شعار قسم مدونات

السوريون في تركيا.. أصوات بلا صناديق

إسطنبول.. 1.7 مليون شخص يحتشدون في تجمع انتخابي لأردوغان (محدث) خلال حفل افتتاح المرحلة الأولى من "حديقة الشعب" التي تقام بموقع مطار أتاتورك
1.7 مليون شخص يحتشدون في تجمع انتخابي لأردوغان خلال حفل افتتاح المرحلة الأولى من "حديقة الشعب" التي تقام بموقع مطار أتاتورك (الأناضول)

تتجه أنظار العالم هذه الأيام إلى تركيا، حيث تجري انتخابات تاريخية تهدف إلى اختيار رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب. وتقام هذه الانتخابات في بيئة يطغى عليها التوتر والاستقطاب السياسي الشديد، وتتنازع فيها مشاريع مختلفة يسعى أصحابها لكسب دعم الناخب التركي، في معركة انتخابية وصفت بالأهم منذ تأسيس الجمهورية التركية.

يتابع السوريون في تركيا هذه العملية الانتخابية بقلق وترقب شديدين، لأن نتائجها تحمل تأثيرا مباشرا على مستقبلهم في تركيا، خاصة أنهم منذ سنوات يتعرضون للاستغلال السياسي من قبل بعض الأحزاب المعارضة التي تتبنى خطاب كراهية عنصري تجاه اللاجئين والأجانب، فرغم إدراك هذه الأحزاب ما عانته الجالية التركية في أوروبا من خطاب كراهية وممارسات تمييزية قامت بها الأحزاب الأوروبية اليمينية المتشددة ضد اللاجئين والأجانب، فإن هذه الأحزاب التركية تحاول استنساخ الخطاب نفسه تجاه اللاجئين والأجانب الذين استخدمهم اليمين الأوروبي لحشد أصوات انتخابية ذات طبيعة عنصرية.

يجد السوريون أنفسهم في حالة حرجة في أثناء الانتخابات التركية الحالية، إذ تُستخدم قضيتهم وآلامهم لأغراض انتخابية، من خلال استغلال بعض الأحزاب المعارضة للنجاح الذي حققه الخطاب العنصري الشعبوي في أوروبا

السوريون في تركيا هم الحاضر الغائب في هذه الانتخابات، فقد كانوا ولا يزالون على الأجندة السياسية التركية، وهم أيضا الفئة الأشد هشاشة والأكثر تأثرًا بالأزمات المتعددة، حيث هربوا من الحرب والدمار في بلدهم ووجدوا أنفسهم لاجئين في تركيا. ومع ذلك، لا يزال السوريون يعانون صعوبات عديدة، من بينها ظروف اللجوء الصعبة وصعوبة الحصول على فرص العمل والإسكان والحصول على حقوقهم الإنسانية الأساسية.

ورغم هذه الصعوبات، فإن السوريين يجدون أنفسهم في حالة حرجة في أثناء الانتخابات التركية الحالية، إذ تُستخدم قضيتهم وآلامهم لأغراض انتخابية، من خلال استغلال بعض الأحزاب المعارضة للنجاح الذي حققه الخطاب العنصري الشعبوي في أوروبا، ومحاولتها استنساخه ضد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، من دون أي اعتبار لتداعيات هذا الخطاب العنصري على حياة السوريين في تركيا، وعلى الأمن والسلم الأهلي التركيين، في ما يمكن اعتباره "عملية توريق"[1] رخيصة لهذه الآهات في سبيل حصد بعض الأصوات الانتخابية.

توجد اختلافات كبيرة في المواقف والوعود السياسية بين المرشحين الرئيسيين وحلفائهم في ما يتعلق باللاجئين السوريين في تركيا، ولا شك أن هذه الاختلافات ستؤثر على حياة السوريين الذين يعانون أصلا ظروفا صعبة ومعقدة في تركيا.

من جهة، "تحالف الأمة" الذي يضم كلا من الحزبين الرئيسين حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، إضافة إلى أحزاب صغيرة، مواقفه السلبية من السوريين واضحة. فميرال أكشنار وكمال كليجدار أوغلو (صاحب الكلمة الفصل ومرشح تحالف الأمة) واضحان حتى اليوم بتأكيد برامجهما تجاه اللاجئين السوريين، التي تتضمن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم في غضون عامين على أبعد تقدير، على قرع الطبول وبالتنسيق مع بشار الأسد لإنجاح ذلك، رغم معرفتهما -والعالم أجمع- أن بشار الأسد ونظامه هما المسؤولان عن قتل مئات الألاف من السوريين وتغييب وتهجير الملايين.

ورغم وجود أحزاب ذات طابع ليبرالي تقودها شخصيات معتدلة مثل داود أوغلو وبابا جان اللذين حافظا على وعود تظهر بعض القيم الإنسانية في برامجهما السياسية، فإن وزن تلك الأحزاب ضمن التحالف وعلى الساحة السياسية غير مؤثر (لم يصل الحزبان في أفضل قياسات الرأي مع حزب السعادة إلى 1% من أصوات الناخبين للأحزاب الثلاثة معا)، ومن ثم فإن وعودها لا تتجاوز كونها رغبات وتطلعات شخصية لا يمكن أن تترجم لواقع بسبب فقدانها التأثير الحقيقي على الحلف وبرامجه، وبالتالي افتقارها إلى الأدوات اللازمة والوزن السياسي.

تحالف الشعب -الذي يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم- تعهد بتعزيز الاندماج والتكامل للاجئين والمهاجرين في المجتمع التركي، وتسهيل عودتهم الطوعية إلى بلادهم لخفض نسبة المهاجرين لتكون بنسبة معقولة مشابهة للدول المتقدمة

مرشح حزب الوطن محرم إينجه (الذي انسحب من الانتخابات يوم الخميس 11-05-2023) أوضح أن سياسته تلتزم ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا وأن فترة إقامة اللاجئين السوريين في تركيا قد طالت، وأن الجمهورية التركية ليست منظمة خيرية. في حين نادى سنان أوغان مرشح "تحالف الأجداد" -الذي أقامه حزب النصر- بسياسة صارمة تجاه اللاجئين السوريين والمهاجرين الذين يعيشون في تركيا، وانتقد الحكومة الحالية بسبب موقفها تجاه اللاجئين، وشدد على أن مرسومه الرئاسي الأول هو ترحيل السوريين واللاجئين إلى بلدانهم، أما أوميت أوزداغ مؤسس حلف الأجداد وصاحب أشد بروباغندا كراهية تجاه السوريين والعرب في تركيا، فقد شبه اللاجئين بالغزاة وقدم مواد مرئية وخطابات تحمل رسائل تحريضية ومهددة لأمن اللاجئين، وحمّل اللاجئين مسؤولية المشاكل التي تواجهها تركيا بسبب الزيادة السكانية والتأثير السلبي للمهاجرين على المجتمع والاقتصاد، وتعهد بإعادة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين طوعا أو قسرا.

أما "تحالف الشعب" وهو تحالف يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الحركة القومية، وحزب "الرفاه من جديد" وحزب الدعوة الحرة -أو ما يعرف بالتركية بـ"هدى بار"- وحزب الاتحاد الكبير، فقد تعهد بتعزيز الاندماج والتكامل للاجئين والمهاجرين في المجتمع التركي، وتسهيل عودتهم الطوعية إلى بلادهم لخفض نسبة المهاجرين لتكون بنسبة معقولة مشابهة للدول المتقدمة، مع الحفاظ على أمن الحدود ومحاولة التوازن بين احتياجات البلاد واستضافة المهاجرين عبر خطة لتوزيع المهاجرين على الولايات بنسب تتوافق مع احتياجات تركيا الاقتصادية والزراعية والصناعية، وركز هذا الحلف أيضا على ضمان الالتزام بالقوانين التركية وعدم السماح بالهجرات غير المشروعة إلا في الحالات الإنسانية والقسرية.

ولقد سعت الدولة التركية على مدى العقدين الماضيين إلى لعب دور إقليمي وعالمي متقدم، والتفاعل مع قضايا المنطقة والانخراط الجريء فيها. والحتمية الجغرافية التي تربط تركيا وسوريا تشكل عاملًا مهمًا في أي مقاربة إستراتيجية، فهي علاقة متشابكة ومتداخلة بشكل كبير، حيث تعتبر تركيا الدولة الجارة الأكثر تأثرًا بالأحداث في سوريا، خاصة أنها تمتلك أطول حدود برية معها، لذا يعد الملف السوري أحد أهم هذه الملفات الإقليمية التي تسعى تركيا للتعامل معها، خاصة أن للملف السوري وزنًا إستراتيجيًا كبيرًا، وتحمل الأحداث في سوريا آثارًا مباشرة وغير مباشرة على تركيا وعلى دورها في المنطقة والعالم.

يكتسب كل صوت أهمية قصوى للتأثير في النتائج النهائية، فالانتخابات التركية تتيح فرصة حقيقية للمواطنين للدفاع عن مصالحهم الشخصية والجماعية والعمل من أجل مستقبل أفضل

أحد أهم أركان القضية السورية هو ملف اللجوء السوري في تركيا، ولذا حاولت الدولة التركية في الفترة الماضية التعامل بكثير من المسؤولية مع هذه القضية، مؤكدة التزاماتها الإنسانية والسياسية الطارئة تجاه الشعب السوري الجار، وفي الوقت نفسه أكدت الاهتمام بتقليل الآثار الجانبية للحرب السورية على الدولة والمجتمع التركي. ويمكن القول إن تحسين العلاقات بين الشعبين السوري والتركي نقطة قوة مهمة في علاقات البلدين، وهو يعزز الروابط التاريخية والمستقبلية بينهما، ولذا ترى الدولة التركية أن العلاقة الإيجابية مع المجتمع السوري مصلحة أمن قومي تركي، وقد تعاملت مع السوريين بناءً على ذلك، ولم تقع في فخ العنصرية والشعبوية السياسية.

في ظل الانتخابات التنافسية والديمقراطية في تركيا، يكتسب كل صوت أهمية قصوى للتأثير في النتائج النهائية، فالانتخابات التركية تتيح فرصة حقيقية للمواطنين للدفاع عن مصالحهم الشخصية والجماعية والعمل من أجل مستقبل أفضل. إن المشاركة الفعالة والمسؤولة في هذه العملية ليست مجرد حق لكل فرد، بل هي واجب عليه يجب الوفاء به من أجل تحقيق تطلعات الجميع وبناء مستقبل أفضل. ولذلك، يتعين على كل من يمتلك حق الانتخاب الاستفادة من هذه الفرصة والمشاركة بفعالية ومسؤولية لتمثيل مصالح مجتمعه ومصالحه الشخصية.

السوريون في تركيا أصوات بلا صناديق، فرغم حضورهم الكبير في الأجندة السياسية، فإنهم لا يمتلكون حق التصويت في الانتخابات التركية، ومن ثم، فإن تأثيرهم المباشر على نتائج الانتخابات محدود للغاية. ومع ذلك، فإنهم لا يزالون يمتلكون صوتًا فعالًا في المجتمع التركي من خلال تفاعلهم الإيجابي والدعاء بالنصر للحلف الذي يعتقدون أنه يحمل لهم ولأولادهم الخير في المستقبل، سواء طالت إقامتهم في تركيا أو قصرت.

في النهاية، يجب على جميع المرشحين وحلفائهم أن يتخذوا مواقف مسؤولة تجاه اللاجئين السوريين، والتعامل معهم بعدل وإنصاف، وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية، بما يتوافق مع القوانين والمعاهدات المحلية والدولية.

 

هامش

  • [1] التوريق: مصطلح يستخدم لوصف تحويل الأصول المالية أو الديون إلى أوراق مالية يمكن تداولها وبيعها في السوق. في سياق السياسة، يمكن أن يكون التوريق استعارة لتحويل قضايا معينة إلى موضوعات شعبوية تستخدم لجذب الناخبين وكسب أصواتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.