شعار قسم مدونات

انتخابات مجالس المحافظات العراقية ومستقبل قوى التغيير الجديدة؟

مواطنة عراقية تصوت في انتخابات مجالس المحافظات السابقة
انتخابات مجالس المحافظات في العراق عام 2013 (الجزيرة)

النضال بوصفهِ طريقاً حقيقياً قد أثقل اللافتات التي تنادي بالتغيير، انطلاقاً من شعار تغيير النظام إلى التغيير من الداخل، ومشاركة النظام السياسي إدارة الدولة، ووصولاً إلى شعار إصلاح النظام، ونصح الحرس القديم لفريق إدارة الدولة ما بعد 2003 بالإصلاح وتقديم مصلحة الدولة على المصالح الخاصة.

وأصبحت هذهِ اللافتات الثقيلة -التي رفعتها القوى المدنية والشخصيات المستقلة- تختفي من الواجهة الفعلية لجبهة المعارضة الجديدة للنظام السياسي العراقي، على الرغم من قصر المدة بين انتفاضة تشرين عام 2019 والتي ينبغي أن تكون قد أسست لمبادئ سياسية واجتماعية جديدة، وبين توقيت الاستحقاق الانتخابي الجديد المتمثل بانتخابات مجالس المحافظات 2023، والتي من المفترض أن تكون هذه المبادئ وسائل ضغط هائلة لصناعة مشروع نضالي كبير نظراً لما تمتلكه القوى من دعم شعبي حقيقي وتضحيات كبيرة ينبغي أن تكون قد أسست لمساحة واسعة من العمل.

هل هذهِ النهاية أو مفترق الطرق لبعض القوى؟

عند معظم القوى الناشئة الجديدة انتهى مفهوم النضال والتأسيس لمشروع طويل الأمد بشكل علني، وذلك بسبب تقدم مفهوم العملية السياسية على مفهوم العملية النضالية بوصف الحراك السياسي المعارض الجديد (حراك قد أنغمس بالمشاركة السياسية على حساب البناء النضالي لمشروع التغيير الفعلي والواقعي) وذلك من خلال الزحام والتوجه الواضح من بعض القوى المدنية الجديدة على التعاون مع قوى الظل والتي بدورها تمثل قوى النظام السياسي ولكن بطريقة غير مباشرة، وذلك من خلال شخصيات مدنية ورجال غرف مظلمة وصفقات مشبوهة.

أو أن ذات القوى الجديدة تحاول الحصول على مصالحها بطريقة مباشرة مع النظام السياسي بوسائل أخرى مثل استخدام جمهور غاضب أو استخدام نواب في البرلمان منشقين على القوى المدنية المعارضة للتأثير على أجهزة الدولة بغية الحصول على مناصب ومكاسب شخصية وحزبية غالباً، وهذا ما يثلج قلب النظام السياسي من خلال وجود قوى ثورية مدنية جديدة تعيد الشرعية لهذا النظام بطريقة سهلة.

في حين تقف القوى الأخرى دون حراك ورد فعل مناسب وفضح المستور أمام الجمهور الذي يغيب على هذهِ القصة لأسباب كثيرة، ولكن لا قيمة لها أمام مستقبل الدولة، والسكوت هذا بحد ذاتهِ يعطي شرعية ومبررا للقوى التي تريد الإجهاز على المشروع النضالي والتضحية بهِ قبال المشروع السياسي الخاص بها، وهذهِ هي الورطة الحقيقية للقوى الوطنية المناضلة والتي يعيق عملها باعتقادي الخوف والتردد من ردة فعل جمهورها المؤيد لها الذي حصلت عليه القوى لأول مرة وفقاً لمدى التأييد العام والدعم المستمر ونتائج الانتخابات البرلمانية السابقة.

ما محفزات تقدم العملية السياسية على العملية النضالية؟

تنقسم المحفزات إلى العديد من النقاط، ولكن أهمها المحفزات الشخصية المزاجية كون معظم المتصدين للعملية الجديدة شباب لا يملكون قراءة موضوعية لتجارب النضال والعمل السياسي الإستراتيجي. كذلك معظم الشباب لا يملكون مقومات مادية شخصية تمكنهم من مقاومة آبار النفط وما يعرضه النظام السياسي للمحافظة على مرتكزاتهِ، فهم بالدرجة الأساس مجموعة من المطالبين بالخدمات والتعيينات وتحسين المعيشة، وقد جدوا أنفسهم على رأس هرم التغيير المفترض تقابلهم مغريات لا نهاية لها.

كذلك بعد ردة الفعل الشعبية الضخمة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحصول المستقلين وقوى المعارضة على أكثر من 80 مقعدا مجتمعين ومتفرقين الأمر الذي هو الآخر أعطى الضوء الأخضر لمعظم الشباب إذن الدخول للعملية السياسية لسهولتها نظرياً، بالمقابل ينبغي عليهم صناعة قوى تؤثر فعلياً في العملية السياسية لا أن تنغمس في العملية السياسية كجزء منها لتلبية الحاجات العامة والاعتذار عن الحاجات الأخرى بوصف النظام لا يتجاوب معهم، وهذا الفرق الشاسع بين صناعة المنظومة النضالية والمنظومة السياسية.

أما المحفزات الجديدة الخطيرة التي ستضعف هذهِ القوى بشكل أكبر، وهي الدخول جميعاً صوب انتخابات مجالس المحافظات تحت شعار ولافتة واحدة مدمج فيها العمل النضالي والعمل السياسي، وأبناء النظام في الظل وأبناء الثورة والمضحين وإلخ.. وهذهِ بادرة لكارثة وفشل حقيقي ربما لن تقوم لهذهِ القوى المدنية قائمة بعد هذا الفعل غير المدروس.

من سينقذ القوى المناضلة من قوى العمل السياسي والتهادن والصفقات المشبوهة؟

لا يمكن صناعة مشروع نضالي بطريقة السلة الواحدة للكل، ولو تشابهت الشعارات.

ما على القوى المدنية النضالية الحقيقية في العراق عمله هو تمييز صفوفها بطريقة نوعية صادمة ولو تضمنت الصدام مع القوى الأخرى علناً، وكذلك صناعة مشروع لا تكسره نتائج الانتخابات بل لا يبنى على ضوء استحقاق انتخابي أصلاً، كون الأزمة الحقيقية أن القوى المدنية تواجه عدوا شرسا ومسلحا داخل وخارج إطار الدولة بالأسلحة والقانون، ويملك سلطة القرار السياسي والقبول الدولي كواقع حال، ولا يمكن مجابهة هذهِ الخصوم بمجاميع تمثل حصان طروادة داخل الكتلة المدنية المعارضة الجديدة والتي هي بدورها مستعدة أن تنسف كل شيء قبالة مصالحها الخاصة فضلاً عن أنهم غير متفقين على مشروع حقيقي مع البقية أبداً، والقصة الانتخابية هي الشغل الشاغل لهم وهي ما يجمعهم ويخطط خطواتهم القادمة.

لذلك، فلا يمكن الثقة بمشروع لا يواجه نفسه، والشعوب ربما تكرر الثقة بذات المشهد، وربما لا توجد فرصة أصلاً لمنح الثقة مرة أخرى، فالناس على دين مصالحهم دائماً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.