شعار قسم مدونات

ضحايا الأفكار العدمية

7 خطوات للهروب من دوامة الأفكار المقلقة التي تنغص حياتك GettyImages-521983717
كثير من الشباب العربي الذين نهموا بالقراءة والمعرفة والفلسفات وقعوا فرائس لكتب معينة (غيتي)

قرأت على حائط إحدى صديقات الفيسبوك هذه الكلمات "الدين لا يصنع إنسانا حقيقيا.. سيصنع فقط.. جنة من الورق!" كتبتها لتكون نبذة تعريفية عنها. ألغيت فكرة تصفح محتواها، فكانت هذه الكلمات كافية لمعرفة ماهيتها. عرفتُ تلك الماهية. هل ذلك يكفي لأن تعرف ماهية إنسان؟ غالبا يكفي. قالوا: إن المرء مخبوء تحت لسانه فإن تكلم به عُرف. وهو ما وجدته بعد حوارها.

حسنا صديقتي، دعيني أتحدث -بتواضع- إليك عن هذه الكلمات الكبيرة جدا، وعن لماذا قررت الشابة أن الدين لن يصنع منها إنسانا حقيقيا!

عندما نبدأ بالقراءة، تقف بين أيدينا كتب لا ندركها تمام الإدراك وأيضا نكون غير ناضجين جيدا. فحين نقرأ كتابا يقودنا لكتاب آخر مشابه، فيمضي بنا بالفكرة ذاتها أو التوجه ذاته إلى كتاب آخر بالنسق ذاته، وهكذا دواليك تتشكل قناعاتنا في الطريق الذي يقودنا إليه أول كتاب فكري. لتصبح قناعتنا صلبة في ذلك الطريق، وتلك القناعة التي نبدو بها أمام الآخرين. وفي الحقيقة، تكون قد تشكلت فينا بطريقة لاواعية ولاإدراكية.

كثير من كبار الفلاسفة والمفكرين والمثقفين الغربيين عادوا في الأخير -بعد متاهات طويلة- إلى حضن فكرة "الإله، الرب، خالق الكون العظيم"، إذ إن التنطط خارج هذه الحقيقة الثابتة حولهم إلى عدميين

أكثر القراء الشباب وقعوا بفخوخ تلك الطرق. كدت أكون واحدا منهم، لولا أن الله ساق لي الرائع الجميل والمفكر العملاق بيغوفيتش ليعترضني في المنتصف ويخبرني بالأشياء التي كانت قد غابت عني. صحح لدي بيغوفيتش من خلال كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب" كثيرا من الأشياء التي كانت قد صارت قناعات صلبة، وأعاد رسم خريطة طريقي الفكري. عن ذلك الكتاب كتبت كثيرا، أدعوك لقراءته.

خلال العشر سنوات الماضية وحتى اليوم، كثير من الشباب العربي الذين نهموا بالقراءة والمعرفة والفلسفات، وقعوا فرائس لكتب معينة، سلكت بهم طرقا لم يدركوا حقيقتها ولا منتهاها؛ اكتئبوا في نهاية المطاف، وفكر بعضهم بالانتحار، ومنهم من فعلها حقا. ومنهم من فقد الأمل بالحياة، إذ إن الكتب المادية البحتة والمشبعة بالعلمانية والعدمية، تعجز عن تقديم إجابات مقنعة عن "ما الحياة؟".

فهي كتب تقول له إن وجودنا في هذا الوجود مهزلة كبيرة، أو إننا في "حفلة تفاهة"، حسب تعبير ميلان كنديرا.

وكثير من كبار الفلاسفة والمفكرين والمثقفين الغربيين عادوا في الأخير -بعد متاهات طويلة- إلى حضن فكرة "الإله، الرب، خالق الكون العظيم"، إذ إن التنطط خارج هذه الحقيقة الثابتة حولهم إلى عدميين، والعدمية لا تعطي أي معني أو قيمة للحياة. ومن أمثال هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، براند شوا، دوستويفسكي، تولستوي في "رحلة إلى الذات"، فرانسيسكو في "لغة الإله"، مراد هوفمان وغيرهم كثير ممن حذروا من سطوة المادية.

المفكر الأوروبي صاحب فكرة النظرة المادية ومنشئها، أدرك لاجدواها وخطورتها على الإنسانية وراح يحذر منها بنفسه

قرأت كتاب "قوة الكلمات"، وهو عبارة عن رسائل لعلماء في العقلنة والمنطق والرياضات، والفيزياء، والتقنية كانوا يعملون في تخصصاتهم العلمية، ليتركوها ويعودوا للعيش في أكواخ لممارسة فعل "الكتابة" بعد أن جردتهم تلك العلوم من الروح والعاطفة والإنسانية. فلقد حولتنا تلك العلوم عندما جردناها من الروح والإيمان إلى آلات، هذا ما قاله مضمون رسائلهم.

وهو ما يعني أن أصل المفكر الأوروبي صاحب فكرة النظرة المادية ومنشئها، أدرك لاجدواها وخطورتها على الإنسانية وراح يحذر منها بنفسه. بينما إخواننا العرب الذين انفتحوا -مؤخرا- على أوروبا، نراهم يركضون خلف السوق الذي خرجت منه أوروبا، وإن كان بشكل ما من الأشكال.

"الدين لا يصنع إنسانا حقيقيا" هكذا تقولين يا صديقتي، وليس في منشور عابر، بل في عنوانك الرئيسي. أنت حرة في أن تكوني ما تشائين، أما ما سنفعله نحن، فليس أكثر من كلمات قليلة سنضعها حول هذه الجملة الكبيرة، الكبيرة جدا.

يثبت بيغوفيتش في كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب" -من خلال التاريخ البشري وتاريخ الأديان- أن الإسلام وحده الذي يملك صناعة تلك الحقيقة في ذلك الإنسان. فهو النظام/ الفكرة الوحيدة في هذا الكوكب التي ترى الدنيا وكل ما فيها بثنائية: "الروح والمادة". قدم بيغوفيتش دراسة حقيقة وواقعية عن باقي الأفكار والأديان ووضعها في مواجهه مباشرة مع الحياة ومتغيراتها، لتفشل فشلا ذريعا، كل فكرة أخرى في أكثر من مسألة. وحده الإسلام -بمفهومه الشامل والواسع والحقيقي الدقيق والعميق- لم يصطدم ولم يتعارض مع أي شيء يصب في خدمة الإنسان وسعادته.

موريس بوكاي، الطبيب التشريحي لمومياء فرعون، ترك الكاثوليكية والطب ليكتب كتابه الذي أثار جدلا واسعا في الوسط الأوروبي، والذي كان بعنوان: "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث" المنشور عام 1976

"سيصنع فقط.. جنة على ورق" من البديهي أن تكون هذه هي التكملة لعبارتك الهشة، ما دامت قد نسفت الأمر بداية الجملة. هذه الكلمات، أي التي عرفتِ بها نفسك، هي نفسها التي يقولها علي البخيتي: "الدين خرافة وصناعة بشرية"، وهو ما يعني أنك لا زلت تمهيدي "بختتة" مع كامل احترامي لك.

هنا، أنا لا أناقش سوى الفكرة، الفكرة وحسب.

أرى أنكِ استعجلت الأمر كثيرا، وأطلقتِ حكما غير واعٍ ولا مدركا. مضيتِ قليلا، شعرتِ بالتعب، ولم تجدي الإجابة سهلة لأسئلتك الكبيرة، فقررت بخفة توماس، أن تطلقي هذا الحكم الهش. لم تفعلي كما قال "إبراهيم" بطل رواية "معراج" لرائعنا الجميل عبد الله شروح: "الإجابة ليست بهذه البساطة؛ عليك أن تعيش الحياة كما عشتها، بكل تفاصيلها لتدرك الجواب". تلك الرواية التي فتح عرضها على صفحة "جائزة السرد اليمني" شهيتك لقراءتها.

حتى موريس بوكاي، الطبيب التشريحي لمومياء فرعون، ترك الكاثوليكية والطب ليكتب كتابه الذي أثار جدلا واسعا في الوسط الأوروبي، والذي كان بعنوان: "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث" المنشور عام 1976. وكثير من عباقرة عظام في الفكر والعلوم عادوا للإيمان بالإله، وكتبوا عن الإسلام كثيرا.

الذي أريد قوله إن السوق الذي وجدتموه مغريا، لأسباب غامضة وضبابية، وتجمحون نحوه بطيش، ظانين أنه المنتهى الأخير لهذا الوجود، بات كثير من النخبة من صناعه وتجاره ومموليه وأصحاب الأرض الذين سمحوا بإقامته يدركون هشاشته وتفككه وعدم اتزانه في مواجهه الحياة، آخذين الآن في القفز منه واحدا تلو الآخر، وغدا ستقرر أوروبا أو المادية الخروج الكلي منه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.