شعار قسم مدونات

تراكم الخبرة واستثمار التكنولوجيا

عمالقة شركات التكنولوجيا تستعد لتباطؤ النمو وخفض التوظيف
الواقع يتطلب دمج الخبرة المعرفية والخبرة التطبيقية مع هذه الشعارات لضمان المطالبة بما يمكن البدء به في الواقع لتحسين العقلية الذهنية في كثير من المجتمعات (شترستوك)

يتسابق الإعلام المعاصر اليوم بالشعارات الرنانة بشأن التكنولوجيا العصرية وضرورة استثمارها ودمجها في الواقع الاقتصادي، وأهمية أن يتم تطوير الأداء في أنظمة العولمة الاقتصادية التكنولوجية، وحوسبة الشركات والمؤسسات والأفراد في برامج وتطبيقات القرن الـ21، والانفتاح على العالم من خلال تمثيل الشركات العالمية ونيل الأنظمة التكنولوجية الموجودة لديها لتحقيق أنماط عصرية من التقدم والازدهار وتحقيق الأرباح الكبيرة رغم الواقع العالمي المتغير والمتقلب في كل يوم.

هناك تركيز كبير على إنتاج تكنولوجيا عصرية وفق نظام تنافس شديد ومحموم بين الدول الغربية، ولا سيما في مجال التواصل ومجال الاتصال وعلم الاجتماع الاقتصادي، والهدف الواضح من ذلك هو السيطرة على الأسواق العالمية وتحقيق التفوق النوعي

جميل جدا أن نتحدث عن هذه الشعارات والضرورات، ولكن الأجمل أن نحققها على أرض الواقع من خلال تطبيق الناجح لهذه الشعارات في واقعنا، وليس استنساخها كلها من غير تمحيص وتدقيق، وإنفاق الملايين من الدولارات في شراء تطبيقات وتكنولوجيات لا يمكن له أن يحدث أي فارق في واقع الإدارات والشركات والمؤسسات الأهلية والحكومية والوزارات المختلفة في الواقع بحكم الفارق الكبير في هضم التكنولوجيا المعاصرة وآليات تطبيقها في واقع يختلف تماما من حيث المستوى الثقافي والتكنولوجي والعقائدي والثقافي والدلالي ما بين المغرب والمشرق برمته.

ومن وجهة نظري الخاصة ومن خلال متابعاتي التي كونتها من المعروضات في الدول الأوروبية والغربية عموما في المعارض والمؤسسات الريادية ومؤسسات البحث العلمي هناك تركيز كبير على إنتاج تكنولوجيا عصرية وفق نظام تنافس شديد ومحموم بين الدول الغربية، ولا سيما في مجال التواصل ومجال الاتصال وعلم الاجتماع الاقتصادي، والهدف الواضح من ذلك هو السيطرة على الأسواق العالمية وتحقيق التفوق النوعي دون مراعاة للفارق الكبير بين وادي السيليكون في الولايات المتحدة مثلا أو المعاهد التكنولوجية في ألمانيا وبين الدول العربية والدول الأفريقية، فالفارق لا يمكن أن يقاس بالسنوات أو العقود حتى يتم طرح مثل هذه الشعارات في تلك البيئات المتباينة.

وحتى أضع القارئ الكريم في جزء من معادلة الحل فإن الواقع يتطلب دمج الخبرة المعرفية والخبرة التطبيقية مع هذه الشعارات، لضمان المطالبة بما يمكن البدء به في الواقع لتحسين العقلية الذهنية في كثير من المجتمعات قبل المطالبة بتطبيقها جملة وتفصيلا على واقع لا يتقبل مبادئ التعامل معها، وهنا تصبح الخبرة العلمية المتمثلة بالقطاع الأكاديمي والخبرة العملية المتمثلة بالقطاع الصناعي ورجال الأعمال ومؤسسات الصناعة والتكنولوجيا ونحوها حجر الزاوية في معادلة ما هو ممكن وما هو متاح وما يمكن البدء به كمرحلة أولى وثانية وثالثة وفق خارطة طريق يمكن التعاطي معها بإيجابية.

صناعة الاستدامة في فهم التكنولوجيا العصرية والتعامل معها كضرورة إلزامية للمستقبل والنهضة يتطلبان بالضرورة أن تكون هناك رؤية شاملة للمؤسسة تبدأ بفهم الإدارة العليا لهذه الأفكار والنظريات وأهميتها وانعكاسها على مستقبل الشركة ومكانتها وحجمها في السوق المحلي والعالمي

إن السباحة مع التيار والتقليد الأعمى الذي نراه يتردد في كثير من المؤسسات التعليمية والصناعية ومؤسسات الذكاء الاصطناعي في كثير من حالاته لا يتوافقان مع الواقع، ولا يمكن تحقيقهما بالفعل في عالم الصناعة والتجارة البينية، لا على مستوى النظرية ولا مستوى التطبيق، ليس لضعف العقول في المشرق، بل لافتقادنا إلى البنى التحتية والتوجهات الحكومية الداعمة في هذا الاتجاه بصورة عقلانية ومنطقية وتراكمية.

كثير من المنشآت الاقتصادية التي نعرفها ونعرف إداراتها حول العالم -والتي قامت بتطبيق الأنظمة الذكية والحديثة في مجال التكنولوجيا العصرية، والتي تمثل نقطة قوة لها في مستويات تقدمها- تتحدث لنا عن كون هذه التكنولوجيا المنقولة عناوين براقة لا يستطيع الموظف البسيط أو غير المؤهل أن يتعامل معها بصورة مستمرة وفاعلة، ليس لكونها صممت بطريقة خاطئة أو من طرف جهة غير مؤهلة، بل لكونها لا تتفق مع العقلية والذهنية التي تعمل بها الشركات في المشرق على وجه التحديد حتى لو تم عمل بعض التأهيل المبدئي للعمال أو الموظفين على التعامل معها، وهو ما يجعل منها ديكورات وصيغا وشهادات تعلق على جدران هذه الشركات والمؤسسات بدون طائل.

صناعة الاستدامة في فهم التكنولوجيا العصرية، والتعامل معها كضرورة إلزامية للمستقبل والنهضة يتطلبان بالضرورة أن تكون هناك رؤية شاملة للمؤسسة تبدأ بفهم الإدارة العليا لهذه الأفكار والنظريات وأهميتها وانعكاسها على مستقبل الشركة ومكانتها وحجمها في السوق المحلي والعالمي، مرورا بأساليب التوظيف ومعايير اختيار العاملين ليكونوا قادرين على التعاطي مع مستجدات التكنولوجيا، وانتهاء بإعداد وإقرار برامج الضبط والتقييم والتقويم المستمرة للواقع العام ومستويات التقدم مرحلة إثر مرحلة، وهذه هي الخبرة المقصودة والمطلوبة لتسيير مركب التقدم لهذه المنشآت الصناعية والتجارية والرسمية على حد سواء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.