شعار قسم مدونات

تناحر الإخوة الأعداء.. والأبرياء هم الضحايا

الخسائر من العسكريين يقدر أنها أضعاف المدنيين ولا يعلمها أحد يضاف إلى ذلك المشردون (مواقع التواصل)

كلما أجهشت بالبكاء ومزق الحزن قلبي على ما يجري في السودان الحبيب أهل الحب والود والطيبة والسلام، أتذكر أبياتا لامرئ القيس عن الحرب وأهوالها وأنها يشعلها السفهاء ولا يقدر على إيقافها العقلاء؛ قال بن عيينة عن خلف بن حوشب قال كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن إذ قال امرؤ القيس:

الحرب أول ما تكون فتية .. تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا اشتعلت وشبّ ضرامها .. ولّت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء ينكر لونها وتغيرت .. مكروهة للشم والتقبيل

وهكذا الفتن يشعلها الجهلاء والمتورطون حتى إذا اكتووا بنارها وحاولوا وقفها عجزوا وأسرعوا للهروب منها ونسوا أن "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها"، و(الفتنة أشد من القتل) (البقرة: 191)، وأن (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) (المائدة: 32). ما يجري في السودان حرب لا معنى لها، إنها حرب الهرج والمرج والفوضى التي لا معنى لها ولا هدف أو غاية، والضحية هم الأبرياء من الشعب السوداني الطيب الذي عانى ضنك العيش وضيق الحياة والتضخم والفقر والمجاعات.

السودان جنة الله في أرضه

السودان أرض الثروات والجنات والماء العذب الوفير، فيها ما لايقل عن 200 مليون فدان أرض خصبة صالحة للزراعة ولا يوجد من يزرعها وقيل عنها سابقا إنها سلة غذاء العرب، ومع ذلك لا يعطيها العرب أي اهتمام، وفيها تنوع نباتي ومناخي من أرض صحراء ومراع وسافانا وغابات، وقيل لي إن أشجار المانجو تسقط ثمارها على الطرق فتصبح صفراء، وغابات الصمغ العربي الذي تتسابق عليه الأسواق العالمية، وبالسودان ثروة حيوانية تقدر بنحو 40 مليون رأس بقر وغير ذلك الأغنام والجِمَال، أما في باطن الأرض فغير الآثار المدفونة يوجد النفط والغاز والذهب واليورانيوم والأحجار الكريمة والرصاص والرخام والمعادن ومناجم كثيرة للفحم والماس، ومع ذلك فالسودان فقير يستدين ويطلب المعونة.

من يتكبد الخسائر غير الشعب!

آخر ما وصلني من نقابة أطباء السودان أن الضحايا المدنيين قاربوا 400 والمصابين نحو ألفين وهذا ما تم الوصول إليه والعثور عليه، أما الخسائر من العسكريين فيقدر أنها أضعاف ذلك ولا يعلمها أحد، يضاف إلى ذلك المشردون والذين فقدوا منازلهم والهائمون على وجوههم في الشوارع ويحاصرهم القتال.

وتبذل جهود جبارة لإخراج الأجانب وأعضاء البعثات الدبلوماسية من مناطق القتال، ورغم كل هذه الجهود فلم ينقذ حتى الآن جميع الدبلوماسيين أو الأجانب الآخرون، إنها مأساة وتراجيديا حزينة ومؤسفة.

احذروا تقسيم السودان

هل تذكرون عندما كانت مصر والسودان يحكمها ملك واحد ثم انسلخت مصر وبقي السودان وحده، ثم حدثت ثورة الجنوب وانفصل جنوب السودان، ثم تقوم القلاقل في دارفور وكردفان وفي شرق السودان وكلها مهددة بالانفصال، وكذلك النوبة فيها من ينادي بالانفصال، ثم تأتي هذه المحنة لتزيد خطر التقسيم، وكل يوم يزيد التدخل الأجنبي وتتداخل كثير من الأطراف، والآن يختلط الحابل بالنابل والمتقاتلون هدفهم السلطة والنفوذ والسطو على الثروات، ونسوا أو تناسوا قضية سد النهضة وقضية احتلال فلسطين وبيت المقدس، وأصبح كل هدفهم الاقتتال والقتل وتقديم التنازلات للأجنبي، إذ يقف خلف كل فئة أصحاب المطامع والمؤامرات، ونقف نحن أحباب السودان حائرين نلطم الخدود ونشق الجيوب حزنا على مصير السودان، وندعو الله أن ينقذ السودان ويسلم أهله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.