شعار قسم مدونات

الحمد لله على "نعمة الزمالك"

جمهور الزمالك في استقبال الفريق في قطر
جمهور الزمالك في استقبال الفريق بإحدى الدول العربية (الصحافة المصرية)

هل استفزك العنوان؟ حسنا، فربما هذا ما أريده، لكن دعني أقول لك أولا إنني كتبته لأنه استفزني أيضا عندما قرأته مع تغيير بسيط حيث وجدت عددا غير قليل من الناس يكتب في معرض فرحته بفوز الأهلي المصري بدوري أبطال أفريقيا لكرة القدم قائلا: الحمد لله على نعمة الأهلي!

آخرون من مشجعي الأهلي في مصر يكتبون عبارة أخرى متكررة مفادها أن الأهلي هو مصدر الفرحة الوحيد في حياتهم! وهي عبارة لا أدري هل يقصدونها حقا ويدركون كل دلالاتها أم لا؟!

هل يليق بنا أن ندعو الله أو نحمده من أجل انتصار فريق كروي لا يمت لنا بصلة حقيقية غير أننا نشجعه ونفرح لفوزه؟

وهنا أريد أن أنتقل بك سريعا عزيزي القارئ من هذه المقدمة التي ربما زادت من حالة الاستفزاز التي أصابك بها العنوان، ولننتقل إلى مستوى أكثر جدية أو بالأحرى مستويين، راجيا منك هنا أن تنسى الأهلي والزمالك وتفكر معي في مدلول المدونة لأنه ينطبق على كل الأندية وكل النجوم سواء في مجال الرياضة أو حتى غيرها..

سآخذك أولا إلى نقطة تمهيدية وأتساءل معك: هل يليق بنا أن ندعو الله أو نحمده من أجل انتصار فريق كروي لا يمت لنا بصلة حقيقية غير أننا نشجعه ونفرح لفوزه؟ لاحظ أنني لم أسأل: هل هذا حلال أم حرام؟ فليس هذا مما أتجرأ على التورط في الإفتاء بشأنه.

لكن بما أنها مدونة تحتمل كتابة يغلب عليها البعد الذاتي، فسأستغل ذلك لأقول لك دون مواربة إنني لا أحللها لنفسي، وفي أحسن الأحوال لا أعتقد أن من حسن الأدب مع الله أن أدعوه من أجل الأهلي أو الزمالك، الوداد أو الرجاء، برشلونة أو ليفربول، فيدرر أو نادال، وهلم جرّا.

شخصيا، وهذا ما ألزم به نفسي، أدعوه جل شأنه من خير الدنيا والآخرة، وتصوري لخير الدنيا هنا هو الصحة والعافية وصلاح الأهل والذرية ونجاح الأولاد وتوفيقهم والغنى عن الناس، وما إلى ذلك.

أما أن أرفع يدي مبتهلا أن يفوز هذا الفريق أو يسجل هذا اللاعب أو تطيش تسديدة ذلك المنافس، فهذا ما لا أفعله، وهذا حقي، كما أنني لا أستسيغ رؤيته أو سماعه، وهذا حقي أيضا.

أذكر أني خضت نقاشا مشابها، ورد البعض بحديث شريف مفاده أن نسأل الله حوائجنا حتى الملح، فقلت لهم بصرف النظر عن كونه حديثا ضعيفا، فإني لا أتحدث عن حلال وحرام بقدر ما أتحدث عما أراه نوعا من حسن الأدب مع خالق الخلق وملك الملوك.

لا أريد أن أبدو مختلفا أو متحذلقا، وأقدّر تماما أن الإنسان بحاجة إلى اللهو كما أنه بحاجة إلى الجد، وشخصيا أحرص على مشاهدة منافسات رياضية في كرة القدم والتنس وغيرها كلما تيسر لي وسمح بذلك الوقت، لكن هل فعلا عندما يقرر أحدنا أن يعدد نعم الله عليه يمكن أن يذهب إلى حد شكر الله على "نعمة الأهلي" أو غيره من الأندية، كما قرأت في عشرات المنشورات

أصبحت لدي قناعة متزايدة مفادها أن الإلهاءات التي يتعرض لها الناس أشد ضررا مما قد نتصور، لأنها تصرف وعي الناس عن القضايا الضرورية الأكثر مساسا بحياتهم

حسن الأدب مع الخالق

هذا عما أراه نوعا من حسن الأدب مع الخالق المنعم المتفضل على عباده، فماذا عما أراه نوعا من التغييب؟ تعال معي إلى الزاوية الثانية والأكثر ارتباطا بعنوان المدونة، هذا إن كنت ما تزال تطيق صبرا على ما تقرأه!

لو قلنا إن المصريين (والحال لا يختلف في بقية البلدان حسب ظني) ينقسمون بين تشجيع الأهلي والزمالك، لكنهم يتفقون في المعاناة من صعوبات الحياة وارتفاع الأسعار وغير ذلك.. فأي الفئتين أحسن حظا؟

للوهلة الأولى وربما بعد ذلك أيضا تبدو فئة مشجعي الأهلي أسعد حظا، وهم أنفسهم يقولون ذلك كما أوضحنا، فهم إما حامد لله على نعمة الأهلي أو مؤكد أن الأهلي هو مصدر الفرحة الوحيد لديه.

فانتصارات الرياضة تنسي مشجع الأهلي بعض همومه، بينما خيبات منافسه الرئيسي الزمالك ربما تزيد على أنصاره الهموم، أو في أحسن الأحوال لن تعطيهم هذه الفسحة من الشعور بالرضا والسعادة.

فهل الفئة الأولى أحسن حالا؟ أم أنها تشبه من يتناول مخدرا ينسيه لفترة من الوقت بؤس حاله أو صعوبة عيشه؟ وهل من يمكنه أن ينسى لبعض الوقت أفضل أم من لا يمكنه ذلك ممن اجتمعت عليه الخيبات كالزمالك الذي تشجعه الفئة الثانية؟

بالنسبة لي كشخص درس السياسة ويعمل بالإعلام، أصبحت لدي قناعة متزايدة مفادها أن الإلهاءات التي يتعرض لها الناس أشد ضررا مما قد نتصور، لأنها تصرف وعي الناس عن القضايا الضرورية الأكثر مساسا بحياتهم وحاضرهم بل ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

ولما كانت الرياضة المحلية في كل بلد من بلادنا العربية تأتي في صدارة قائمة الإلهاءات، فقد بت أعتقد أن كونك زملكاويا يخسر فريقك ويزيد على همومك الشيء القليل، ربما يكون أفضل من أن تكون أهلاويا وتعطيك انتصارات فريقك وهما زائفا بأن كل شيء على ما يرام وأن الحياة وردية طالما "الشياطين الحمر" ينتقلون من نصر إلى نصر!

لكن كي أكون منصفا، يجب علي أن أتساءل أيضا: هل وصف هذه الفرحة بأنها نوع من الإلهاء السلبي ينطلق من منطق صحيح بالضرورة؟ أم أن الأمر قد يكون نوعا من خداع النفس يسلي به أنصار الفرق الخاسرة أنفسهم عبر محاولة التنظير على مشجعي الفرق الأكثر حظا.

المؤكد عندي أن المقياس يجب أن يكون واحدا، وأن من يسخر من فكرة اعتبار تشجيع الأهلي نعمة من الله، عليه ألا ينكص على عقبيه إذا انقلب الحال وعادت انتصارات الزمالك

أهمية الوعي

كلها أسئلة لا أملك لها جوابا، ولا أظن أنك تطالبني بذلك، وأنا أيضا إن كان لي أن أطالبك فببعض التفكير في هذا المعنى دون أن نظن أنا أو أنت أن لدينا الحقيقة المؤكدة أو اليقين الصادق.

لكن المؤكد عندي أن المقياس يجب أن يكون واحدا، وأن من يسخر من فكرة اعتبار تشجيع الأهلي نعمة من الله، عليه ألا ينكص على عقبيه إذا انقلب الحال وعادت انتصارات الزمالك، ففي كل الأحوال هو عندي لهو حبذا لو لم يتجاوز حدوده المعقولة، وإلهاء حبذا لو تم تجنبه أو على الأقل امتلاك وعي ناضج يقي من شروره.

في النهاية، أعتقد أن رأيي سيروق لك لو كنت مثلي تميل إلى فريق نادر الانتصارات، أما إن كنت من الفئة الأخرى فربما يجب علينا الانتظار حتى يتغير الحال كي تدرك أن كلامي قد يكون صحيحا ومخلصا!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.