شعار قسم مدونات

هاجر.. في الهجرة المستراح!

خطة ليبية للحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروربا
يسمع صوتا من الركام يناديه يا هذا هاجر؛ ففي الهجرة المستراح، فهناك الأسس الحق لبناء الآمال (الجزيرة)

"الغربة عقد مقارنة بين وطن سيئ تحبينه، وبين مهجر جيد تريدينه في وطنك، فلا المهجر سيأتي إلى الوطن، ولا الوطن سيكون على مستوى المهجر!". هذا ما قاله الكاتب نور الدين الصادق في روايته "بعض هذا القرنفل".

فرب شاب عاش في وطنه، وكان يرسم سيناريوهات عدة لما بعد الجامعة، يضع أحلاما لا سقف لها، وطموحات عالية، وما أن يحمل شهادة تخرجه بين يديه إلا ويجد نفسه يعود إلى الواقع المؤلم رويدا رويدا، تنهار جبال أحلامه، ويخر من قمة الطموحات إلى حضيض اليأس والفشل، ثم يسمع صوتا من الركام يناديه: (يا هذا هاجر؛ ففي الهجرة المستراح، وهناك الأسس الحق لبناء الآمال، وتحقيق الطموحات)، فيجد نفسه بين نارين عليه أن يختار بينها:

  • أولا: نار حبه لوطنه التي تدفعه ليظل باقيا تحت جناح وطنه بين أهله وأحبابه، ويعيش مذلولا، مقهورا، مسلوبا من أقل حقوقه، يسير بين الأزقة باحثا عن عمل ليسد له قليل حاجته.
  • ثانيا: شعلة طموحاته التي تدفعه ليهاجر إلى حيث الجاه، والوظيفة، والمال الوفير، إلى حيث تحقق الأحلام، وتبنى قمم الطموحات التي لا سقف لها، ولكن عليه أولا أن يدوس على قلبه، ويترك وطنه، وفي داره أُم شق الشوق صدرها، وأب أحنت الأيام ظهره، وإخوة يرجون قدومه بفارغ من الصبر.

وبعد صراعات نفسية عديدة، وتضارب النصائح من قريب وصديق وزميل، ثم في نهاية المطاف يجد نفسه انصاع لذاك النداء، فيحزم أمره، ويقرر الهجرة.

شاهدت كثيرا من الفيديوهات التي توثق بعضا من قصص الذين يئسوا من حياتهم في خضم الصحراء، جلهم يموت عطشا، وكل ما كان يحتاجه هو قطرة ماء فقط ليظل على قيد الحياة

أي الطرق أسلك؟

تساؤلات عدة تطرح في رأسه، يبحث عن طريق الوصول، فإن كان من أسرة عالية أو متوسطة الدخل فإنه يلجأ إلى الطريق اليسير، ويختار دون تردد أن يهاجر بطريقة شرعية، ولا بأس حتى وإن كلفه الأمر كثيرا؛ فهو يعلم يقينا أنه سيصل آمنا مطمئنا، وأما إن كان من أسرة ذات دخل محدود، تحصل على رزق اليوم باليوم، ولا يملكون فائضا ولو قليلا من دخلهم، فإنه يكتب عليه أن يسير في الدرب الصعب، ويذهب إلى الموت بقدمه، ما بين صحراء، وقارب في البحر، وقوات في حدود الدول، يفقد كثير من المهاجرين غير الشرعيين حياتهم، ويتركون خلفهم آمالهم، أسرهم، أحلامهم، أوطانهم، وكل شيء!

شاهدت كثيرا من الفيديوهات التي توثق بعضا من قصص الذين يئسوا من حياتهم في خضم الصحراء، جلهم يموت عطشا، وكل ما كان يحتاجه هو قطرة ماء فقط ليظل على قيد الحياة، ولو أنه فكر قليلا قبل الشروع في رحلة الموت لما اختار أن يسير فيها، ولفضل البقاء على الرحيل، ولكن هيهات، هيهات!

ما زلنا نرى أخبار الموتى لا تتوقف، يموت هؤلاء ثم يخلفهم غيرهم، كتبت عليهم الشقاوة حين لم يدركوا مقولة السعيد من وعظ بغيره.

ولقد وصف الشاعر محمد علي حال المهاجرين غير الشرعيين في قصيدته "قوارب الموت"، فقال فيها:

قصيد الشعر يجمع من رفاتــي .. وأدعيتي وحظـي من صلاتـــي

علـــى أمم أقلت ركـــب مــوت .. وأفئـــــدة تقلـــب فـــي شتـــات

وقوم يـــوم أدركهـــــم بلاهــــا .. أرادوا العيش في سبل الممــات

فكم ركبـوا زوارق ذات غـــدر .. وقـد طلبوا سرابـــا فـي فــــلاة

رأوا برقا بليل النــاس يســري .. فــــــأمّ القــــوم بابــــا للوفــــاة

وقد طمعوا برغد العيش يصفـو .. فمـــا ظفــروا بفـــوز أو نجــاة

وما لاقوا بـــأرض الـــوعد إلا .. رسوما ليس تغنـي من حيـــــاة

وضيما من خراب قد تــــوارى .. بستر الزور من قـــول البغـــاة

فكانوا بين موج البحر غرقـــى .. وإن بلغوا ففـــي كـــف العصاة

وهكذا فروا من الموت إلى الموت، وأضحوا كالمستجير من الرمضاء بالنار! وقليل من يحالفه الحظ ليكمل رحلة حلمه، ويجد مناه في نهاية ذاك الطريق الشاق والموحش.

تستمر الهجرة غير الشرعية في أخذ شباب في عز شبابهم، ومهما كانت الظروف فلن تصبح سببا للشخص ليلقي بنفسه إلى التهلكة

ماذا سيستفيد من تلك الرحلة؟

من الناحية الاقتصادية، سيتحسن دخل الفرد، ويتمكن من عيش حياة مرموقة، ويوفر جل احتياجاته واحتياجات أسرته، ومن ناحية أخرى يتعرف المهاجر على عادات الشعوب المختلفة، ويتمكن من الاندماج تدريجيا مع المجتمع، ويتعرف على أصدقاء جدد ولغة جديدة.

وربما حصل على المطلوب، لكنه لن ينسى ما مر به أبدا، وإذا طلب منه وصف الرحلة لقال: ويحكم كيف لي أن أصف الموت؟!

وتستمر الهجرة غير الشرعية في أخذ شباب في عز شبابهم، ومهما كانت الظروف فلن تصبح سببا للشخص ليلقي بنفسه إلى التهلكة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.