شعار قسم مدونات

المؤسسة المتعلمة هي الأقدر على الصمود

لقطة عامة لطلاب في جامعة غازي عنتاب التركية تتضمن حضورًا بارزًا للمحجبات_ المصدر_ الصفحة الرسمية للجامعة_ التاريخ غير محدد(2)
تحويل منظمات القرن 21 إلى منظمات متعلمة يمثل عملية ديناميكية ملحة في عصر عولمة الإدارة (جامعة غازي عنتاب)

يعد التعلم التنظيمي والتدريب المهاري من أهم ركائز التميز وجودة الأداء المؤسسي في المنظمات العصرية، فهو يقدم مقاربة إستراتيجية عملية لتنمية المهارات الإبداعية للموارد البشرية وتفجير طاقاتها الخلاقة، كما يسهم في إعادة هندسة الثقافة التنظيمية للمنظمة وتنميتها باستمرار، من خلال تغذيتها بالمهارات والمعارف والثقافات والمفاهيم المستجدة في الميدان التنظيمي، مما يؤدي إلى بناء مركزها التنافسي وتعزيزه في ظل بيئة تنظيمية معولمة متسمة بالتنافسية والديناميكية.

وتشير الدراسات المتخصصة في التنمية البشرية في ميدان العمل إلى أن هناك علاقة مطردة بين نسبة التعليم ونوعية الأداء الوظيفي للأفراد وبين الأداء المؤسسي للمنظمات؛ فبقاء المنظمة في حالة تعلم مستمر مؤشر على قدرتها على مجابهة التحديات الطارئة واحتواء المشكلات النازلة والتنبؤ بالمتغيرات المستقبلية، كما أن الموارد البشرية المتعلمة وذات التأهيل العالي هي الأقدر على التكيف مع متطلبات العولمة الوظيفية والشروط الجديدة لتكنولوجيا العمل، كما لديها القدرة على الانسجام السلس مع التنوع الثقافي وإدارة التغيير والبيئة التنافسية وحاجات التطوير التنظيمي والإدارة الإلكترونية.

وزارة العمل الأميركية أجرت دراسة حول مواقع العمل ذات الأداء المرتفع في محاولة لإيجاد نقاط مميزة لهذه المواقع؛ فوجدت أن من بين المعايير معيار تنمية المهارات والمعلومات من خلال التدريب والتعلم المستمر

ومن جهة أخرى، فقد استقر لدى المختصين في إدارة الموارد البشرية أن الاستثمار في برامج تعليم وتدريب الموارد البشرية هو استثمار رابح وذو عائد يفوق حجم الموارد المالية المخصصة للبرامج التدريبية، إذ سيقلل نسب الأخطاء ويطور مهارات العاملين؛ مما يحقق معدلات عالية من الكفاءة التشغيلية والإنتاجية، حيث سيتمكن الموظفون من أداء المهام بأحسن طريقة وأسرع وقت وأقل تكلفة، مما يسهم في تدني مستويات الهدر في قوة العمل وكمية الموارد المالية والمادية، وفي المقابل يُحسِّن كفاءة استثمار الوقت والجهد والمادة الأولية. ولا شك أن انعدام الاستغلال الأمثل لهذه الأخيرة سيكبد المنظمة خسائر أكبر وإنفاقا أكثر ونجاعة أقل؛ وفي المحصلة سيضعف من قدرتها التنافسية وفعاليتها الإنتاجية.

وأكدت دراسة أميركية أجريت على 300 منظمة في القطاعين الخاص والحكومي، لتحديد تأثير العملية التعليمية على الإنتاجية، أن زيادة الاستثمار في التعليم بنسبة 10% أدت إلى زيادة إنتاجية المنظمات الحكومية بـ11%؛ وبالتالي تأكد أن الاستثمار في التعليم هو الأفضل في زيادة الإنتاجية.

كما أجرت وزارة العمل الأميركية دراسة أخرى حول مواقع العمل ذات الأداء المرتفع، في محاولة لإيجاد نقاط مميزة لهذه المواقع؛ فوجدت أن من بين المعايير معيار تنمية المهارات والمعلومات من خلال التدريب والتعلم المستمر، وكذلك التشارك في المعلومات. (عبد الفتاح بوخمخم وشابونية كريمة، تسيير الكفاءات ودورها في بناء الميزة التنافسية. ورقة بحثية مقدمة في الملتقى الدولي حول اقتصاد المعرفة، جامعة بسكرة، نوفمبر 2005)

إن تحويل منظمات القرن 21 إلى منظمات متعلمة يمثل عملية ديناميكية ملحة في عصر عولمة الإدارة والقيم التنظيمية، خاصة مع بروز تنافسية حادة على معايير الجودة، مما يضع قدرة المنظمات على الاندماج في مسار التنمية والتحديث على المحك، لأن البديل لن يكون سوى الفشل المؤسساتي وغياب الفعالية والنجاعة التنظيمية في عالم يحتكم إلى الأفضل والأجود.

فالمنظمة المتعلمة هي فضاء مساعد على تنمية معارف ومهارات الموارد البشرية، فهي تمثل فلسفة إدارية متقدمة من حيث: الثقافة التنظيمية وأنماط إدارة الموارد البشرية وفلسفة القيادة الإدارية، وهذه المحاور تشكل زوايا مثلث الجودة التنظيمية التي تسهم في ترسيخ مفهوم إدارة التغيير والتطوير التنظيمي، وبناء أسس وثقافة المنظمة المتعلمة.

يجب تشجيع الموظفين على التحكم في المعرفة التخصصية وإتقان المهارات العصرية، والتكيف مع المتطلبات الملحة

ولنجاح تطبيقات نموذج المنظمة المتعلمة في المؤسسات الإدارية على اختلاف مجالاتها، يتحتم على القادة في الإدارات العليا تبني خطط إستراتيجية فعالة وأكثر مرونة، وبناء ثقافة قائمة على التنوع والمشاركة، وتشجيع التكوين والتدريب المهاري، وتحفيز العاملين على التنمية المستدامة لكفاءاتهم عبر الانخراط في دورات مهنية وتدريبية، ومواصلة التكوين في مستويات عليا وضمن مراكز متخصصة، مع ضرورة قيام الإدارة بتثمين هذا التدريب وتكييفه مهنيا من حيث الرتبة والمسؤوليات والمهام، إضافة إلى التثمين المادي.

ومن جهة أخرى، يجب تشجيع الموظفين على التحكم في المعرفة التخصصية وإتقان المهارات العصرية، والتكيف مع المتطلبات الملحة التي تفرضها تحديات العولمة ومجتمع المعلومات الرقمي.

فالمنظمة المتعلمة ليست عبارة عن مصطلح جذاب ومثير، بل تمثل بُعْدا تنظيميا جديدا في ثقافة التسيير والقيادة، مختلفا جذريا عن الأنماط الكلاسيكية والبيروقراطية الجامدة التي أثرت سلبا على بيئة العمل، ودفعت نحو ترسيخ الثقافة العدمية لدى الموظفين، ووأد روح الإبداع، ومقاومة التغيير، والروتين القاتل، ومعاداة التحديث، وتوطين مظاهر الفساد الإداري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.