شعار قسم مدونات

فرص قليلة وعالم متقلب

ريف إدلب - فاقمت الأزمات الاقتصادية في سوريا محنة النازحين السوريين وعمقت آلامهم.
ملايين العمال تم تسريحهم من العمل بسبب الظروف العامة القاهرة (الجزيرة)

تتعاظم في الأيام المتلاحقة بمستجداتها القضايا التي باتت الشغل الشاغل للإنسان، ما بين الخوف من المستقبل إلى ترقب مجريات النزاعات الممتدة، إلى البحث عن سبل معالجة تبعات الواقع الاقتصادي بكل ما يحمله من هزات زلزالية تزعزع كل المعهود والمعتاد فيه، وما بين هذه الأزمة وتلك، تبرز مجموعة من الأسئلة الحساسة التي تفرض نفسها بقوة على عقل الفرد والمؤسسة والدولة، كلها تتعلق بالواقع وتحليله، وكيفيات استخلاص النتائج  والمعلومات السليمة للتوجه نحو تأمين متطلبات الغد بصورة تمثل الحد الأدنى من متطلبات الفرد والمجموع.

التقلبات في سوق العمل العالمي وسلسلة الإفلاسات المتتالية في الشركات الكبرى والمتوسطة فضلًا عن الصغرى في أوروبا انعكست بصورة مباشرة على الواقع الاقتصادي العربي، وأفرزت تخوفات متعددة المستويات، بات المواطن الفرد مشغولًا بها بصورة حقيقية تمس حقيقة وجوده ومستقبله، بدءا بالخلل في سلاسل التوريد والنقل وصولًا لتقلبات سوق النفط والعملات.

التحدي الحقيقي اليوم أن نمتلك أدوات المعرفة الحقيقية لتحليل عقلاني وموضوعي للأحداث، فما لا يمكن التنبؤ به كالزلازل والآفات الطبيعية هذا شأن، وما يمكن امتلاك المعرفة بحقيقته ومعطياته لا بد أن يكون شأنًا آخر، فهو شأن يهم العقول البشرية الواعية للتحليل الواعي والعقلاني له، لا سيما في مجال التوصيات التي يمكن أن يقدمها العقلاء للشارع العام بخصوص السبل الفضلى في التعامل مع الأزمات المستجدة والآخذة بالتعاظم يومًا بعد يوم.

الظروف الاقتصادية والسياسية العامة فرضت نفسها على أسواق العمل بصورة سيئة وسلبية، فكثير من المنشآت والمصانع أغلقت أبوابها، وملايين العمال تم تسريحهم من العمل بسبب الظروف العامة القاهرة، وهذه الكارثة التي سيشيع بعدها الفقر والألم والحالات الاجتماعية الضاغطة ستكون مؤثرة على كل المجتمعات العربية من دون استثناء، والفقر عنوان واسع من عناوين الأزمات الصامتة القاتلة.

الظروف الاستثنائية تتطلب تفكيرًا وتدابير استثنائية تتناسب مع الزمان والمكان والإنسان والطبيعة الخاصة بالتفاعل البشري، لتتمكن المجتمعات التي تعيش هذه الأزمات من الإفلات من الكوارث المنبثقة عنها، التي باتت تمس الفرد في كل جوانب حياته اليومية

هذه المعطيات الاقتصادية التي أفرزها الواقع تتطلب من المؤسسات الوزارية واتحادات رجال الأعمال والغرف التجارية والصناعية والزراعية التفكير السريع والمباشر في فتح الفرص الجديدة أمام الباحثين عن العمل، والتأسيس السريع لمشروعات العمل الإنتاجي الصغيرة والمتوسطة، التي يكون من شأنها أن تؤمّن الحياة الكريمة -ولو بالحد الأدنى- للناس ليقوموا بمسؤولياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وإلا فإن انتشار الفقر الصامت، والبطالة الصريحة والمقنعة، ستترك في كل مجتمع كارثة حقيقية تمس الأركان الأساسية للمجتمع ككل.

ومن منطلق الخبرة المتواضعة التي اكتسبتها خلال مشاركاتي وعضويتي في اتحادات الغرف التجارية ورجال الأعمال والمؤسسات الصناعية والتنموية، فإني أوجه رسالة عاجلة لكل رجال الأعمال الكرام حيث كانوا، لا سيما المخلصون منهم والمنتمون إلى أرضهم ووطنهم ومجتمعهم، أن يكونوا سباقين في طرح المشروعات الرائدة، والدخول في شراكات تجارية واستثمارية جديدة، ليتحرك رأس المال المخزون، وينعكس تنميةً مجتمعية بالحد الأدنى، تنقذ المجتمعات من ويلات الحروب والأزمات والصراعات القائمة.

إن استمرار العقليات الإدارية في القطاعات الاقتصادية وعلى مستوى رجال الأعمال ومؤسسات حواضن الأعمال بمسمياتها المختلفة بنمطية التفكير النمطية في ظل التقلبات الجارية -التي تمس كل مظاهر الحياة- من الخطأ البيّن، فالظروف الاستثنائية تتطلب تفكيرًا وتدابير استثنائية تتناسب مع الزمان والمكان والإنسان والطبيعة الخاصة بالتفاعل البشري، لتتمكن المجتمعات التي تعيش هذه الأزمات من الإفلات من الكوارث المنبثقة عنها، التي باتت تمس الفرد في كل جوانب حياته اليومية.

إن هذه الدعوة المباشرة لقطاعات رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الحاضنة ليست دعوة مفتوحة التاريخ، ففي كل يوم تتفاعل الأزمات في العالم فتجعل من هذه الدعوة أولوية قصوى سابقة لكل الأولويات المطروحة على بساط البحث الاقتصادي، فالمجتمع الذي ستدب فيه الفوضى والعنف -بسبب البطالة والفقر والحاجة والمتطلبات الحياتية الأساسية- لا يستطيع التفكير والنجاح في أي شأن من شؤونه، بل سيكون مهددًا بشكل فعلي بالزوال والاندثار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.