شعار قسم مدونات

على ماذا تُشكر السيدة بودن؟

نجلاء بودن
رئيسة الحكومة التونسية السابقة نجلاء بودن (غيتي إيميجز)

أعلنت الرئاسة التونسية بعد منتصف ليلة الثاني من أغسطس/آب -وفي بيان مقتضب- أن الرئيس قيس سعيد قرر عزل رئيس الوزراء نجلاء بودن من منصبها وتعيين أحمد الحشاني خلفا لها. وجاء البيان حرفيا "قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد، مساء اليوم الثلاثاء 1 أوت "أغسطس/آب" 2023، إنهاء مهام السيدة نجلاء بودن رمضان رئيسة للحكومة وتعيين السيد أحمد الحشاني خلفا لها." دون تقديم أي توضيحات أخرى.

لكن اللافت للانتباه هو تدوينات الشكر للسيدة بودن على السنتين اللتين قضتهما على رأس الحكومة، من قبل أشخاص معروفين بمساندة قيس سعيد. المعروف أن المسؤول يُشكر على إنجازاته، لكن الشاكرين هذه المرة، شكروها فقط لقبول المنصب في ظرف حساس من تاريخ البلد! فهل قبول المنصب في حد ذاته يُعد إنجازا يُشكر عليه المسؤول؟

رغم تسميتها رئيسة للوزراء، إلا أن رئيس الدولة كان يدعو الوزراء لمكتبه ويوجه لهم قرارته، ويوبخهم ويعزلهم، بل ويعلن تسمية وزراء جدد، دون حضورها أو حتى التلميح لاستشارتها أو التنسيق معها.

وتعتبر السيدة بودن ثاني أكثر من بقي في قصر الحكومة بالقصبة منذ سقوط بن علي في يناير/كانون الثاني 2011. فقد تم تعيينها في 29 سبتمبر/أيلول 2021، وأدت اليمين الدستورية في 11 أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة. فماذا قدمت، وماذا أنجزت في هاتين السنتين حتى تُشكر عليه؟

وتُعتبر السيدة بودن أول امرأة تترأس الحكومة في تاريخ تونس والوطن العربي. ورغم استبشار العديد من مناصري حقوق المرأة لهذا الاختيار، إلا أن نفس من هللوا لهذا الحدث أصبحوا يرون أنها رسخت فكرة التفوق الذكوري على المرأة. إذ لم يعرف التونسيون لها تصريحا واحدا وجهته لهم، سوى توزيع الابتسامات لعدسات الكاميرا، أو للرئيس الإسرائيلي. فهي لم تتحدث أبدا إلى وسائل الإعلام التونسية، ولم تخاطب التونسيين بأي بيان. حتى أن أول مرة سُمع لها صوت كان في اجتماع لها مع رئيس الدولة، الذي كان يتباهى لها بإشاعة لا أساس لها من الصحة تفيد أن مليونا و800 ألف تونسي خرجوا في العاصمة يساندونه، وكانت السيدة بودن تومئ برأسها قائلة "ما شاء الله، ما شاء الله". وحتى الفرص القليلة التي سمع لها صوت كان إما بلغة أجنبية لوسيلة أجنبية أو بلغة عربية مليئة بالأخطاء في لقاءات رسمية.

لكن اللوم الأكبر كان بسبب سلبيتها السياسية التامة أمام الرئيس في قراراته. فرغم تسميتها رئيسة للوزراء، إلا أن رئيس الدولة كان يدعو الوزراء لمكتبه ويوجه لهم قرارته، ويوبخهم ويعزلهم، بل ويعلن تسمية وزراء جدد، دون حضورها أو حتى التلميح لاستشارتها أو التنسيق معها. ففي مايو/أيار الماضي مثلا أعلنت الرئاسة أن سعيد قرر إقالة وزير الطاقة نائلة نويرة، دون إبداء أسباب. إلا أن ذلك سبقه اجتماع للرئيس مع بودن ظهر فيه موبخا لها على تصرفات أعضاء حكومتها، ومنتقدا غياب التنسيق بين الوزارات، دون أن تبدي أي ملاحظة أو تبرير.

وعلى المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، عرفت البلاد في فترة بودن هزات في العديد من المجالات. فقد تعددت شكايات أعضاء حكومتها بالصحفيين. إذ تم التحقيق مع أحد الصحفيين بعد نشره مقالا ينتقد فيه أداء بودن. كما اشتكى وزراء العدل والشؤون الدينية والثقافة، وغيرهم، صحفيين ومفكرين وحقوقيين، أدت ببعضهم إلى السجن. كما شهد عهدها أكبر حكم بحق صحفي بسبب ممارسته عمله، وذلك بعد الحكم على مراسل إذاعة موزاييك خليفة القاسمي 5 سنوات سجنا بسبب نشره مقالا.

عرفت تونس في عهد حكومة بودن أزمة غير مسبوقة مع المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء تحولت لحملة عنصرية، ومواجهات بين التونسيين والمهاجرين أسفرت عن سقوط ضحايا

واقتصاديا، شهدت فترة السيدة بودن أزمة خانقة لم تشهد لها تونس مثيلا. فإضافة إلى غياب معظم المواد الأساسية، فقد شهد الميزان التجاري سنة 2022 عجزا قياسيا. كما سجلت أسعار البنزين ارتفاعا غير مسبوق. ففي سنة 2022 وحدها، ارتفع سعر البنزين 5 مرات. كما فشلت حكومتها مرارا في الحصول على قرض لا يتعدى ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، رغم الإعلانات المتكررة من أعضاء حكومتها بالتوصل لاتفاق مع الصندوق والتأكيد أنه الحل الوحيد لسد العجز في ميزانية البلاد.

واجتماعيا، تعطلت أغلب المفاوضات النقابية، مما خلف أزمة اجتماعية في العديد من القطاعات، كان آخرها مع التعليم، عندما أعلن وزير التربية في حكومتها اقتطاع أجور أكثر من 17 ألف معلم وعزل أكثر من 350 مديرا من المدارس، بسبب إصرارهم على حجب الأعداد بعد انهيار المفاوضات الاجتماعية، في حركة لم يعرفها التاريخ النقابي في تونس حتى أثناء الاستعمار الفرنسي.

كما عرفت تونس في عهد حكومة بودن أزمة غير مسبوقة مع المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، تحولت لحملة عنصرية، ومواجهات بين بعض التونسيين والمهاجرين أسفرت عن سقوط ضحايا، وهزت صورة تونس لدى العديد من الدول الأفريقية والمنظمات الحقوقية.

وتؤكد هذه النتائج أن موقف مساندي الرئيس هو الأنسب، إذ لا يوجد سببا لشكر بودن، سوى أنها قبلت أن تكون في ذلك المنصب، بغض النظر عن النتائج الكارثية لمستقبل البلاد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.