شعار قسم مدونات

لماذا فرح العرب بفوز أردوغان؟

لن يفرح لكم إلا ذو الكبرياء والشموخ، المحب لدينه ووطنه وشعبه، المحب لخير الشعوب وازدهارها (الأناضول)

حالة من الانتظار والترقب سيطرت على الشعوب العربية وهي تتابع الانتخابات التركية، فمنذ انطلاق الانتخابات في جولتها الأولى حتى إعلان فوز رجب طيب أردوغان بعد جولة الإعادة ومعظم الشعوب العربية تتابع المشهد، ومعظمها يتمنى فوز أردوغان بفترة رئاسية جديدة، ورغم أن الانتخابات في تركيا تؤثر بعض الشيء علينا نحن العرب، خصوصا الجالية السورية في تركيا، فإنها لا تعني شيئا لغالبية الدول وشعوبها العربية، لماذا إذن هذه المتابعة الحثيثة للانتخابات التركية؟ ولماذا كان هذا الفرح بفوز الطيب أردوغان؟

الاحتفالات عمّت الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي، لأننا نفتقد تلك الحالة وذلك الشعور الذي نتمناه، لأن العربي -كما قلنا- تواقٌ للحرية والعدالة

لا شك أن شعور اليأس والإحباط الذي نعيشه نحن العرب منذ عقود كثيرة، في ظل أنظمتنا الضعيفة، خلق لدى المواطن العربي حالة من الاشتياق للكرامة والعزة والكبرياء، ولا شك أن انعدام المصداقية والنزاهة في انتخاباتنا -ذات النسب التي تدخلك كلية الطب- جعلت من النموذج التركي مدعاة للفخر، فالإنسان بطبعه يصبو إلى السمو والارتقاء الإنساني، ويسعى دائما إلى الحرية خصوصا عندما يفقدها.

ونحن أكثر ما فقدناه على مر السنين هو الحرية والكرامة، حتى وصلت بنا الحال كعرب أن نلهث وراء نسائم الديمقراطية أينما كانت، أن نتشوق لبعض النزاهة أينما حلت، أن نتابع ونترقب ونغبط الأتراك على ما وصلوا إليه، وأن نفرح بفوز الرجل القوي الذي أعاد لتركيا أمجادها، وأعاد للإسلام بعضا من عزته، ذلك الرجل الذي يقف شامخا عندما يتحدث لا مكسورا ذليلا، ذلك الطيب المتواضع الذي اختاره الشعب التركي رئيسا رغم التحشيد الداخلي والخارجي ضده، فكثير من الدول لم تتمنَ لأردوغان أن يلقي خطاب النصر، وفي الوقت نفسه كانت من أوائل المهنئين له! وهذا بالطبع بعض من قذارة السياسة ونفاق الدبلوماسية.

أردوغان رئيس تركيا من جديد، وكما قلنا سابقا ذلك لا يؤثر بشكل مباشر إلا على شريحة بسيطة جدا من الشارع العربي، لكن الاحتفالات عمّت الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي، لأننا نفتقد تلك الحالة وذلك الشعور الذي نتمناه، لأن العربي -كما قلنا- تواقٌ للحرية والعدالة، فهو يُمني النفس دائما أن يعيش حلاوة حق الاختيار، يحلم بيومٍ تكون لإرادته قيمة، ولكلمته مسمع، ينتظر أن ينهض بعد سقوط مؤلم، وأن يرفع رأسه بعد انتكاس طويل، وأن يرى زعماء حقيقيين تعلو جباههم الأنفة والكبرياء، يكونون قادة فيهم من الشموخ ما يدعونا إلى الفخر، لا أن يكونوا مجرد كومبارسات ينفذون ما يُملى عليهم ويقودون الأمة إلى مزيد من الذل والهوان من أجل الحفاظ على كراسيهم للأبد، وتوريثها إلى قيام الساعة.

ونحن إذ نتابع ما يجري في تركيا تصيبنا الحيرة، وتنتابنا تساؤلات عديدة، ماذا فعل هذا الرجل ليجعل ما يفوق 27 مليون تركي يذهبون للصناديق ويختارونه رئيسا لمدة 5 سنوات قادمة؟ كيف استطاع أن يقنعهم رغم التشويه الإعلامي الممنهج ضده من الداخل والخارج؟ كيف استطاع أن يوحد الأتراك من كافة المعتقدات والقوميات ويدفعهم إلى ممارسة حقهم الدستوري؟

وفي خضم تلك التساؤلات تأتي الإجابات في الميدان، رآها الأتراك في واقعهم، فهذه ليست تركيا قبل عقدين ونيف من الزمان، لا التعليم هو التعليم، ولا الصحة هي الصحة، ولا البنية التحتية هي تلك التي كانت قبل الطيب أردوغان، والأهم من كل ذلك العزة والكبرياء التي بات يشعر بها التركي الآن، فبعد أن كان المواطن التركي يعاني الأمرين من أجل الهجرة لأوروبا لتحسين معيشته الضنك في بلده الذي كان يفتقر لأدنى مستويات الحياة الكريمة، بات الآن يرى بلده في أوائل اقتصادات العالم، بات يرى الصناعة والزراعة والسياحة تنطلق كالصاروخ في سماء العالم، أصبح يرى تركيا وجهة للتعليم والاستثمار والعلاج من بلدان العالم كافة، وأصبح يرى رئيسه يقف شامخا في اجتماعات الدول العظمى، فحق له أن يفخر.

شكرا تركيا، شكرا أردوغان، تمسكتم بالأمل وانتصرتم، وبانتصاركم أحييتم أملا في نفوسنا كان في سكرات الموت يوشك على الهلاك، وتأكدوا تماما لن يفرح لكم إلا ذو الكبرياء والشموخ، المحب لدينه ووطنه وشعبه، المحب لخير الشعوب وازدهارها، ولن يغضب من انتصاركم إلا أعداء الحق والعدل، لن يفرح لكم إلا كل مشتاق للعزة والكرامة، ولن يغضب من انتصاركم إلا تلك الدمى التي تحركها الحبال من فوقها كما تشاء، شكرا تركيا، وشكرا لشعبها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.