شعار قسم مدونات

زلزال تركيا وسوريا.. من وحي الألم

من قلب كهرمان مرعش منازل سويت بالأرض بسبب الزلزال - الجزيرة نت
منازل سويت بالأرض في كهرمان مرعش بسبب الزلزال (الجزيرة)

يسمى هذا الزلزال زلزال تركيا وسوريا، وهذا صحيح، والأصح أن يسمى زلزال العالم، فالعالم كله اهتز أرضا وإنسانية، فكيف بوجدان شاعر شاهد ما لا يحتمل وعرف هذه المنطقة من شعر أبي الطيب المتنبي مخلد حروب سيف الدولة الحمداني، انطلاقا من حلب الشهباء إلى إعزاز ومرعش وملطية وماردين ضد البيزنطيين، وعرفها من جهاد عماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود في الرها وحارم وأنطاكيا ضد الصليبيين، وعرفها من القصف بالطيران الروسي أو بالبراميل المتفجرة واللجوء للشعب السوري الكريم الحمول؟!

وخبرتني فور سماع الخبر ومشاهدتي بعض الصور والمقاطع في وسائل الإعلام مستثار الكوامن أستأنف ثورة الشعر وأتمتم وأدندن دون تحضير وتخطيط فأقول:

أرثي الشآم وأرثي الترك والعربا .. زلزال مرعش أوهى أختها حلبا

يا عين فابكي كلمح البرق قد ذهبوا .. وكل شيء على وجه الثرى انقلبا

الأهل والدار والآثار قد طمرت .. والصوت والأنس من أفنائها ذهبا

لا تبصر العين إلا ردم حاضرة .. وقد كساها الدمار الحزن والنصبا

مغبرة صار أعلاها بأسفلها .. أشلاؤها عانقت في ردمها اللعبا

أين الأحبة قد باتوا يغافلهم .. زلزال هدم يهد الركن مضطربا

هذا دفين وهذا هل به رمق .. وذاك يحضن طفلا نحوه انجذبا

تخال أن بلادا ها هنا صعقت .. تخال أن قيام الساعة اقتربا

صارت لحودا أسرتهم مخضبة .. كأس المنون قبيل الماء قد شربا

أنات جرحى يكاد القلب يسمعها .. أنينها في حنايا قدسنا وجبا

قد يجمد الدمع في عين الوليد وقد .. ترى الشديد من الشبان منتحبا

وقد يواري الردى أما منعمة .. ويمنح العيش طفل ما أحس أبا

ويقفر الربع من أهل ومجتمع .. فلا صريخ لهم ينبي بما ضربا

ترى وتبصر ما قد كنت تسمعه .. في الغابرين وفي الأسفار قد كتبا

ترى وتبصر ما قد كنت تحسبه .. أمرا غريبا خيالا ممعنا عجبا

كأن طودا عظيما جاء منحدرا .. يجري سريعا على وجه الهضاب كبا

والأرض تنشق تخفي كل شاهقة .. كانت تناطح أمس الغيم والسحبا

أين المنارات قد كانت ملألئة .. أضواؤها حاكت الأقمار والشهبا

غارت سهول شمال الشام واأسفا .. وضاق مرج على اللاجي بما رحبا

كلب وفي أبى هجران منزله .. لربة البيت في ردم به ارتقبا

يشم أحجاره يرجو به أملا .. ممن رعته عساها تنفض التربا

أليس هذا بأهدى من بني بشر .. ساموا الشعوب سعار البغي والكلبا

من فر من نار بطّاش يطارده .. لاقاه سهم المنايا حيثما هربا

من يحمل الوزر من تشريد محصنة .. أزاح عنها اللجوء الستر والحجبا

كانت بدرعا كياقوت مخدرة .. حتى رماها غراب البين للغربا

يا رب من مس شمل الأبرياء فخذ .. منه القصاص بما آذى وما ارتكبا

حتى يرى الموت يرجوه فيعجزه .. ويحسب الموت مما نابه سربا

ويطلب الموت يقضي بؤسه كمدا .. ويحسب الموت أدنى المرتجى طلبا

يا رب أسكن جنان الخلد من فقدوا .. وصب فوق الطغاة النار والغضبا

واشف الجراح وآت الهائمين هدى .. واكس العراة وعاف الذائقي وصبا

واسق العطاش وأطعم جائعين وهب .. لليائسين إلى منجاتهم سببا

وفك أسر أسارى ذل آسرهم .. أطلق مساجين ذاقوا المر والتعبا

بجاه أحمد خير الخلق سيدنا .. بحق شيخ ضعيف ظهره انحدبا

وحق طفل وليد مات مرضعه .. كمثل آية للآثام ما كسبا

يا دهر أرّخ بدمع العين أو دمنا .. زلزال رعب أتى بالموت في رجبا

في الليل والليل يخفي الويل مندغما .. تغدو الحياة كحلم مر وانسحبا

وختاما، لعل هذه القصيدة تكون إسهاما من إنسان مسلم عربي فلسطيني من جنين في مشروع بلسمة الجراح وتخليد هذا الحدث والمصاب الجلل.

رحم الله من قضوا في الزلزال، ونسأل الله تعالى الشفاء للجرحى، والستر والمأوى للمهجرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.