شعار قسم مدونات

تحسين جودة الهواء في المدارس.. نهج أكثر صحة

4-صورة تظهر ازدحام الغرف الصفية وضيقها بسبب النقص الحاد في عدد الغرف الصفية بمدارس القدس مما يؤدي لهجرة إلى المدارس التابعة لمظلة المعارف الإسرائيلية(الجزيرة نت)
صورة تظهر ازدحام الغرف الصفية وضيقها بسبب النقص الحاد في عدد الغرف الصفية بمدارس القدس (الجزيرة)

تعتبر جودة الهواء الداخلي الجيدة عنصرا أساسيا في بيئة التعلم، وتؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان ورفاهيته، وخصوصًا طلبة المدارس. فجودة الهواء الرديئة قد تسبب، في مثل هذه البيئات، أمراض الجهاز التنفسي لملايين التلاميذ في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت الحالي الذي يتعافى فيه العالم من وباء كورونا، يتطلب الأمر إجراءات أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لمعالجة عبء هذه التأثيرات.

الرداءة في الجودة الداخلية للهواء يمكن أن تنجم عن سوء الإدارة والتشغيل والصيانة والتنظيف، ويمثل التلاميذ شريحة مختلفة من السكان عن البالغين من عدة نواح، فهم أكثر عرضة لملوثات البيئة الداخلية السيئة، إذ يتنفسون مزيدا من الهواء في كل مرة، وهم أكثر حساسية للحرارة والبرودة والرطوبة، ومن ثم فإن احتمال ضعفهم أعلى من البالغين. وقد تؤثر الظروف السيئة على التطور السليم، ومع ذلك يمكن لبيئة التعلم الصحية أن تقلل من معدل الغياب وتحسن من درجات الاختبار وتعزز إنتاجية التلاميذ والمعلمين. في هذه المقالة، نستعرض بعض نتائج هذه الدراسات العالمية التي تسلط الضوء على أهمية تحسين جودة الهواء لطلبة المدارس.

أدى استنشاق الهواء الملوث إلى زيادة معدلات وفيات الأطفال وأمراض الجهاز التنفسي الحادة والربو، نظرا لاختلاف استجابات أجهزة المناعة لدى الأطفال عند التعرض للهواء في الأماكن المغلقة

نهج أكثر صحة

وعن أهمية جودة الهواء بصفتها نهجا للمحافظة على صحة الطلاب، كتبت مجموعة مؤلفة من 19 باحثا مقالا نشر أكتوبر/تشرين الأول 2022 بـ"مجلة هندسة البناء" تحت عنوان "جودة الهواء الداخلي والصحة في المدارس: مراجعة نقدية لتطوير خارطة الطريق لبيئة مدرسة المستقبل". وفي هذا المقال، تم تلخيص نتائج 50 عاما من أبحاث جودة الهواء في الفصل الدراسي، أجريت في 40 دولة عبر 6 قارات، وخلصت إلى أن الملوثات المختلفة تشكل مخاطر شديدة على صحة الطلاب. وقد كتب الباحثون أن جودة الهواء في الأماكن المغلقة في المدارس تتميز بمجموعة من الملوثات بما فيها البكتيريا والفيروسات والمركبات العضوية المتطايرة والجسيمات والمعادن الثقيلة. وأشاروا إلى أن عديدا من الدراسات قد وجدت أن مستويات بعض الملوثات المحمولة جوا كانت أعلى داخل المدارس عنها في المنازل والمباني التجارية.

وكتب الباحثون أن "استنشاق الهواء الملوث أدى إلى زيادة معدلات وفيات الأطفال وأمراض الجهاز التنفسي الحادة والربو، فنظرا لاختلاف استجابات أجهزة المناعة لدى الأطفال عند التعرض للهواء في الأماكن المغلقة، تم الإبلاغ عن عديد من الأمراض المزمنة". استندت هذه الورقة إلى مراجعة 304 تقارير وورقات بحثية نشرت بين عامي 1970 و2022، وهي تقدم نظرة عامة واسعة على الأبحاث التي تدرس أنواع الملوثات. ووجدت -على سبيل المثال- أن المركبات العضوية المتطايرة، وهي عبارة عن مجموعة من المواد الكيميائية التي تستخدم في التأثيث والتشطيب، من أخطر الملوثات الموجودة في هواء الفصل.

وفي هذا الصدد، كتب الباحثون: "تعتبر مواد البناء والمفروشات -مثل المكاتب والأرفف وراتنجات المنتجات الخشبية والمواد اللاصقة والدهانات والمواد الكيميائية لتنظيف السجاد- مصادر انبعاثات أولية للمركبات العضوية المتطايرة في المدارس، وتكون تركيزات المركبات العضوية المتطايرة في المباني المدرسية المبنية حديثا أو التي تم تجديدها مؤخرا أعلى بكثير من مستويات البيئة المحيطة العادية". وأكد الباحثون أن الهواء الرديء يؤثر على العمل المدرسي النموذجي للتلاميذ وأداء مهام التعلم البسيطة، مثل الرياضيات وتمارين اللغة. وأكدت الأبحاث أن الطلاب معرضون لخطر متزايد للإصابة بمشاكل في الجهاز التنفسي عند وجود الرطوبة والعفن في المدارس.

وقد قام المجلس الاستشاري العلمي التابع لوكالة حماية البيئة بتصنيف تلوث الهواء الداخلي ضمن أكبر 5 مخاطر بيئية على الصحة العامة. وقد وجدت مراجعة الأدبيات لعام 2017 أن معدلات التهوية في المدارس بعدد من الدول تقل بانتظام عن معايير الجمعية الأميركية لمهندسي التدفئة والتبريد وتكييف الهواء، التي تعتبر ضرورية لبيئة صحية. وقد أوضحت الجمعية أن التركيب والتشغيل والصيانة تعد مفاتيح رئيسية للتهوية المناسبة في الفصول الدراسية، غير أن هذه الأنظمة المسؤولة عن تكييف الهواء غالبا ما تكون قاصرة.

ولنهج أكثر صحة، أعلنت الحكومة الفدرالية الأميركية عام 2021 أنها ستوزع 123 مليار دولار من أموال الإغاثة الطارئة لمساعدة المدارس لمنع انتشار الجائحة والتعافي من تأثيرها

وأكد كبير العلماء وليام فيسك من مختبر تديره جامعة كاليفورنيا -بعد أن راجع الأدبيات العلمية المنشورة من 1995 إلى 2016 عن التهوية المدرسية ومستويات ثاني أكسيد الكربون في الفصول الدراسية في مختلف بلدان العالم بما في ذلك الولايات المتحدة والصين واليونان والسويد- أن تكلفة تعزيز معدلات تهوية الفصول الدراسية صغيرة مقارنة بالفوائد على صحة الطلاب والأداء الأكاديمي. وقد كتب: "الدليل على وجود ارتباط بين أداء الطلاب المتزايد مع زيادة معدلات التهوية هو دليل مقنع"، مضيفا أن "هناك دليلا على وجود ارتباطات لتقليل الآثار الصحية التنفسية وتقليل غياب الطلاب مع زيادة معدلات التهوية". وأشار فيسك كذلك إلى أن تكاليف الطاقة في المدارس سوف ترتفع إذا قامت بتحسين التهوية في فصولها الدراسية، وستحتاج عديد من المدارس أيضا إلى ترقية أو إصلاح أنظمة التهوية والتدفئة وتكييف الهواء الخاصة بها.

وفي تقرير لدراسات تم تحديثها حول جودة الهواء الداخلي في المدارس الأميركية، نشر يوم 12 أبريل/نيسان 2022، جاءت نتائجه مثيرة للمخاوف بشأن عدد المناطق التعليمية التي لم تتبع إرشادات الحكومة الفدرالية بشأن إستراتيجيات زيادة تدفق الهواء الداخلي والتهوية المدارس لمنع انتشار مرض كورونا، إذ سلطت الجائحة الضوء على جودة الهواء الداخلي في المدارس وأهمية التهوية للسيطرة على هذه الجائحة. كما أنها جلبت الانتباه مجددًا إلى مشكلة طويلة الأمد في عديد من الفصول الدراسية في الولايات المتحدة الأميركية بدءا من تلوثها بوبر الحيوانات الأليفة وأبخرة الطلاء إلى العفن والمعادن الثقيلة والفورمالديهايد.

ولنهج أكثر صحة، أعلنت الحكومة الفدرالية الأميركية عام 2021 أنها ستوزع 123 مليار دولار من أموال الإغاثة الطارئة لمساعدة المدارس لمنع انتشار الجائحة والتعافي من تأثيرها. وقد كان لدى هذه المناطق التعليمية تراكم من أعمال التجديد والصيانة المؤجلة. وقد حثهم قادة الصحة والباحثون على وضع بعضها في اتجاه تحسين جودة الهواء الداخلي. وفي الوقت نفسه، شدد مركز السيطرة على الأمراض على أن تحسين تدفق الهواء والتهوية أمران حاسمان في المساعدة على منع انتشار كوفيد-19.

وفي شرق الولايات المتحدة، قام باحثون بتحليل عينات من الغبار، جمعت من 32 مدرسة في مناطق مكتظة بالسكان، فوجدوا أنها تحتوي على عدة أنواع من العفن. واكتشفوا أيضا أن مستويات العفن في غبار الفصل الدراسي غالبا ما تجاوزت مستويات العفن الموجود في الغبار الذي تم جمعه من المنازل المحلية. وعندما بحث الباحثون عن الروابط بين مستويات العفن ومعدلات الربو بين تلاميذ المدارس الذين يعيشون في المنطقة، وجدوا أن الربو كان أكثر شيوعا في المدارس ذات المستويات الأعلى من العفن في الهواء الطلق. كما وجدت الدراسة أن آثار التعرض للجسيمات الدقيقة ذات القطر 2.5 (PM 2.5) مرتبط بضعف الإدراك والربو المتفاقم.

نحن بحاجة إلى مزيد من الدراسات الشاملة عن التعرض للعوامل البيئية وأداء الطلاب، كما يجب تقييم تدابير التخفيف الأكثر تعقيدا من خلال مراعاة الآثار الصحية لجودة الهواء الداخلي على طلبة المدارس

وفي دراسة أجريت في مناطق من برشلونة بإسبانيا عام 2015 لمعرفة العلاقة بين تلوث هواء المرور والتنمية المعرفية لدى أطفال المدارس الابتدائية، تم التوصل إلى أن الأطفال الذين التحقوا بالمدرسة، التي كانت بها مستويات عالية من التلوث المروري بالسيارات، أظهروا تقدما أقل في الاختبارات المعرفية مقارنة بالأطفال الملتحقين بالمدارس التي كان التلوث المروري فيها منخفضا. واقترح الباحثون أن أضرار تلوث الهواء يمكن أن تبقى مع الأطفال لسنوات في المستقبل، وخلصوا إلى أن ضعف الوظائف المعرفية العالية له عواقب وخيمة على التحصيل الدراسي، ومن ثم، قد يؤدي انخفاض النمو المعرفي لدى الأطفال الملتحقين بالمدارس الأكثر تلوثا إلى ضعف في رأس المال العقلي، الذي قد يكون له تأثير طويل الأمد على مسار الحياة.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُعتبر تلوث الهواء الداخلي من بين أهم عوامل المخاطر الصحية التي تؤثر على الأطفال. فهو يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض التنفس مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية والحساسية. إلى جانب ذلك، قد يؤدي تلوث الهواء الداخلي أيضًا إلى زيادة نسبة غياب الطلاب عن المدرسة بسبب المشاكل الصحية المرتبطة به.

عربيًا، تم إجراء عدد من الدراسات في عدة دول خليجية. ففي جدة، أُجريت دراسة عام 2019 في مدارس البنين، حيث تم قياس جودة الهواء الداخلي في الفصول الدراسية. ووجدت الدراسة ارتفاع مستويات التلوث الهوائي داخل الفصول مما يؤثر على صحة الطلاب وتركيزهم. وأوصت الدراسة بتحسين أنظمة التهوية والتكييف والاهتمام بتنقية الهواء لتحسين جودة الهواء في المدارس. وفي الإمارات أُجريت دراسة عام 2017 في عدد من المدارس، حيث تم تقييم جودة الهواء الداخلي في الفصول الدراسية ومرافق المدارس. ووجدت الدراسة ارتفاع مستويات التلوث الهوائي بسبب الغبار والروائح الكيميائية في بعض المدارس. وأوصت الدراسة بتحسين نظام التهوية وتنظيف الفلاتر واستخدام مواد منخفضة الانبعاثات لتحسين جودة الهواء.

وخلاصة القول إننا بحاجة إلى مزيد من الدراسات الشاملة عن التعرض للعوامل البيئية وأداء الطلاب كما يجب تقييم تدابير التخفيف الأكثر تعقيدا من خلال مراعاة الآثار الصحية لجودة الهواء الداخلي على طلبة المدارس. فجودة الهواء الداخلي مهمة بشكل خاص، لأنها تؤثر على صحة وأداء وراحة موظفي المدرسة والطلاب. ومن المهم خلق بيئات تعليمية داخلية صحية ممتعة في المدارس لنهج أكثر صحة واستدامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.