الكورية، كانت تحت حكم الإمبراطورية الكورية. وفي عام 1905 احتلتها اليابان. ونظرا إلى موقعها الإستراتيجي في جنوب شرق آسيا، فقد كانت مطمعا لعدة دول.

بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية في يوم 15 أغسطس 1945  سيطرت قوات الحلفاء على شبه الجزيرة وجرى تقسيمها بين الدول المنتصرة مثلما صار في ألمانيا. فسيطر المعسكر الشرقي على النصف الشمالي بينما أصبح النصف الجنوبي يتحكم فيه المعسكر الغربي.

إلا أن الأمم المتحدة قررت تنظيم انتخابات موحدة عام 1948 بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأميركية نيتها تسليم الحكم للكوريين بعد 3 سنوات من الاحتلال، لكن الجزء الشمالي ذا التوجه الشيوعي رفض هذه الخطة. رغم ذلك قامت الأمم المتحدة بتنظيم الانتخابات في ظل مقاطعة الجزء الشمالي لها، وأفرزت تلك الانتخبات فوز "سنغ مان ري" بالرئاسة، وأُعلِن حينها تأسيس جمهورية كوريا وعاصمتُها سيول.

عرفت هذه الجمهورية باسم كوريا الجنوبية للتفريق بينها وبين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في الشمال تحت قيادة الرئيس كيم إيل سونج. ادعت كل جمهورية أحقيتها في حكم كامل شبه الجزيرة، مما أدى إلى اندلاع حرب بينهما سنة 1950 دامت 3 سنين، أوقعت أكثر من مليوني قتيل، وفرقت الملايين من الأسر بين شطري شبه الجزيرة. وعلى الرغم من توقيع اتفاق هدنة سنة 1953 فإن العداء والتصعيد بين الجانبين بقيا مستمرين بينهما إلى اليوم.

بعد الحرب تواصل حكم سونج مان ري، وهو الذي عرف بالفساد وتزوير الانتخابات، وكان الشعب الكوري الجنوبي في تلك الفترة يعيش فقرا مدقعا أكثر حتى من بعض الدول الأفريقية. لكن في عام 1960 قامت عليه ثورة طلابية كبيرة انتهت بفراره ولجوئه إلى جزيرة هاواي. وتولى يونغ بو سون الرئاسة وبدأ في بناء ديمقراطية للجمهورية الثانية، قبل أن يقوم الجنرال بارك سونج هي، بانقلاب عسكري ويتولى قيادة البلاد.

أسس بارك تشونغ هي سنة 1963 الجمهورية الثالثة التي تقوم على دكتاتوريةٍ كنظيرتها الشمالية لكن بتوجهات اقتصادية ليبرالية. وبعد استنفاد حقه الدستوري بفوزه 3 مرات متتاليات في انتخابات وصفت بالمزورة، قام بارك سونج هي، بإلغاء الدستور وحل مجلس النواب، وإعلان تأسيس الجمهورية الرابعة بحيث يكون الحكم دكتاتوريا شاملا، دون الحاجة إلى دستور أو انتخابات.

تعتبر كوريا إحدى أهم التنانين الآسيوية إلى جانب هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان. فهي إحدى الدول الأعلى دخلا في آسيا، والأكثر تصنيعا فيها.

وبالرغم من أن حكم بارك سونج هي كان ديكتاتوريا، فإنه حارب الفساد المالي والإداري في كوريا الجنوبية، مما جعل منها أحد أسرع اقتصاديات العالم نموا بداية من أواخر الستينيات وبداية السبعينيات. بعد اغتياله سنة 1979، تولى الجنرال تشون دو هوان، السلطة سنة 1980، وواصل على نهج سلفه في الدكتاتورية مع المحافظة على الطفرة الاقتصادية.

ولكن، وتحت الضغط الشعبي المستمر، اضطر دو هوان إلى ترك السلطة وتنظيم انتخابات حرة فاز فيها روه تاي وو، سنة 1987 ليكون أول رئيس مدني لكوريا الجنوبية في أول انتخابات حرة ونزيهة. وليبدأ البلد منذ ذلك التاريخ مرحلة جديدة من الانفتاح والحريات ما تزال مزدهرة إلى اليوم.

تعتبر كوريا إحدى أهم التنانين الآسيوية إلى جانب هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان. فهي إحدى الدول الأعلى دخلا في آسيا، والأكثر تصنيعا فيها. وتحتل المرتبة الـ10 من بين أقوى اقتصاديات العالم مما أهلها لدخول مجموعة العشرين الأقوى في العالم. فالناتج المحلي الخام يفوق 1.8 ترليون دولار، ويصل دخل الفرد إلى 30 ألف دولار. كما أن لها شركات عملاقة مسيطرة في مجالاتها مثل سامسونغ وإل جي في مجال التكنولوجيا وهيونداي وكيا في مجال السيارات، وغيرها. كما قامت بتنظيم الألعاب الأولمبية سنة 1988 وكأس العالم لكرة القدم سنة 2002 (بالاشتراك مع اليابان).

تجربة كوريا الجنوبية، وهي التي كانت في فترة ما أتعس حالا من عدة دول شرق أوسطية في فترة الستينيات، تؤكد أن إرادة الشعب إذا تطابقت مع الإرادة السياسية، ستؤدي حتما إلى تحقيق المعجزات والأحلام، وتحويل الركام إلى بستان يطيب فيه العيش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.