شعار قسم مدونات

كيف تجعل ابنك يصرُّ على النجاح؟

طفلتان من القدس خلال فقرة الألعاب التعليمية في مكتبة الأطفال
لابد من تعزيز عدم الاستسلام بدلًا من الاعتماد على القدرة الفطرية لدى الأطفال (الجزيرة)

من أهم أسباب تخلف مجتمعنا -فيما أرى- طغيان التفكير بالتمني والذي يُعرف بالإنجليزية (wishful thinking) بمعنى أن يتصور المرء أن شيئًا ما يود أن يحدث سيحدث على الرغم من عدم إمكانية حدوثه. وقد قابلت أشخاصًا سواء في نطاق العمل أو في الحياة بشكل عام غارقين في هذا النوع من التفكير لدرجة التغيُّب عن الواقع فتراهم في وادٍ والعالم كله في وادٍ آخر، ومن ثم لا يستطيعون الرؤية بعين مجردة -بعيدة عن الهوى وضلالاته وقريبة من الواقع وحقائقه- فيتعرفون إلى إخفاقاتهم ويحاولون تفاديها فيما بعد حتى يصيروا ناجحين أصحاب عقلية متقدمة لا متخلفة.

تقول البروفيسورة كارول دويك رائدة حركة عقلية النمو إنه بدلًا من غرس فِكر المُطلق فيما يخص القدرات يتوجَّب علينا كآباء ومعلمين إرساء الفِكر الذي مفاده أن المجهود هو العامل المحوري في التحصيل

وأذكر مديرًا في بداية حياتي العملية كانت له أخطاء فادحة لكنه كان يتحدث عن إنجازات وهمية -بكل ثقة وفخر- وكأنه يعيش أضغاث أحلام، فكنت أتساءل في نفسي: من أين أتى بهذه الثقة وكيف يرى الأمور على عكس واقعها؟ وانتهيت إلى أنه من المؤكد أن مرجع الأمر إلى طفولته، فربما أوهمه أحدُ والديه -وهما من هما في التأثير على الطفل- أنه شخص فريد لا يخطئ أبدًا إلى أن صدّق؛ لكن ما كان يغيظني من هذا المدير أنه يريد ممن حوله أن يصدقوا كونه صاحب إنجازات عظيمة وليست أخطاء فادحة. فهل لهذا التصور أساس علمي؟

تقول البروفيسورة كارول دويك رائدة حركة عقلية النمو -التي تعد ثورة في الفكر بالغة الأثر في مجال التعليم- إنه بدلًا من غرس فِكر المُطلق فيما يخص القدرات يتوجَّب علينا كآباء ومعلمين إرساء الفِكر الذي مفاده أن المجهود هو العامل المحوري في التحصيل؛ ذلك أن الاستسلام وليس الافتقار إلى القدرة عادة ما يكون سبب الفشل.

وقد نقضت البروفيسورة كارول دويك طريقة مدح الطفل بما ليس فيه، على أمل أن يتحلى بالصفة المرجوة عندما ننعته بها، بأن يُمتدَح الطفل لذكائه فيتولد لديه "الاعتقاد بأنه ذكي"، الأمر الذي يُتوقع منه تحفيزه على التعلم.

وأضافت: "ما لم يتمَّ التعامل مع المدح بشكل سليم، فسوف يصبح سلبي الأثر، أو نوعًا من المخدرات التي تجعل من الطلاب أشخاصًا سلبيين يعتمدون على آراء الآخرين بدلًا من أن يتخذوهم داعمين".

التباين بين عقلية "النمو" و"العقلية الثابتة" واضح لدى كارول دويك. ففي الوقت الذي تثبت فيه "عقلية النمو" أن "الذكاء يتحسن بالتحديات"، تنبئ "العقلية الثابتة" عن أن القدرات مطلقة لا تتغير.

لذلك فلا بد من تعزيز التصميم بدلًا من الاعتماد على القدرة الفطرية، والأفضل للطفل أن يشعر حيال نفسه عندما تواجهه عقبة أنه يستطيع إيجاد طريقة للتغلب عليها بألا يستسلم، وهو ما يسمى "الجَلَد" أي الصمود والإصرار على الرغم من الصعوبات. فمن المرجح أن الأطفال الذين يتمتعون بعقلية النمو يثابرون عندما يتعرضون للفشل؛ لكونهم يعتقدون أن الفشل لا يمثل حالة ثابتة.

إن التباين بين عقلية "النمو" و"العقلية الثابتة" واضح لدى دويك. ففي الوقت الذي تثبت فيه "عقلية النمو" أن "الذكاء يتحسن بالتحديات"، تنبئ "العقلية الثابتة" عن أن القدرات مطلقة لا تتغير.  فأنت إما ذكي وإما لا.  ويمكنك أداء شيء أو لا. وغالبًا ما تكون العقلية الثابتة نتيجة التنشئة بمدح "الموهبة"، بأن يقول الأب أو الأم لابنهما: "أنت عبقري!، يمكنك فعل أي شيء"، ومن ثم تمثل هذه العقلية عقبة أمام الصمود في مواجهة المشكلات والعراقيل.

ولذلك إذا انتهج الوالدان منطق عقلية النمو وغرسوه في ابنهما صار شخصًا قويًا يستطيع مواجهة مشكلاته بالتفكير في حلولٍ لها فيكون بذلك مُصرًا على النجاح وصامدًا أمام صعوباته، وهو ما يؤدي إلى تقدمه. على عكس الطفل الذي غُرس فيه منطق العقلية الثابتة، سيصبح شخصًا هشًا يتهاوى أمام أصغر مشكلة، ولا يخرجه من شعوره بالعجز والهشاشة إلا التغيب عن الواقع والعيش في أضغاث أحلام والتفكير بالتمني، وهو ما يؤدي إلى تخلفه. إذن، فإذا نجحت يا قارئي العزيز في غرس عقلية النمو في ابنك صار مشروعك الناجح بحق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.