شعار قسم مدونات

إلى جوارنا الشرقي.. هل لنا فيكم آذان صاغية؟

أيقنوا أن في تآزر جهودنا كل الخير لمنطقتنا المغاربية (شترستوك)

أي منطق هذا الذي يباعد بيننا، رغم قرب الجغرافيا وتلاحم الشعوب؟ أي فكرة جيوسياسية معطوبة وهدامة هاته التي تدفع أصحابها للتنكر لقيم اللحمة والمصير المشترك؟ أي وعي دولتي هذا الذي نسي أو تناسى أن مِن أجدادنا وأجدادكم من سالت دماؤهم على هاته الأرض دفاعا عن تلك اللحمة وذاك المصير؟

لقد بتم وبتنا معكم محط أنظار كل متتبع للشأن العربي والمغاربي، نستفيق على رواد الكراهية ينفخون في كيرها، ونمسي على من يبحثون بين جنبات تاريخنا عما يئدون به هذا التاريخ، فلماذا يُراد لأجيالنا الجديدة أن تعيش على عقيدة أساسها عنف المواقف وعنف الخطاب؟!

إن المغرب الذي آمن بمبدأ تقرير المصير، وناضل حتى تنال الجزائر استقلالها انتصارا لنفس المبدأ، هو نفسه مغرب اليوم الذي خاطبتكم أعلى سلطة فيه، لتقول "لن يجد منا أشقاؤنا ما يسوؤهم أو يعكر صفوهم". فكيف بنا نرى على إعلامكم ما يسوؤنا ويعكر صفونا ويمس كرامتنا، ويطال أعراضَ مغاربة اليوم، أحفادِ أولئك المغاربة الذين آوت بيوتاتهم بومدين وبوتفليقة ومحمد الشريف مساعدية وغيرهم من مجاهدي الثورة الجزائرية، فكيف بكم تعمقون الهوة بيننا؟

إن المغرب، الذي عوقب فريقه من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1958، بأن أبى إلا أن يلعب مباراة تضامنية مع فريق جبهة التحرير الوطني الجزائري لكرة القدم قبل استقلال الجزائر، هو نفسه مغرب اليوم، الذي يفرح أبناؤه لانتصاراتكم، فكيف بكم تحولون ساحات ملاعبكم لساحات تخاض فيها حروب السياسة ضدّ تاريخ ومستقبل بلدينا وأحلام شعبينا؟

إن المغرب الذي فتح أجواءه وأراضيه وبيوته للثورة الجزائرية، إلى أن نالت الجزائر الشقيقة استقلالها، هو نفسه مغرب اليوم الذي دعاكم عاهله أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، فكيف بكم تقطعون أواصر القربى، بما يمعن في تغذية تنازع إقليمي يخنق أنفاس اتحادنا المغاربي المتهالك، وليس لنا إلا أن نجد له وفيه حلا تذوب فيه خصوماتنا وتتذلل به مصاعبنا وتحدياتنا المشتركة؟

ليس لنا فيما نشهده على إعلامكم وفي خطاباتكم الرسمية إلا ما يباعد بين الإخوة ويذكي التخاصم بدل أن يغذي التسالم، فما لنا نجد أنفسنا في هذا الاحتراب القسري، الذي لسنا نختاره لحاجة لدينا، بل هو مفروض علينا وعلى منطقتنا وشعوبنا وعلى كل الإرادات التي لا تبغي لمنطقتنا إلا التطلع لمستقبل جامع؟

الطبيعة لا تحتمل الفراغ، فحيث يغيب العقل يحضر العبث، وحيث تبرز العشوائية يختفي التنظيم، وحيث يطغى الجحود فلا مكان للعرفان بجميل التاريخ وحسن الجوار. غير أن عقيدة الكره والتدمير، مهما استبدت بأصحابها، لن تجعل من الناس أعداء، لأن اليقين راسخ بأن ذاكرتنا المغاربية أصلب من أن يصيبها نسيان مفروض.

إلى كل العقلاء بجوارنا الشرقي، انظروا إلى قول كل الإرادات الحرة من المغاربيين، من عبد الله العروي والحسين أيت أحمد وأحمد بن بلة ومحمد بوضياف، الذين خبروا أن الاختباء في الأيام لا يجلب الحل بل يمد في عمر الأزمة، وقبلهم فرحات عباس وأحمد بلافريج وعبد الرحيم بوعبيد، وغيرهم كثير ممن تمثلوا روح مؤتمر طنجة سنة 1958، عنوان الوحدة المغاربية الحقة.

انتبهوا لصوت التاريخ ولحتمية الجغرافيا، ولنجعل من الجيوسياسة فهما بناء لموازين القوة المتمايلة بين السعي لجلب المصالح على قدر السعي لدرء المفاسد. فمصلحتنا تكمن في التقاء الإرادات على الفعل التنموي، الذي يخدم الشعوب، والمفاسد كلها في إذكاء التنافس العبثي على النفوذ.

أيقنوا أن في تآزر جهودنا كل الخير لمنطقتنا المغاربية، فلا الأمن يتحقق دون ذلك، ولا الإرهاب ولا الجريمة المنظمة ولا المخدرات تُجتث منابعها، دون أن تلتحم طاقات المغاربة والجزائرين، ومعنا كل المغاربيين، نخدم مصيرنا الواحد.

اصنعوا ولنصنع معكم فضاء حاضنا لمبادراتنا، فضاء يؤمن أصحابه بأن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا، فضاء يحيي روح اتفاقية غار الجبيلات، وينطلق للبناء، ويفتح لأصحابه أفقا رحبا يجعل من منطقتنا قطبا نباهي به العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.