شعار قسم مدونات

فلسطين تبكي فارس الكلمة.. الصحفي خالد العمايرة

الصحفي الفلسطيني خالد العمايرة (فلسطين أون لاين)

اتشحت فلسطين بالسواد لوفاة الصحفي الفلسطيني المخضرم خالد العمايرة بعد مسيرة حافلة دامت 66 عاما وانتهت بتاريخ 12 يوليو/تموز 2023 عندما باغته الموت على هيئة نوبة قلبية حادة، مما هز قلوب محبيه وأثّر فيهم.

ترجل فارس الكلمة عن صهوة حصانه بعدما قضى حياته في الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وإعلاء كلمة الحق دون أن يخشى لومة لائم.

أفنى حياته في دحض الرواية الصهيونية وكشف لعب إسرائيل دور الضحية وزيف ادعاءاتها الشيطانية من خلال تكريس قلمه البتار وفكره الثاقب في تسطير كلمات مدوية باللغتين العربية والإنجليزية

المحطات المضيئة

كان خالد العمايرة (شيخ الصحافة الفلسطينية المعاصرة) صحفيا فلسطينيا محنكا من الرعيل الأول ومعلقا في الشؤون الفلسطينية الجارية.

دوّت صرخة الحياة الأولى من فم خالد في التاسع من فبراير/شباط 1957 معلنة "خليل الرحمن" مسقط رأس وساحة نضال وطني وباحة نزال سياسي له.. كيف لا وقد شب على حب فلسطين والدفاع عن القضية، فحصل على درجة البكالوريوس في الصحافة من جامعة أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأميركية، ثم انتزع درجة الماجستير في العلوم السياسية من براثن جامعة جنوب إلينوي التي تنتقي عقول طلابها النيّرة.

أفنى حياته في دحض الرواية الصهيونية وكشف لعب إسرائيل دور الضحية وزيف ادعاءاتها الشيطانية من خلال تكريس قلمه البتار وفكره الثاقب في تسطير كلمات مدوية باللغتين العربية والإنجليزية.

بمزيج مميز يجمع بين الثبات والمرونة والإصرار والعزيمة والصبر والبصيرة أحدث العمايرة نقلة نوعية في نشر حقيقة القضية الفلسطينية بلا تأطير وبلغات عديدة ومفردات بسيطة كي تصل القضية إلى كل شخص على وجه البسيطة.

لم يبقِ العمايرة علمه حبيس عقله وكتاباته حبيسة أدراجه، إذ شغل وظيفة محاضر في مجال الصحافة بالجامعات الفلسطينية لأكثر من عقد من الزمان مشاركا طلابه خبرته الواسعة في المجال.

نهج العمايرة وبنات أفكاره

إن كتابات الصحفي الشيخ دليل حي على توقد قريحته واختمار وعيه، ومرآة عاكسة لضروب منطقه وقوة بلاغته وصحة لغته التي تحث الفلسطينيين على التشبث بحقوقهم المشروعة، مثل حقهم في مقاومة الاحتلال ودحره ورفض اقتراح حل الدولتين، ومما قاله بهذا الصدد مؤكدا موت هذا الاقتراح "فات أوان إقامة دولة فلسطينية.. كيف يمكن لدولة أن تطبق الاقتراح وهي لا تسيطر على حدودها وترزح تحت وطأة احتلال عسكري وتعاني من عزلة مدنها بواسطة شبكة من الطرق الالتفافية ونقاط التفتيش؟!".

نشر العمايرة مقالا باللغة الإنجليزية في مارس/آذار 2011 يصف فيه الإسرائيليين بأنهم "كذابون مفلسون أخلاقيا وغزاة مستعمرون جاؤوا من أوروبا الشرقية" بهدف إقامة "إمبراطورية عبرية" تشمل فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق والكويت وشمال المملكة العربية السعودية وشمال مصر وجزيرتي كريت وقبرص.

كان سلطان حجته قويا، وكلماته تسبب دويا، إذ سطع نجمه في اللغة والإعلام معا، مما حدا به إلى الانضمام لقافلة كُتّاب شبكة الجزيرة نت التابعة لقناة الجزيرة الإخبارية، والتي تعد من أهم وأشهر القنوات في المنطقة العربية والعالم بأسره.

كما عمل محللا سياسيا ومعلقا على الأحداث الجارية في فلسطين بشكل خاص والحرب الروسية الأوكرانية والشأن الإيراني بشكل عام.

لم تكن جهود العمايرة المبذولة حكرا على شبكة الجزيرة نت فحسب، بل تعدت الشبكة ليعمل كاتبا أيضا في موقع "ميدل إيست مونيتور" (Middle East Monitor) البريطاني وموقع "موندويس" (Mondoweiss) الأميركي وموقع "إنجلترا تايمز فلسطين" الفلسطيني والعديد من المواقع الإلكترونية المعروفة، شاحذا ذهنه ومجندا قلمه في الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة الدين الإسلامي.

يقال إن الصحفي رسول للحق ينقله بأسلوب مكين ولسان مبين، ولكن العمايرة كان أكثر من رسول، فقد وصفه صديقه الصحفي نواف العامر بالنهر الجاري الذي ينبع بالأفكار ويتدفق بالكلمات

تحديات أوقدت همة العمايرة

تبوأ العمايرة مكانة بارزة في سماء الصحافة الحرة في سبيل بحثه عن الحقيقة رغم التحديات التي أحاطت به، إذ منعه الاحتلال الإسرائيلي من السفر خارج حدود فلسطين لسنوات طوال كورقة ضغط لردعه عن فضح جرائمه.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل اعتقلت السلطة الفلسطينية العمايرة في يناير/كانون الثاني 2009 وعزلته في غرفة معتمة لمدة يومين واستجوبته بتهمة الانتماء لحركة حماس، وسرعان ما أطلقت سراحه إزاء احتجاج جماهيري حاشد، ورغم هذه التحديات لم ينجح أحد في تطويع فارس القلم وتحييد كلمته.

يقال إن الصحفي رسول للحق ينقله بأسلوب مكين ولسان مبين، ولكن العمايرة كان أكثر من رسول، فقد وصفه صديقه الصحفي نواف العامر بالنهر الجاري الذي ينبع بالأفكار ويتدفق بالكلمات، وأفضل ما يمكن فعله إذا جالسه أحد هو الإنصات، والإنصات فقط.

أبرز أعمال العمايرة

  • "الصحافة والاتصال الجماهيري.. النظرية والتطبيق" (باللغة العربية، 1996).
  • "دحض الأساطير الغربية والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام والقضية الفلسطينية" (باللغة العربية، 1988).
  • "العيش تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي" (باللغة الإنجليزية، 2007).
  • "قصتي مع الشيعة.. تناقضات جوهرية في الدين الشيعي الإمامي" (باللغة العربية 2016، باللغة الإنجليزية 2017).

ولم يقتصر تأثيره الملموس على هذه الكتب فحسب، بل امتد ليشمل آلافا مؤلفة من المقالات الأصيلة عن القضية الفلسطينية والمئات من الأعمال المترجمة من الإنجليزية وإليها.

نِعم الصحفي والزميل والصديق والأب

نودع أيقونة النضال الفلسطيني، أفضل صحفي وأصدق زميل وأعز صديق وأعظم أب، تقول العرب "لكل امرئ من اسمه نصيب"، ولم تكن تعلم سَميَّة خالد أن ابنها سيرث من اسمه نصيبا، إذ وارى التراب جسده الفاني وخلّد قلمه إرثه السامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.