شعار قسم مدونات

لماذا يجب عليك أن تثور مرة في كل عام؟

الثورة اليمنية.. عام من النضال و12 عاما من الحرب الأهلية
الثورة اليمنية.. 13 عاما من النضال والحرب (الفرنسية)

إن الإنسان كائن سياسي بطبعه، كما يقول علي شريعتي في كتابه "بناء الذات الثورية". والمقصود بصفته السياسية الرؤية والميل الذي يربط الفرد بمصير المجتمع الذي يعيش فيه.

ومن المؤسف أن رجال السلطة هلعوا دائما من اهتمام الجماهير بالسياسة والواقع، عن طريق التسلية والإلهاء وترويج الفنون الهابطة، أو الإفراط في الرياضات البدنية، أو عبادة الاستهلاك، أو خلق مشاغل حقيرة في الحياة الاقتصادية والأسرية.

لكن رغم ذلك فإنه ليس على الإنسان تحمل جحيم ألا يكون، لذلك يقول نجيب محفوظ إنه لكي يبقى الإنسان إنسانا فعليه أن يثور مرة في كل سنة. إن الحياة تجدد ذاتها، فيزول مهزومون ويظهر بديل لهم، ويترك الاستسلام مكانه للمواجهة والنضال.

والنضال الاجتماعي والسياسي، باعتباره فعلا أو سلوكا بشريا، يمكن أن يخضع لمجموعة من القوانين، أهمها:

يمكن لقليل من الأفراد أن يحققوا ما عجز عنه الكثير منهم، كما أن الحركات الكبيرة تعتمد وتسبقها دائما حركات صغيرة قادرة على الحركة بسرعة أكبر وبشكل مستمر.

قانون الكل أو الجزء

إن الحركات النضالية لا تخضع لقانون الكل أو لا شيء، لأنها لا تتطلب انخراط كل المجتمع من أجل التشكل أو الانطلاق، بل يمكن أن تبدأ بفرد أو بمجموعة صغيرة. كما أن نتائجها أو تأثيرها لا يرتبطان بالضرورة بعدد أفرادها بقدر ما ترتبط بنوعية وبطبيعة مكوناتها. فيمكن لقليل من الأفراد أن يحققوا ما عجز عنه الكثير منهم، كما أن الحركات الكبيرة تسبقها دائما حركات صغيرة قادرة على الحركة بسرعة أكبر وبشكل مستمر.

إن كل حركة تغييرية تحتاج إلى 3 شرائح مختلفة، كما يقول جاسم سلطان في كتابه "قوانين النهضة". تعبر كل شريحة عن طبيعة المرحلة التي بها الحركة التغييرية، هذه الشرائح الثلاث هي:

  • شريحة البدء: هم الرعيل الأول من الناس الذين يجتمعون حول فكرة ما في مجتمع ما في مرحلة ما، ويستعدون للتضحية من أجلها.
  • شريحة التغيير: وهي الشريحة القادرة على إعطاء المنعة والتمكين، إذا ما وجدت المبرر لذلك.
  • شريحة البناء: وهي الشريحة التي تضم كل طاقات المجتمع من أجل نصرة الفكرة.

تخشى السلطة من الجماهير في تجمعها، كيف لا ونحن نجد أن نضال الجماهير هو القوة الوحيدة التي لا يستطيع أن يهددها أي شيء.

قانون الاستمرارية والصراع

النضال حركة وسيرورة مستمرتان عبر الزمن، لا يمكن أن يتوقفا ما دام هناك ظلم أو صراع بين الخير والشر، وما دام هناك جهات أو سلطة تخرق القانون باسم القانون وتحكم بقانون القوة وليس بقوة القانون.

إن المجتمع البشري، كما يقول علماء الاجتماع، لا يمكن أن يخلو من مشكلات، وهذه المشكلات هي رمز حياته وشعار حركته الدائبة، فالمشكلة تحفز الناس على معالجتها، وبهذا ينقسمون ويتصارعون، لكن المجتمع ينتفع من هذا الصراع الجاري وراء المصالح الذاتية.

ويعتبر كفاح المواطنين ضد السلطة، المضطهدة بطبيعتها، عاملا من عوامل الصراع، كما عبر عن ذلك موريس ديفرجيه في كتابه "مدخل إلى علم السياسة"، فالشعب يعتبر الحكومة شرا لا بد منه، ولذا فهو تجاهها يقف موقف المعارض بالغريزة.

في المقابل، تخشى السلطة من الجماهير في تجمعها، كيف لا ونحن نجد أن نضال الجماهير هو القوة الوحيدة التي لا يستطيع أن يهددها أي شيء. وهي القوة الوحيدة التي تتزايد هيبتها وجاذبيتها باستمرار. إن العصر الذي ندخل فيه الآن هو بالفعل عصر الجماهير، كما يقول ذلك غوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير".

إن الجهل بقوانين النضال وشروطه قد يؤدي إلى تفكك وتعطل الحركات النضالية، وما نراه الآن من كثرة أحزاب ونقابات لا يعكس قوة، بل هو مظهر من مظاهر الضعف والتفكك. فتغير أو تعدد الألوان الحزبية والنقابية لا يعني بالضرورة تعدد أو تنوع في الأفكار والمشاريع والبرامج. إن كثيرا من التنظيمات النضالية بالدول المتأخرة يمكن أن ينطبق عليها ما عبر عنه موريس ديفرجيه في كتابه "الأحزاب السياسية"، عندما قال إنها "أحزاب شاخت ومالت إلى الاندماج في النظام القائم وخاصة إذا تطور هذا النظام في اتجاهها".

ولعل بروز ما يسمى بالتنسيقيات أو المجموعات النضالية، التي أصبحت تناضل بعيدا ومن خارج الأحزاب والنقابات، لدليل واضح على حجم الأزمة التي تمر بها هذه التنظيمات التقليدية.

يجب تقبل الآخر وآرائه وحريته في التعبير، لكيلا يتحول الانتماء إلى تعصب وصراع بين الأفراد والمجموعات أو الجماعات

والتنسيقات ليست حركات نضالية عشوائية أو فوضوية، بل هي تنظيمات منظمة. لكن استمرارها وفعاليتها يتطلب الأخذ بعين الاعتبار، بعض القواعد والشروط، التي تتجلى فيما يلي:

  • إن المناضل أو النضال درجات ومستويات، يتأرجح بين المصلحة الخاصة والصالح العام أو بين ما هو ذاتي وبين ما هو موضوعي. لذلك يصعب نظريا التمييز بين المناضل الحقيقي والمناضل المزيف، فالفيصل بينهما الميدان وتحدياته. وبالتالي فالنضال هو سلوك وممارسة قبل أن يكون عبارة عن كلام أو نظريات. أما المناضل فيجب أن يكون ضميرا ومبدأ يمشي فوق الأرض وبين الناس، في زمن يعاني فيه الضمير الاجتماعي من ثقوب واختراقات، بسبب تعقد الحياة وغياب القدوة. إن سد هذه الثقوب، كما جاء في كتاب "ثقوب في الضمير" للمؤلف أحمد عكاشة، يتطلب إيقاظ الضمير الاجتماعي العام بالحرص على أن يطمئن الضمير الفردي.
  • تماسك التنظيم أو الحركة مرتبط بوجود هدف مشترك، يربط ولا يفكك.
  • يجب تقبل الآخر وآرائه وحريته في التعبير، لكيلا يتحول الانتماء إلى تعصب وصراع بين الأفراد والمجموعات أو الجماعات. ولكيلا يتحول التنظيم إلى نظام مغلق يسقط البعد الطيب على كيانه الداخلي ويسقط الدلالات السلبية ومشاعر الحذر والخشية والعداء على الخارج.
  • يجب عدم ربط المطلب أو الهدف بتاريخ أو بشكل نضالي أو بخطوة نضالية.
  • تقسيم الأدوار والمهام والتناوب عليها يقتصد على الجهد ويعطي نفسا أطول للحركة.
  • التواصل المستمر بين أفراد الحركة مهم جدا، إذ يسمح باختزال المسافة ومشاعر انعدام الثقة بين مكوناتها. أما الانفراد بالمعلومات أو بالقرارات وعدم الرجوع للمكونات الأخرى قد يكسر الروابط بين هذه المكونات. وقد عبر عبد الرحمن النوضة عن هذا الشرط المهم في كتابه "فن النضال"، عندما قال إنه "يجب العمل بأسلوب المحاسبة المستمرة وكذلك بأسلوب المراقبة المستمرة. وعندما يظهر أن بعض الأفراد متفوقون، فإن هذه المظاهر لا تبرر تقديس الفرد، أو إلغاء دور الجماعة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.