شعار قسم مدونات

حسن حامد.. نجم في إعلام مصر ربما لا تعرفه

حسن حامد - رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري السابق المصدر: (حساب أخبار مصر على يوتيوب)
رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري السابق حسن حامد (حساب أخبار مصر على يوتيوب)

منذ غادرت مصر للعمل خارجها كان من أكثر ما يؤرقني هو شعوري أن كثيرا من الأشقاء في الدول العربية ربما لا يعرفون مصر الحقيقية، صحيح أن معظمهم يحبها، لكنك سرعان ما تكتشف أيضا أن من قد يضيقون ببعض ما أو من ينتسب إليها ربما يفعلون ذلك انطلاقا من أنهم أيضا يحبونها ويحسنون الظن بها وينتظرون منها ما يرون أنها أهله.

عندما تسافر خارج مصر، تكتشف أن النظرة إلى بلدك ربما لا تتماثل دائما مع ما عرفته عنها واختبرته فيها، لكنك سرعان ما تدرك أن الواقع المنقول أو المظنون ليس انعكاسا بالضرورة للواقع الحقيقي الذي تعرفه.

ستكتشف أن الشهرة ليست مقياسا بالضرورة، وربما تجد في خارج بلدك كما في داخلها أن من يشتهرون في مجالات عدة، يستوي في ذلك السياسة أو الأدب والثقافة أو الطب والهندسة أو الإعلام، ليسوا في معظم الحالات الأكثر كفاءة، والأفضل جودة والأحق بأن يعرفهم الناس ويدركوا فضلهم.

وكم من مصري شعر بالضيق عندما وجد أن كلمة مصر تقترن لدى البعض بأولئك التوافه من محدودي الموهبة وقليلي الخبرة الذين يقدمون أنفسهم أو يقدمهم غيرهم على أنهم نخبة مجتمع، ويساعدهم على ذلك ما ألمّ بأذواق الناس من أسقام، جعلت قامات مصرية حقيقية تتراجع شهرتها في الخارج، وفي الداخل كذلك، في ترجمة للمبدأ الاقتصادي الذي يقول إن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق.

أهل الإعلام خصوصا التلفزيوني نعرف فضله، وكيف لا نعرفه وقد نالنا منه أكبر النصيب، فأنا ولا فخر واحد من قلائل يمثلون جيلا من تلاميذ الرجل

نموذج نادر

هل أتجاوز هذه المقدمة التي طالت وأدلف إلى الموضوع؟ سأحتاج لأن أخبرك أولا أني مصري درس العلوم السياسية، ثم عمل بالإعلام في أعلى مستوياته داخل مصر وخارجها لمدة جاوزت 30 عاما.

وقبل أن تظن بي سوءا وتعتقد أني أريد أن أكتب عن نفسي، أسارع بإخبارك أني ما كتبت عن نفسي إلا لأقدم لك بعض مبررات شهادتي، وهي باختصار تتعلق بمن أراه واحدا من أعظم الإعلاميين في تاريخ مصر، وهو الأستاذ حسن حامد.

ربما لم تسمع به إذا لم تكن من أهل الإعلام، فهو ليس ضيفا على الإعلام الذي تزدحم شاشاته وصفحات مواقعه بكثير من الغث، سواء فيما يتعلق بقضايا تافهة أو بمتحدثين عديمي الخبرة محدودي الموهبة.

لكننا نحن أهل الإعلام خصوصا التلفزيوني نعرف فضله، وكيف لا نعرفه وقد نالنا منه أكبر النصيب، فأنا ولا فخر واحد من قلائل يمثلون جيلا من تلاميذ الرجل، اختارهم بنظرته الثاقبة ووضع فيهم ثقته وبث فيهم من روحه وأفكاره، ليصنع بهم وهم ما زالوا في العشرينيات من أعمارهم ما يفتخرون به، ويفتخر به من يطلع على حقيقة هذه التجربة.

في بداية التسعينيات من القرن العشرين، كان الرجل عائدا من سنوات عمل في اليابان كملحق إعلامي بسفارة مصر هناك، وبدا أنه من ذلك النوع الذي يعرف كي يدير عقول الشباب ويأسر قلوبهم، فيستخرج منهم الجهد ومكنون الطاقات، ويقدم نموذجا نادرا للمدير الأب الذي يعرف كيف يقدم مزيجا مدهشا من الحزم والرفق والحنان.

لم يجد مشروع قناة النيل للمعلومات ما كان يتوقع له من نجاح على أرض الواقع، لكن التجربة أكدت نجاح هذا الرجل ذي الوجه الأسمر الذي يجمع بين قسمات الحنان ونظرات الذكاء في قيادة الشباب إلى عمل شيء مختلف.

قنوات النيل المتخصصة

البداية كانت مع قناة النيل للمعلومات، وهو مشروع لم يكتب له الكثير من النجاح لأسباب تكنولوجية تتعلق بطبيعة المشروع، إذ كان عبارة عن محاولة مبكرة لبث محتوى رقمي على موجة الإرسال التلفزيوني بحيث يمكنك وأنت تشاهد القناة الأولى للتلفزيون المصري أن تضغط على زر بالريموت كونترول فينقلك من مشاهدة القناة إلى تصفح مجلة منوعة حافلة بأخبار السياسة والاقتصاد والرياضة فضلا عن المنوعات والمرأة وحتى المسابقات واختبار المعلومات.

لكن لأن الفكرة كانت جديدة ومعظم أجهزة التلفزيون ليست مزودة بهذه الخاصية، لم يجد المشروع ما كان يتوقع له من نجاح على أرض الواقع، بيد أن التجربة أكدت نجاح هذا الرجل ذي الوجه الأسمر الذي يجمع بين قسمات الحنان ونظرات الذكاء في قيادة الشباب إلى عمل شيء مختلف.

وهنا جاءت تجربة أكبر هي قناة النيل الدولية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، لتتلوها التجربة الكبرى وهي قنوات النيل المتخصصة، وعلى رأسها قناة النيل للأخبار وشقيقاتها المتخصصات في الرياضة والدراما والمنوعات والأسرة والطفل، فضلا عن القنوات التعليمية.

وبعد رئاسة قناة المعلومات ثم قناة النايل تي في، ثم قناة النيل للأخبار، تولى الأستاذ حسن حامد رئاسة قطاع قنوات النيل المتخصصة، ثم رئاسة اتحاد الإذاعة والتلفزيون قبل أن يختتم مسيرته الحافلة برئاسة مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي.

كان الرجل نصيرا دائما لحرية الإعلام، والمثير أنه كان في حالات كثيرة أكثر ليبرالية وشجاعة حتى من الشباب الذين اختارهم

الإيمان بالشباب

لكن بالنسبة لي وتلك المجموعة التي أسعدها الحظ بأن تكون إلى جانبه وتنال ثقته، لم يكن المهم هو مناصب الرجل، وإنما ذلك الإيمان بالشباب وتلك القدرة على بث الثقة فيهم واستخراج أفضل ما لديهم، والتعامل معهم كأبناء.

على الصعيد المهني كان الرجل نصيرا دائما لحرية الإعلام، والمثير أنه كان في حالات كثيرة أكثر ليبرالية وشجاعة حتى من الشباب الذين اختارهم، وكثيرا ما كان يذكرنا بضرورة أن نسعى إلى استغلال الهامش المتاح إلى أقصى درجة وألا نستسلم للخطوط الحمراء التي سترسم حتما من حولنا.

أذكر عندما كنا نسأله هل نبدأ النشرة بخبر عن اتصال أجراه الرئيس بأحد نظرائه، كان يسألنا: هل تناول الاتصال شيئا مهما من قبيل اتفاقيات تعاون أو تحالف أو أي شيء ملموس، وعندما نقول له إن الاتصال تناول فقط الجملة المعتادة وهي بحث العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، كان يسألنا مستنكرا: ما أهمية ذلك للمشاهد؟

هل أختم بقصة شخصية تريكم كيف كان هذا الرجل يتعامل مع تلك المجموعة التي بدأت معه مسيرة الإنجازات؟

في الأيام الأولى للعمل معه، سألته مع بعض الزملاء عن موعد العطلة الأسبوعية، فنظر لنا باستغراب لا يخلو من نظرة حانية، وقال لي: أنتم شبان حديثو التخرج وفي مرحلة يجب أن تركزوا فيها على بناء مستقبلكم وتعلم المزيد من المهارات لا أن تفكروا في أيام العطلة!

لكننا أخبرناه أننا لسنا من سكان القاهرة ونحتاج بالضرورة إلى السفر إلى مسقط رؤوسنا في كفر الشيخ والشرقية والصعيد وغيرها كل أسبوع أو أسبوعين، كي نرى الأهل والأصدقاء.

وهنا رد علينا الأستاذ حسن محددا القاعدة التي يقترحها لهذه الحالة: إذن عليكم أن تعملوا بأقصى الطاقة كل يوم ولا تضيعوا فرصة للتعلم والإنجاز وعندما ترغبون بالسفر يمكنكم ذلك.

سألناه: وكم ستكون مدة العطلة؟ فقال: الطبيعي أن تمكثوا يومين أو ثلاثة لكن اسمعوا يا شباب: إذا اتفقنا على يومين وبعد سفر أحدكم أراد أن يمدد العطلة بسبب مباراة كرة أو رحلة صيد مع أصحابه أو نحو ذلك فلا يتصل بي ليكذب ويقول إن والدته مريضة أو إن عمته قد ماتت، ولكن ليخبرني بصراحة أنه يريد مزيدا من الوقت للراحة أو اللهو أو أي سبب، مؤكدا لنا أن هذا من حقوقنا وأنه يتفهم الحاجة إلى اللهو والراحة كما يطلب الاهتمام بالعمل والإنجاز.

صدقوني، لو عرفتم حسن حامد مثلي لأدركتم أن حجم الشهرة ليس مقياسا للتميز في زماننا هذا، وأن الأبطال الحقيقيين كثيرا ما يكون مكانهم خلف الستار لا أمامه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.