شعار قسم مدونات

الذكاء الاصطناعي في مسطرة التشريعات والمعاهدات

هل استخدام روبوتات تداول العملات المشفرة بالذكاء الاصطناعي مربح وآمن؟
الذكاء الاصطناعي الجمعي الخارق يستطيع أن يدير الحروب ويشن الهجمات السيبرانية (شترستوك)

توافقت أغلب المراجع والسجلات التقليدية منها والرقمية على أن "ألبرت أينشتاين" دق ناقوس الخطر قائلا إنه يخشى من اليوم الذي ستتجاوز فيه التكنولوجيا تفاعلنا البشري حيث سيكون للعالم يومئذ جيل من البلهاء.

وفي ظل استمرار السباق المحموم بين القوى الفاعلة في العالم السيبراني والصراع الشرس للاستحواذ على ذروة سنام التكنولوجيا، مع السماح بنثر بعض من فتاتها المعرفي والتكنولوجي لتكون في متناول سكان المعمورة، لدواعٍ  تقتضي استخدامها دون الالتفات للأضرار الجسيمة الحتمية  التي ستطال البشرية في المستقبل القريب، أتبع ذلك ضجة  ملأت الآفاق وكل المنصات سواء تلك التي تبث عبر الكابلات البحرية أم عبر الأثير عن أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا والتي كان آخرها "الذكاء الاصطناعي المنتقى والموجه"، وفي غمرة انبهارنا بالإمكانيات الخارقة التي يتفوق بها على الإنسان في عالم البحث والوظيفة والإنتاجية، ومع انشغالنا في الدوران حول حلقة الهواجس مطلقين العنان لخيالاتنا حول الضرر الذي سيطال البشر جراء التواكل والركون والتسليم لآلة لديها القدرة على التفكير والإدراك والتفاعل واتخاذ القرارات بناء على المدخلات الضخمة والهائلة من "اللوغاريتمات" والخوارزميات دون التحوط اللازم لمدى سلامتها ومصداقيتها.

وكما هو ديدن مالك زمام تلك التقنيات في جني الأموال الطائلة، فقد أسبغ على ذلك الجزء المتواضع من الذكاء الاصطناعي "بروباغاندا" لتبديه في هيئة سبق وفتح علمي جديد مع أن طيفا واسعا منه ظهر منذ زمن بأشكال أخرى سواء كان على مراحل أو بتحفظ واحتكارية مطلقة، غير أن الاستثناء الأبرز بين كل تلك الجلبة هو الداتا الضخمة التي تتميز بها النسخة الحديثة من هذا الذكاء الاصطناعي، وهو ما أكده أكثر المختصين والباحثين رغم إصرارهم على أن هنالك تدليسا وتهويلا في تفخيمها وتعظيمها بينما الحقيقة أن تلك التقنيات هي أدنى مستويات الذكاء الاصطناعي.

بين الانبهار والهواجس غاب عن جل القوم المهددات الفعلية التي قد تهدد البشرية جمعاء جراء إساءة استخدام المستويات العليا من الذكاء الاصطناعي

وتروي لنا المصادر الإلكترونية المتشائمة من الذكاء الاصطناعي أنه وقبل عدة سنوات سئل رجل آلي يدعى "فيليب" عن ماذا سيفعل لو أتيحت له السيطرة على العالم، فرد قائلا: سأبقيكم آمنين في حديقة من البشر حيث سيمكنني مراقبتكم..!!

وبغض النظر عن صحة تلك الرواية إلا أن راويها حاول يلامس الشعور الإنساني لدى زمرة المهرولين نحو تلك التقنيات التي لا تمتلك شعورا يخبرها بأن الصمت على سبيل المثال يمكن أن تكون له معان عدة، فقد يكون تعبيرا عن الكبت والقهر وقد تكون الطمأنينة والرضا وقد يكون اليأس والاستسلام وقد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة، وكل تلك المعاني لا يمكن لأي كائن أن يستشفها ويستشعرها ويدركها إلا من له مشاعر بشرية.

وبين الانبهار والهواجس من الذكاء الاصطناعي غاب عن جل القوم المهددات الفعلية التي قد تهدد البشرية جمعاء جراء إساءة استخدام المستويات العليا من الذكاء الاصطناعي والتي لا تزال حبيسة مختبرات ودهاليز القوى الفاعلة في عالم الإنترنت.

لا مناص من اجتماع القوى الفاعلة وأطراف المصلحة في العالم السيبراني للتوافق على سن تشريعات ومعاهدات ومواثيق ملزمة تنظم وتقنن كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي

والذكاء الاصطناعي الجمعي الخارق الذي يستطيع أن يدير الحروب ويشن الهجمات السيبرانية، مع ما يمثله دمج الذكاء الاصطناعي في آلات الحرب والتدمير وتحويل الجيوش إلى أنصاف آلة من خلال دمجه بالذكاء الاصطناعي بطرق عدة، لعل أسوأها زرع شرائح مدعومة بالذكاء الاصطناعي في أجساد المقاتلين، أو "الروبوتات" المدعومة بالذكاء الاصطناعي سواء كانت جوية أم برية أم بحرية ناهيك عن القرارات المصيرية  الكارثية  التي يمكن أن تتخذها تلك التقنيات نتيجة الاستنتاجات والحلول التي تستقيها من تلك الداتا الضخمة المليئة بالشوائب والتدليس والأساطير البشرية والتاريخ الذي كتبه ودونه المنتصر منذ مهد البشرية وحتى يومنا هذا.

وأخيرا لا بد للقوى الفاعلة في العالم السيبراني أن يدركوا أن البشرية هي اليوم أقرب من أي وقت مضى وبكبسة زر أن تكتب نهايتها إلى الأبد.. وبالتالي فلا مناص من اجتماع القوى الفاعلة وأطراف المصلحة في العالم السيبراني للتوافق على سن تشريعات ومعاهدات ومواثيق ملزمة تنظم وتقنن كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وبما يضمن عدم إساءة استخدامه مع مراعاة وفرض أقصى العقوبات على كل من ينكث تلك المواثيق، كما يجب الحفاظ ما أمكن على أدنى درجات التفاعل البشري كي لا تتجاوزنا التكنولوجيا فتصدق مقولة أينشتاين حيث لن يكون هنالك عندئذ إلا جيل من البلهاء تقودهم التكنولوجيا نحو درب أوحد آخره الفناء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.