شعار قسم مدونات

إيران وأفغانستان.. حسابات المياه في زمن القحط السياسي

نهر هلمند
مياه نهر هلمند بين أفغانستان وإيران (الجزيرة)

حملت تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من محافظة سيستان الحدودية مع ولاية نيمروز الأفغانية اتهاما صريحا لسلطات أفغانستان بخرق اتفاقية المياه الموقعة عام 1973، صاحبه تهديد عسكري مبطن إذا لم تحترم الجارة الشرقية حقوق بلاده من مياه نهر هلمند الذي يصب في الأراضي الإيرانية.

وجاء رد إمارة أفغانستان الإسلامية على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع ووزير الخارجية أمير خان متقي بأن الحوار هو الطريق الأمثل لحل المشكلة التي تسبب بها استمرار القحط طوال سنوات، وأن الحرب وردود الأفعال السلبية لا تخدم أي طرف.

انفجر الوضع بمناوشات حدودية استولت خلالها قوات أفغانية على نقطتي حدود إيرانيتين، وتسبب تبادل إطلاق النار بقتلى وجرحى في الجانب الإيراني. ورغم أن التصريحات الأفغانية تتهم الجانب الإيراني ببدء إطلاق النار، فإن سرعة تدخل السلطات العليا في البلدين لإنهاء المواجهة تشير إلى أن تهديدات رئيسي لم يرافقها استعداد لمواجهة عسكرية مع قوات طالبان.

لا يوجد في سياق العلاقة الأفغانية الإيرانية منذ بداية عهد طالبان الجديد ما يوحي بتوتر، فإيران ضبطت قادة ما يعرف بتحالف المقاومة على أراضيها، وسلمت قبل أشهر سفارة أفغانستان لممثلي طالبان، وتضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين، ولا تجد حركة طالبان طائلا في استجلاب عداء دول الجوار، وذلك في ظل عقوبات دولية تتسبب بضائقة اقتصادية.

خبرة طهران جعلتها تطوي صفحة مقتل عدد من دبلوماسييها أثناء اجتياح عناصر طالبان لمدينة مزار شريف عام 1998، واتهاماتها باستهداف الأقلية الشيعية في شمال أفغانستان أثناء توسعها على حساب تحالف الشمال المدعوم إيرانيا وقتذاك

وفي المقابل، فإن التسخين المسيطر عليه على الحدود قد يكون مفيدا، خاصة لإيران التي تبدو رسائلها من التصعيد الدبلوماسي موجهة للداخل أكثر من الخارج، ويفسر بإخفاقات في السياسة الخارجية تمثلت بانتقادات لوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لعدم تحقيقه خرقا في الملف النووي، واستمرار الضائقة الاقتصادية بسبب العقوبات.

هذا التصعيد الدبلوماسي المطلوب إيرانيا لتعزيز الوضع الداخلي لا يفهمه كثير من الأفغان، فبمجرد إثارة صغيرة يستعيدون تاريخا طويلا من جولات الصراع قبل تشكّل الحدود الجغرافية الحديثة للبلدين، وهو ما يفسر الانتشار الواسع لتصريح حاكم مديرية في ولاية بكتيا جنوب شرقي أفغانستان، يقول فيه إن الأفغان جاهزون للاستيلاء على أصفهان، أي ما بعد طهران.

حذر من المتربصين؛ إذ يدرك الإيرانيون والأفغان جيدا أن الانزلاق إلى حرب وتوتر حدودي يصب في مصلحة أعدائهم المشتركين، ويستشعر الدهاء الإيراني دفع قوى غربية باتجاه حرب لا تكلفها دولارا ولا دما.

فخبرة طهران جعلتها تطوي صفحة مقتل عدد من دبلوماسييها أثناء اجتياح عناصر طالبان لمدينة مزار شريف عام 1998، واتهاماتها باستهداف الأقلية الشيعية في شمال أفغانستان أثناء توسعها على حساب تحالف الشمال المدعوم إيرانيا وقتذاك، وتراجعت بعد أن حشدت قواتها في مناورات هي الأولى من نوعها على الحدود الأفغانية، وذلك بعد استقرائها ردود الفعل الغربية التي كانت تحرّضها على دخول المستنقع الأفغاني.

بالنظر إلى البنية الاقتصادية الضعيفة لأفغانستان، وعدم قدرتها على الاستفادة القصوى من ثرواتها الطبيعية، فإن التغير المناخي قد يكون المسؤول الرئيس عن تراجع نقص منسوب نهر هلمند ومعه تراجع نسبة المياه في مصبه "بحيرة هامون"

ويتكرر المشهد اليوم بصورة أكثر وضوحا لأصحاب القرار الإيرانيين والأفغان، وهم يرون ناشطين ومحللين سياسيين إسرائيليين يتبنّون الدعوة لاعتراف المجتمع الدولي بحكومة طالبان في أفغانستان، بل دعمها لمواجهة إيران بذريعة أن الأفغان وحدهم القادرون على كبح طهران وتلقينها الدرس الذي تتردد إسرائيل بالمجازفة فيه.

لقد ضمنت اتفاقية عام 1973 حصص كلا البلدين من مياه نهر هلمند، وتعهدت حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة في عهد الملك ظاهر شاه، واعترفت بوجود أخطاء فنية في سد افتتح عام 2021، قبيل وصولها إلى السلطة.

وبالنظر إلى البنية الاقتصادية الضعيفة لأفغانستان، وعدم قدرتها على الاستفادة القصوى من ثرواتها الطبيعية، فإن التغير المناخي قد يكون المسؤول الرئيس عن تراجع نقص منسوب نهر هلمند ومعه تراجع نسبة المياه في مصبه "بحيرة هامون".

وبغض النظر عن التباين الفكري والمذهبي والسياسي بين ملالي طهران وكابل، فإنهما يعيان جيدا أن ما يجرّهما إلى حرب ليس نضوب المياه إنما قحط في الوعي السياسي لا يخدم إلا أعداءهما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.