شعار قسم مدونات

اختلاف ألوان أم "تان"؟

close up of women hands receiving sunblock cream lotio
أصبحت البشرة البرونزية رمزا للجاذبية والشباب، وهذا يدفع الكثيرين للجوء إلى طرق لتغيير لونها (شترستوك)

مع اشتداد حرارة الصيف تشتد رغبة الكثيرين في البحث عن طرق لتحقيق لون برونزي جذاب لبشرتهم؛ فقد أصبحت البشرة البرونزية رمزا للجاذبية والشباب في تصورهم، وهذا يدفع الكثيرين للجوء إلى طرق لتغيير ألوان بشرتهم. ويعتبر استخدام أجهزة التسمير (تان) أحد الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك، إلا أنها تسبب أضرارا كثيرة للجلد قد تصل به لسرطان الجلد. ولكن، ألا تتفق معي عزيزي القارئ أن جمال الجلد ليس فقط في اللون، بل في الصحة والنضارة العامة. فالجلد الصحي يعكس العناية الجيدة بالنفس والصحة العامة؟

إذن لماذا يسعى الكثير من الناس لتغيير لون بشرتهم؟ هل لشعورهم بعدم الرضى أم لفقدان الثقة؟

يقول تعالى في محكم التنزيل "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (الإسراء: 70). تذكر هذه الآية المؤمنين بأن الله تعالى قد كرم بني آدم وفضلهم على الكثير من خلقه، وقد من عليهم بالرزق والنعم. هذه الآية تعكس قيمة الإنسان وكرامته الفطرية التي أعطاها الله له، بغض النظر عن لون بشرته أو أصله العرقي.

لو خلقنا الله جميعا بلون واحد فقط، كيف سيكون العالم؟ سوف يكون مسودا وخاليا من التنوع الجميل الذي نراه حولنا.

وأرجو أن تقرأ معي هذه الآية بقلبك "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين" (الروم 22). تذكر هذه الآية المؤمنين بأن من آيات الله تعالى خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتهم وألوانهم. بمعنى أن تنوع البشر واختلاف لونهم يعد آية من آيات الله التي يجب علينا أن نتأملها ونعتز بها. تلك الآية تعزز فكرة أن الله خلق الناس بأشكال وألوان مختلفة وأن الجلد واحد من تلك العلامات الفريدة التي تجعلنا نميز بين بعضنا البعض، وتعكس عظمة خلق الله وحكمته في تنوعها.

ثم لا تتركك هذه الآية "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثىٰ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ۚ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ۚ إن الله عليم خبير" (الحجرات: 13) إلا بعد أن تذكرك بأن الله تعالى خلق البشر من ذكر وأنثى، وجعلهم شعوبا وقبائلا لكي يتعارفوا. هذا يعني أن التنوع في العرق والثقافة واللون واللغة بين البشر هو من فطرة الله تعالى وقدرته الحكيمة لتعمير الأرض. كما أن هذه الآية تؤكد على أن القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في تقواه، بغض النظر عن لون بشرته أو أصله العرقي. الله يكرم البشر بقدرتهم على التقوى والتقرب إليه، وهذا هو المقياس الحقيقي للفضل والكرامة عند الله عزوجل.

فتخيل معي عزيزي القارئ لو خلقنا الله جميعا بلون واحد فقط، كيف سيكون العالم؟ سوف يكون مسودا وخاليا من التنوع الجميل الذي نراه حولنا. فتنوع الألوان في البشرة يعكس أيضا عظمة الله في خلقه. إن الله الخالق الحكيم صاغ البشرة بألوان متعددة تتنوع بين الأبيض والأسمر والأسود والمختلط وغيرها، وذلك يعكس إبداعه اللامحدود. إن تنوع الألوان في البشرة يشير أيضا إلى تنوع البشر والتفاوت بينهم في الوراثة والبيئة والتاريخ الشخصي. إنه يذكرنا بأننا ننتمي إلى عائلة بشرية واحدة، وعلى الرغم من اختلافنا في الألوان، فإننا جميعا يحق لنا أن نعيش وننمو ونتفاعل بمحبة واحترام.

إن وجود تنوع الألوان في بشرتنا هو نعمة من الله تعالى، وتحمل في طياتها حكمة عظيمة تتجلى في عدة جوانب، فهي تساهم في تعزيز التعارف والتعايش والتواصل بين الناس، حيث يمكن للألوان أن تكون جسرا للتفاهم والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة، كما أنها اختبار الاختيار والتسامح، فيوفر التنوع العرقي والجمالي فرصة للأفراد لتعلم قبول الآخرين كما هم، وعدم الاستنتاج السريع أو الحكم عليهم بناء على اللون الجلدي.

إضافة إلى كونها تثري الجمال؛ فتنوع الألوان يجعل العالم أكثر جمالا وإشراقا؛ حيث يمكننا الاستمتاع بمجموعة واسعة من الأشكال والألوان والمظاهر الجمالية المختلفة. وهناك حكمة أراها فريدة ألا وهي اختبار الذات وتعزيز الثقة بالنفس، حيث يمكن للتنوع العرقي والجمالي أن يساهم في بناء الثقة بالنفس وتعزيز الهوية الفردية، إذ إنها تعلم الأفراد قبول وتقدير مظاهرهم الفريدة والفخر بها. فهي أساسية لتحقيق السعادة والتوازن في الحياة. وعندما يكون الشخص راضيا بلون جلده، يعكس ذلك قبوله واحترامه لنفسه بكامل تفاصيلها، بما في ذلك لون البشرة. فيتعين علينا تشجيع بعضنا البعض على قبول الذات وبناء ثقة قوية بأنفسنا بغض النظر عن لون البشرة.

نعم، يجب أن نرى التنوع الجمالي في البشرة كنعمة من الله وفرصة لتعزيز التعايش والتفاهم بين الناس. وإن قيمة الإنسان ليست بلون بشرته، وإنما تكمن في قدرته على أن يكون إنسانا صالحا، متعاطفا، محترما، ومساهما في المجتمع. ومن الجميل أن يكون الشخص راضيا عن لون جلده ويدرك أن قيمة نفسه الحقيقية ليست بلون الجلد. ومن المهم أن نعي أن التنوع وتعدد ألوان البشر تنوع جميل للبشرية. فنحن كمجتمعات متعددة الثقافات والأعراق نستفيد من تنوع البشرة وتعدد تلك الألوان المختلفة ونحترمها كجزء من هويتنا البشرية المتنوعة.

لا بد أن تدرك أن الجمال في الإسلام يؤكد على الطهارة الروحية والنقاء الداخلي والإخلاص في الأعمال. وأن الاهتمام بالجسد والبشرة يجب ألا يأتي تلبية لمعايير جمال مزيفة.

وكوننا مسلمين، فلدينا عقيدة تدفعنا للحفاظ على هويتنا الإسلامية الخاصة وعدم التقليد الأعمى للآخرين. هذه الهوية التي يجب أن نفخر بها، وأن نفهم أنها تعكس قيمنا ومبادئنا الدينية، وهذه العقيدة تجعلنا نركز على الأعمال الصالحة بدلا من التركيز على تغيير لون البشرة.

وأنت كمسلم مطالب بحماية صحة جسدك، واستخدام أجهزة التسمير يزيد من خطر الإصابة بأمراض الجلد، بما في ذلك سرطان الجلد. فيفضل تجنب هذه الأجهزة والبحث عن طرق بديلة وأكثر أمانا لتحقيق بشرة صحية وجميلة. كما ينبغي أن تتعرف على خطورة سرطان الجلد وتأثير استخدام أجهزة التسمير على زيادة هذا الخطر. وأنصحك بالاطلاع على الإحصائيات والبحوث في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي توضح الارتباط بين استخدام أجهزة التسمير وزيادة أعداد المصابين بسرطان الجلد؛ وهذا سيساعدك على اتخاذ قرار صحيح ومسؤول بشأن العناية بجلدك. ثم من المهم أن تتقبل جمالك الطبيعي وتتأكد من أنك فريد ومميز بنفسك. فلا تدع الضغوط الاجتماعية تقودك إلى تغيير لون بشرتك أو تبني سلوكيات تضر بصحتك. كل ما عليك أن تفعله هو أن تحتضن الجمال الذي يأتي من داخلك ومن قيمك وأخلاقك. وقد تكون متأثرا بالمعايير الجمالية المفروضة من وسائل الإعلام والمجتمع، ولكن تذكر أن الجمال الحقيقي يأتي من الثقة بالنفس وتقديرك لذاتك. وأن تتعلم أنك تستحق الحب والاحترام بغض النظر عن لون بشرتك، فركز على تنمية نفسك وتحقيق إنجازاتك الشخصية، ووجه نظرتك إلى قيمة الأخلاق والتقوى التي تنمو بها. ولا تنسَ أن الملائكة العظيمة قد سجدت تكريما لأبيك في الزمن الماضي ولك تبعا.

فلا بد أن تدرك أن الجمال في الإسلام يؤكد على الطهارة الروحية والنقاء الداخلي والإخلاص في الأعمال، وأن الاهتمام بالجسد والبشرة يجب ألا يأتي تلبية لمعايير جمال مزيفة. فعندما تكون راضيا عن لونك الذي وهبه الله لك، وأنت تعرف أنه إله حكيم عليم، يعرف ما اللون الذي يناسبك ويناسب البيئة التي تعيش بها، سوف ينعكس هذا الرضى في سلوكك وفي تفاعلاتك مع الآخرين. فاستمتع بتلك النعمة الجميلة التي أنعم الله بها عليك وتذكر دائما أن قيمتك الحقيقية تتجاوز بكثير لون بشرتك، وأن الحفاظ على صحة الجلد تأتي من خلال العناية الجيدة والنظام الغذائي الصحي ونمط حياة متوازن.

فعلينا أن نحافظ على هويتنا الفردية والثقافية كمسلمين، وألا نتبع الموضة والاتجاهات التي تدفعنا لتغيير لون بشرتنا أو تشويه هويتنا. ويجب علينا أن نكون راضين وفخورين بمظهرنا الطبيعي. فلنحافظ على هويتنا الإسلامية ونعرف أن قيمتنا تكمن في إيماننا وأخلاقنا وأفعالنا الصالحة، ولنتذكر أن الجمال الحقيقي يشمل الروح والقلب والأخلاق.

دعونا نقوم بتعزيز الثقة بأنفسنا وتقبل جمالنا الطبيعي. فلا داعي للضغط على أنفسنا لتغيير لون الجلد بطرق تجلب له الضرر. دعونا نعتني ببشرتنا بطرق صحية ومسؤولة. لذا، أقترح عليكم أن تستثمروا في رعاية الجلد واستخدام واقيات الشمس وتناول الغذاء الصحي وشرب الماء بما يكفي والحفاظ على نظام حياة صحي ونشاط بدني منتظم. دعونا نقدر هذه النعمة الرائعة التي أنعم الله علينا بها ونحافظ على صحتها وجمالها بكل فخر وثقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.