شعار قسم مدونات

تدمير سد كاخوفكا الأوكراني.. هل هو جريمة حرب؟

Nova Kakhovka
سد نوفا كاخوفكا قبل "التفجير" وبعده (وكالات)

منذ تدمير سد كاخوفكا في المنطقة التي تحتلها روسيا بإقليم خيرسون في أوكرانيا فجر السادس من يونيو/حزيران الجاري، تتحدث التقارير عن الآثار المدمرة التي سيلحقها تدمير السد الواقع على نهر دنيبرو بالبيئة، وعن عواقب ذلك ليس فقط على عشرات الآلاف من البشر الذين تم تهجيرهم بعد أن غرقت منازلهم وقراهم بالمياه المتدفقة من بحيرة السد، بل على عشرات -وربما مئات- الملايين حول العالم الذين قد يتأثرون جراء الأزمة الغذائية العالمية التي هي بالفعل مشتدة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بمدى اعتبار هذه الكارثة جريمة حرب.

طرفا الصراع لا يزالان يتبادلان الاتهامات بشأن الجهة التي تقف وراء عملية تدمير السد

مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لم يشأ الحكم باعتبار ما حدث من تدمير للسد بمنزلة جريمة حرب، وذلك لأن الملابسات المرتبطة بواقعة التدمير لا تزال غير واضحة، فلا يزال الأمر بحاجة إلى تحقيق شامل ومحايد وشفاف، لكي يتم التعرف على الملابسات الحقيقية المرتبطة بتدمير السد. فطرفا الصراع لا يزالان يتبادلان الاتهامات بشأن الجهة التي تقف وراء عملية تدمير السد، ففي حين تتحدث أوكرانيا عن أن عملا إرهابيا تقف وراءه روسيا أدى لتدمير السد، وذلك لإعاقة الهجوم الأوكراني المضاد الذي يتم التخطيط له، تدعي روسيا أن السد قد تم تدميره جراء قذيفة أوكرانية. وهناك فرضية ثالثة لا يستبعدها البعض، وهي أن يكون انهيار السد قد نتج عن ضغط المياه، وليس بفعل عمل عسكري أو تخريبي مدبر. وعليه لا تزال كثير من الحقائق غير واضحة حتى الآن بخصوص الدمار الذي لحق بالسد الأوكراني.

المادة 56 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جينيف تنص على عدم جواز مهاجمة المنشآت التي تحتوي على قوى خطرة، مثل السدود والمنشآت النووية، حتى وإن كانت تمثل أهدافا عسكرية

وللتقرير في المسألة من وجهة نظر القانون الدولي لتبيان إذا ما كانت عملية التدمير تعد جريمة حرب أم لا، تنبغي معرفة إذا ما كان تدمير السد قد نتج عن عمل عسكري هجومي قامت به أوكرانيا، أم أنه كان نتيجة عملية تخريبية قامت بها روسيا باعتبارها قوة احتلال تمارس سيطرة فعلية في المنطقة التي يقع فيها السد. فإذا ما تعلق الأمر بفرضية العمل العسكري الهجومي، فإنه ينبغي القول إن البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جينيف (الصادر عام 1977) يحرم صراحة القيام بأعمال عسكرية هجومية تستهدف السدود. فالمادة 56 من البروتوكول تنص على عدم جواز مهاجمة المنشآت التي تحتوي على قوى خطرة، مثل السدود والمنشآت النووية، حتى وإن كانت تمثل أهدافا عسكرية ما دام أن مثل هذا الهجوم سوف يطلق عنان قوى خطيرة من شأنها إيقاع خسائر فادحة بين المدنيين. وحسب رأي بعض المحللين والمراقبين، فإن فرضية قيام أوكرانيا بالهجوم على السد تبدو ضعيفة.

تدمير السد من قبل روسيا بهدف منع تقدم القوات الأوكرانية التي تنوي الهجوم قد يبدو جائزا من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني، شريطة ألا تؤدي عملية تدمير السد إلى خسائر كبيرة بين المدنيين تفوق في مقدارها أي ميزة عسكرية كان يؤمل في تحقيقها جراء تدمير السد

ويرجح البعض أن يكون الروس هم من قاموا بتدمير السد باعتبارهم قوة احتلال لإعاقة هجوم أوكراني مضاد تلوح بوادره في الأفق. ومثل هذه الحالة لا تنطبق عليها المادة 56 من البروتوكول الأول، بل قواعد القانون الدولي الإنساني التي تسري في مناطق الاحتلال، فإن تدمير السد من قبل روسيا بهدف منع تقدم القوات الأوكرانية التي تنوي الهجوم قد يبدو جائزا من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني، شريطة ألا تؤدي عملية تدمير السد إلى خسائر كبيرة بين المدنيين تفوق في مقدارها أي ميزة عسكرية كان يؤمل في تحقيقها جراء تدمير السد. وهو ما يعني أيضا عدم انتهاك مبدأ التناسب، فانتهاك هذا المبدأ يجعل من العمل العسكري جريمة حرب. فحسب القانون الدولي الإنساني، هناك قواعد معينة ينبغي أن تلتزم بها الدول في أثناء قيامها بالعمليات الحربية. فأطراف الصراع ليست حرة بشكل مطلق في اختيار الوسائل والأساليب التي تستخدمها في أثناء مباشرة العمليات العدائية.

وعليه، فإنه بناء على المعلومات المتوفرة حاليا بشأن ملابسات تدمير السد الأوكراني يصعب القول إذا ما كان الأمر يتعلق هنا بجريمة حرب أم لا. وفي حال ثبوت كونه جريمة حرب، فإن هذا ربما يقود الفاعلين إلى ساحة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.