شعار قسم مدونات

هل تمتلك القوى والتيارات المدنية العراقية قوة حقيقية؟

ما موقف الأحزاب العراقية إزاء الأزمة بين إيران وأميركا؟
هذه الجماعات والأفراد لا يمكن لها النجاة إلا بالتسوية في ما بينهم وتشكيل جبهة موحدة تقودهم للسلطة، ولا ضير أن يبقى الاختلاف شأنا داخليا يصغر أمام الأحداث المهمة (الجزيرة)

لم تكن لرغبة الأكثرية أهمية منفردة واضحة على مر التاريخ، حتى لدى أعظم الدول الديمقراطية التي رفعت شعارات حقوق الإنسان، بل كانت القوة هي التي ترافق وتقود هذه الرغبة والعملية الديمقراطية وكل هذه الأعداد، وهي من تفرض المنطق القائد لكل شيء، وهي من تفرض الرسوم وتكتب القوانين وترسم المصير الحقيقي لهذه الجموع التي ما عليها إلا المصادقة على مخرجات القوة بطريقة ديمقراطية.

لم يفز رئيس أو مسؤول بدولة ديمقراطية وبطريقة ديمقراطية لو لم تكن القوة والسطوة هي من تدير واجهته وخطاباته وطريقة تحديده للحلول، وهذه القوة تتمثل في عوامل مهمة لا يمكن استثناؤها، وهي المال والمشروع والعدد النسبي والإعلام الذكي، في حين فشلت -في المقابل- ثورات عارمة ممولة ولها عدد لانهائي من التأييد وفيها كثير من الضحايا لتشتت قوتها بطريقة ديمقراطية.

وهنا نكتشف أهمية القوة وطريقة توجيهها لممارسة السلطة بكل راحة.

لا يوجد فرق جوهري بين هذه القوى أبدا، بل إن هذه الجماعات والأفراد والقوى متطابقة بكل شيء حرفيا ولا يمتلكون مشاريع مختلفة أو وجهات نظر مختلفة تجاه السلطة وأن كل ما يسوء هذه الجموع المدنية هو عدم الاتفاق الشخصي والصراع على قيادة الجبهة المدنية

ما القوى المدنية العراقية؟

مبدئيا، تعتبر التجربة المدنية بصورة عامة في العراق تجربة فتية ومتفرقة على مساحة الخريطة، فهي لم تعرف الاصطلاح المدني (قائدا للسلطة) إلا بعد عام 2003، عندما كان يطلق على السلطة في وجود القوات الأميركية وحلفائها سلطة الحاكم المدني، وكان الحاكم المدني حينئذ بول بريمر، وبعد ذلك لم يشأ استخدام هذا المصطلح لخطورته، إذ كان استخدامه آنذاك يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع السلطة المسلحة، التي تتهم كل من يختلف عنها بالعمالة للاحتلال، وبالتالي التعرض للقتل والتهجير، وبهذا لم تكن للشعارات المدنية مساحة اشتغال ولا ظهور ولا حتى مريدين مناضلين واضحين في ظل تلك الحقبة، وقد أفرزت تلك الظروف أفرادا وجماعات متفرقة بعد عام 2011 تحت شعارات ليبرالية وعلمانية ووطنية وغيرها وهم غرباء عن بعضهم لا يثقون ببعضهم بعضا حتى بعد مسيرة احتجاجات وأحداث امتدت لغاية 2018، وشهد ذلك العام حدثا مدنيا لافتا، وهو حدوث اتفاق عام تقريبا على مقاطعة الانتخابات بين عموم المدنيين، وهذا ما أنتج قطيعة مع النظام بعد إعلان نتائج الانتخابات، في حين تخلف جزء كبير من هؤلاء المدنيين عن هذا الاتفاق بمعية الحزب الشيوعي العراقي للائتلاف مع قوى شيعية لها طرف مسلح والدخول للانتخابات بقائمة واحدة، وقد يعتبر هذا أسوأ ما حدث للتيارات المدنية، وهو ما حطم اتحادها وثقتها ببعضها أكثر مما سبق.

هل تمتلك القوى المدنية العراقية رؤى مختلفة؟

بعد مسيرة تمتد لأكثر من 12 عاما مع هذه القوى والمعرفة الشخصية بهم، لا يوجد فرق جوهري بين هذه القوى أبدا، بل إن هذه الجماعات والأفراد والقوى متطابقة بكل شيء حرفيا ولا يمتلكون مشاريع مختلفة أو وجهات نظر مختلفة تجاه السلطة، وأن كل ما يسوء هذه الجموع المدنية هو عدم الاتفاق الشخصي والصراع على قيادة الجبهة المدنية أو الجماعات أو الأحزاب المتكونة حديثا، وهذا الموضوع هو نسخة طبق الأصل مما حدث مع المعارضة السورية بعد تبلور الأحداث في سوريا وتطلب وجود جبهة تُجمّع وتمتلك القوة لوضع الحلول والجلوس على طاولة التفاوض. صراعات القوى المدنية العراقية ليست لها جذور أيدلوجية ولا عرقية ولا حتى حقوقية، وتراهم يصطفون تحت شعارات واحدة بل يموتون تحت لافتة واحدة، ولكنهم في الأحداث الحقيقية التي تتطلب اصطفافا ينفكون عن بعضهم بعضا بطرق شرسة، وهذا الموضوع له عدة أسباب، أهمها حداثة التجربة المدنية وتشتتها وقصر طريق النضال المدني وسوء استخدام قوة هذه الجموع بصورة عامة، يضاف لها قوة الجبهة المضادة للقوى المدنية لتكون بذلك قائمة لأسباب تراجع القوى المدنية العراقية.

يجب على هذه القوى الحصول على المناصب العليا في المحافظات العراقية، خاصة الجنوبية، والاستحواذ على مناطق كاملة من ناحية السيطرة على الملف الانتخابي

ما خريطة الطريق التي تجعل هذه القوة ضاربة؟

لا يمكن لهذه الجماعات والأفراد النجاة إلا بالتسوية في ما بينهم وتشكيل جبهة موحدة تقودهم للسلطة، ولا ضير أن يبقى الاختلاف شأنا داخليا يصغر أمام الأحداث المهمة مثل الانتخابات، هذه القوى لا تمتلك المبرر الحقيقي للتشتت مطلقا، لكونها لا تحمل اختلافات جوهرية حقيقية تستحق الاختلاف بالدرجة الأولى. ولكي تكون قوة ضاربة حقيقية، على القوى المدنية التفكير جديا بالسلطة وعدم الإفراط في الانغماس بالشأن الجماهيري ورغبات الجماهير اللامتناهية، لكون الجمهور -خاصة العراقي- يميل بسهولة إلى ما تفرضه السلطة من نظام بعيدا عن نوعه، وذلك لسبب تأسيسي وهو فقدان النظام والتنظيم لفترة طويلة في الشارع العراقي، أما البقاء بمساحة الاحتجاجات والتظاهرات، فهذه قصة خطيرة ستتحول في لحظة مفصلية من نقطة قوة تجاه السلطة إلى رصاصة تجاه القوى المدنية، وعلى القوى إجادة استخدام هذا السلاح بدلا من الإفراط في استخدامه.

كذلك يجب على هذه القوى الحصول على المناصب العليا في المحافظات العراقية، خاصة الجنوبية، والاستحواذ على مناطق كاملة من ناحية السيطرة على الملف الانتخابي، وبعدها السيطرة على الهيكل الإداري لتلك المناطق هو أمر بالمتناول، وذلك لكون المناطق تلك تعتبر شبه مدنية -حسب آخر انتخابات برلمانية ونسب المشاركة والفوز- وهذا الأمر يثبت وجود قاعدة رصينة لتلك القوى تنقلها من مساحة الاحتجاج والشارع إلى طاولة التفاوض على السلطة أو الاستحواذ على طاولة السلطة، التحزب وصناعة أيدلوجية بسيطة مشتركة رابطة لهذه القوى المدنية لصناعة حزبين أو 3 أحزاب لا مشكلة فيها، وبهذا تثبت جذورا لصناعة مشهد تقوده القوة الحقيقية، وليست المؤقتة أو الوهمية، وهي قوة السلطة التي تفرض المشروع وتكتب ما ينبغي أن يكون وما يفترض أن يقرره الجمهور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.