شعار قسم مدونات

معوقات التعليم عن بعد في الجامعات العربية

المعلمات أيضا يعانين من التعليم عن بعد.. هذه تجاربهن (بيكسلز)
ترتبط المعوقات بغياب المعدات والبنية التكنولوجية والاتصالية المتطورة مع ضعف التزويد بالإنترنت (بيكسلز)

أثبتت جائحة كورونا الأهمية البالغة للتعليم عن بعد، ودفعت جميع الدول للعمل على إيجاد بيئة تمكينية لهذا النمط التعليمي (التعليم الافتراضي)، كما نبهت القادة ومسؤولي مؤسسات التعليم -ولا سيما في الدول العربية- إلى ضرورة المزاوجة بين التعليم الحضوري والافتراضي، وفتح كافة جسور الاتصال الفعال بين الإدارة والطلاب والأساتذة والباحثين لتوسيع آفاق ومنافذ اكتساب المعرفة، وعدم حصرها في التعليم الحضوري فحسب، ففي عالم أصبح فيه عنصر الزمن نسبيا مع تقدم الوسائل الرقمية والاتصالية، وتوفر أدوات ومقاربات تعليمية جديدة فقد أصبح التنافس على تطوير المعرفة وإنتاجها ومشاركتها أشد حدة وسرعة باعتبارها ثروة مجتمعات المعرفة وعماد نهضتها.

ومن خلال استقراء واقع البيئة التعليمية لمؤسساتنا الجامعية نلاحظ أن ثمة عدة معوقات تقف في وجه نجاعة التعليم عن بعد وتيسير الانتقال الرقمي وإحلال التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد بالفعالية المطلوبة في المحيط التنظيمي والأكاديمي، واعتمادا على الملاحظة العلمية والمتابعة الميدانية ومن خلال تقييم تجربة التعليم عن بعد خلال أزمة كورونا يمكننا أن نسجل مجموعة من المعوقات التي تحول دون نجاح أو فعالية التعليم عن بعد بجامعاتنا، وذلك لتنبيه المسؤولين إلى ضرورة العمل على استدراكها وإصلاح الاختلالات وتهيئة الأرضية المناسبة لنجاح هذا النمط من التعليم.

المعوقات تتطلب رؤية شمولية لوضع خطة ناجعة للانتقال الرقمي، ومعالجة وتفكيك كافة الاختلالات التي تحد من فعالية التعليم عن بعد

ويمكن أن نحدد 7 أنواع من المعوقات هي: المعوقات التقنية، التمويلية، الفنية، البشرية، التنظيمية والقانونية، الثقافية، وأخيرا الاقتصادية.

المعوقات التقنية

ترتبط هذه المعوقات بغياب المعدات والبنية التكنولوجية والاتصالية المتطورة، مع ضعف التزويد بالإنترنت وشبكاتها المختلفة (الإكسترانت والإنترانت)، وحتى مع وجودها فهناك ضعف شديد في عمليات الصيانة والمتابعة الدورية وإعادة تهيئة البرامج وتحديثها وتوفير متطلبات الأمن الإلكتروني، وهذا راجع لعدم وجود مختصين مكلفين بمهمة المتابعة الدورية للأجهزة والشبكات، سواء على مستوى المعدات المادية (Hardware) أو البرامج الإلكترونية (Software)، الأمر الذي يعرضها بشكل مستمر للتلف والأعطال المتكررة.

المعوقات التمويلية

تتعلق بضعف الميزانيات المخصصة لتطوير البيئة الرقمية بالمؤسسات الجامعية، وعدم دفع اشتراكات التزويد بالإنترنت ذي التدفق العالي، وتغطية تكاليف نفقات التدريب وتأهيل الموارد البشرية ونفقات الصيانة والمتابعة واقتناء البرامج والتطبيقات الإلكترونية ونظم الحماية والأمن الالكتروني التي تتميز بجودة عالية.

المعوقات الفنية

ترتبط بعدم توافر البيئة الوظيفية والتمكينية للإدارة الإلكترونية ولفعالية نظام الرقمنة، والانتقال الفعلي نحو الخدمات والتطبيقات الإدارية والتعليمية الإلكترونية، والتخلي عن الأنظمة البيروقراطية التقليدية، فعملية الانتقال الرقمي تتطلب رؤية شاملة وتغييرا في فلسفة التسيير القديمة، واعتماد هياكل تنظيمية مرنة وشبكية مع تطوير أساليب إدارية إلكترونية.

المعوقات البشرية

ترتبط بنقص الكادر البشري المدرب والمؤهل لإدارة تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وتوظيف مختلف التطبيقات الإلكترونية في العملية التعليمية، فأغلب أفراد هيئة التدريس بحاجة إلى تكوين متخصص في تكنولوجيات الاتصال وتطوير مهاراتهم في إنشاء المواد التعليمية الإلكترونية واستغلال مختلف الأجهزة والتطبيقات الرقمية في الميدان التعليمي، وكذلك معرفة بيداغوجيات التعليم عن بعد، خاصة ما يتعلق بطريقة التقييم والتقويم عن بعد وكيفية إجراء الامتحانات عن بعد وتسجيل الحضور والتفاعل مع الطلاب عن بعد، فلا يمكن تطبيق نفس معايير وبيداغوجيات التعليم الحضوري على التعليم عن بعد.

نسجل هنا غياب الإطار التشريعي والقانوني المنظم لعملية التعليم عن بعد بشكل مؤسسي، كقانون إنشاء الجامعات الافتراضية والقوة القانونية للشهادات الممنوحة من طرفها

المعوقات التنظيمية والقانونية

ترتبط بتقادم الهيكل التنظيمي والثقافة التنظيمية السائدة في أغلب مؤسساتنا التعليمية والإدارية عموما، وعدم تحديث المنظومة القانونية المسيرة لشؤون العاملين ومختلف العمليات الإدارية والتي لا تزال تعود لعهود قديمة، وهي بحاجة إلى التكيف مع متطلبات العصر الرقمي ومجتمع المعرفة، مع تحديث كافة النظم الإدارية وفق النظريات التنظيمية والإدارية الحديثة، كالجودة الشاملة وتنمية الموارد البشرية والإدارة بالأهداف وإدارة المعرفة والكفاءات.

ومن ذلك أيضا ضرورة العمل على إنشاء المكتبات الإلكترونية على مستوى الكليات والأقسام، وتخصيص أرضية رقمية خاصة بالتعليم الإلكتروني يتزود منها الطلبة بالمراجع والمواد العلمية، وتتيح لهم إمكانية التسجيل وتحميل الكتب والوثائق الموجودة على مستوى مختلف مكتبات الجامعة.

كما نسجل هنا غياب الإطار التشريعي والقانوني المنظم لعملية التعليم عن بعد بشكل مؤسسي، كقانون إنشاء الجامعات الافتراضية والقوة القانونية للشهادات الممنوحة من طرفها، والإجراءات التنظيمية والبيداغوجية المعتمدة للتدريس عن بعد من حيث: التقييم والتقويم والإشراف والمرافقة البيداغوجية وضبط الحضور ومتابعة تعلم الطلاب، وغير ذلك من المسائل البيداغوجية التي هي بحاجة إلى عملية تقنين واضحة، وليس إجراءات تنظيمية استثنائية.

معوقات ثقافية

ترتبط بالنظرة السلبية تجاه التحولات الرقمية والتعامل مع التكنولوجيات الحديثة، فهناك من يفضل الطرق الكلاسيكية في التعليم ويرفض الاندماج ضمن المسار الجديد (مقاومو التغيير)، سواء من الأساتذة أو الطلاب أو الإدارة، كما أن هناك سوء استغلال للتكنولوجيا وتوظيفها في أغراض سلبية، كالغش والسرقات العلمية والانتحال، سواء في الامتحانات أو البحوث العلمية، كما نشهد غياب ثقافة المحافظة على التجهيزات ذات الاستغلال العمومي والتسبب في إهلاكها.

معوقات اقتصادية

ترتبط بعدم قدرة أغلب الطلاب وحتى الأساتذة على امتلاك أجهزة الحاسوب المحمول أو الهواتف الذكية ذات الجودة أو مختلف وسائل التكنولوجيا الضرورية للتعليم عن بعد، وحتى الإنترنت متوسط أو ضعيف التدفق ليس متاحا للجميع، وهذا راجع إلى ضعف النمو الاقتصادي العام الذي أدى إلى ضعف القدرة الشرائية والدخل الفردي وعدم تيسر الحصول على هذه الوسائل بسبب سعرها المرتفع، وعدم امتلاك التقنيات المتطورة مثلما هو معمول به في الدول المتطورة.

إن هذه المعوقات تتطلب رؤية شمولية لوضع خطة ناجعة للانتقال الرقمي، ومعالجة وتفكيك كافة الاختلالات التي تحد من فعالية التعليم عن بعد، وهذا يتطلب تضافر جهود العديد من القطاعات، وإنشاء قاعدة بيانات محلية، وتدريبا عمليا للكادر البشري التعليمي على بيداغوجيات التعليم عن بعد وتقنياته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.