شعار قسم مدونات

إذا اضطربت أعصابك فتش عن القمر

لكي نهزم كل ما هو ضدنا علينا أن نتعامل بذكاء تماما مثل ما يفعله حوت الأوركا للقضاء على عدوه (ويكيبيديا)

كبرنا وأصبحنا نلاحظ كل شيء كعدسة كونية مكبرة تسقط ضوءها على العالم، واستوعبنا جيدا أن الحياة ليست وردية فاقعة وليست نفقا مظلما للأبد، فهناك بعض الأشياء المزعجة في الحياة ولكن مع هذا لا يزال علينا الاستمرار في العيش، لأن الوقت الذي عشناه هو جزء بسيط من الوقت الذي سوف نعيشه، ولأن المكان الذي عشنا فيه هو فقط جزء بسيط من العالم الذي سنعيش فيه، فعلينا ألا نجبر أنفسنا للوصول إلى استنتاج، لأن الوقت كفيل بحل كل شيء.

يبدو أن الوقت يستيقظ فجأة، يريدنا أن نذهب إلى مكان ما ويأخذنا إلى الأمام، فجأة كبرنا ومرت سنين عديدة تعلمنا فيها أن نكون مصرين أكثر مما مضى على أن نعيش هذه الحياة بأحلك لياليها بعينين واسعتين، وأن نتصرف كمن يشرب شاي زهرة الأقحوان في هدوء بينما يراقبها بابتسامة تلون النهار وتلقح الأزهار.

أدركنا أن معظم الخوف والتوتر والغضب والحزن الذي كان مسيطر علينا لم يكن له داع أبدا، فكل ما علينا فعله هو ألا نأخذ الحياة على محمل جد، فليس علينا الجري وراء المثالية ولا أن نبذل قصارى جهدنا لنعطي أفضل ما لدينا، نحن فقط بحاجة لأن نتوقف لمهلة وأن نميل واجهتنا قليلا إلى الوراء ونجلس لنشاهد بعمق شريط حياتنا، ولو تمعنا جيدا سنتساءل لماذا عشنا بجد هكذا؟. حان الوقت لنترك هذه النفس ترتاح، أليست أكثر النباتات أهمية هي التي تنمو في الظلام، تماما بالنسبة لنا يساعدنا الظلام أحيانا للنهوض من جديد وبقوة، فرفقا بهذه النفس التي هي تحت سيطرة أفكارنا، فلنتركها تنمو بهدوء.

أدركنا أن فئة من الطفيليات السامة التي رمينا بذورها في تربتنا كان معسول كلامهم عبارة عن سم طازج، فلبسنا حينها حزام القوة وقلعنا جذورهم التي كانت على استعداد لتستوطن أرضنا

كبرنا وأصبحنا نعرف كيف نكتفي بأنفسنا فلا يهمنا معسول الكلام، لأننا أدركنا أن فئة من الطفيليات السامة التي رمينا بذورها في تربتنا كان معسول كلامهم عبارة عن سم طازج، فلبسنا حينها حزام القوة وقلعنا جذورهم التي كانت على استعداد لتستوطن أرضنا، ثم تجاوزناهم كأعمدة إنارة منطفئة بنهار مضيء.

حقا ما عدنا نتحدث مع أحد عما يحدث في يومنا بالتفصيل، وصرنا نحل معادلة حياتنا بخطوات ثابتة، صرنا نعرف متى نواجه ومتى نتجاهل، فبقدر الأشخاص الذين أدهشتنا قلوبهم الملوثة نحن لا نزال لم نلتق بالكثير من الأشخاص، وبقدر ما نكره العالم بسبب ما يحدث لنا من خيبات نحن لا نزال لم نزر الكثير من الأماكن. حقا نحن لم نعش كثيرا لنشعر باليأس في حياتنا حتى الآن. فإن كنت محصورا في زاوية تبكي على كوب الشاي الذي سقط على قميصك الأبيض، تذكر أن هناك من هو محصور في زاوية يبكي من بؤس الجوع وضغط الديون. وكلما اضطربت أعصابك.. فتش عن القمر واعطِ لحياتك حقها من التفاؤل والإيجابية.

هناك شيء شحذ بصيرتنا وجعلها أكثر حدة ورتب أهدافنا، فلا بأس بسير الأمور عكس التيار فقد لا يكون التيار على حق دائما، ولا بأس ألا يجيء ما أردنا عسى أن نحصل على ما هو خير مما أردنا.

قررنا أن نطفو على الموج بسلام كما تطفو زجاجة تحمل رسالة، ولا بأس إن لم تصل فالرسائل المهمة تصل إلى طويل شواطئها ولو بعد عمر

حقا هناك شيء تغير في داخلنا بشكل جذري ناعم، وجعلنا نتفاءل بالأيام العاصفة ونبتهج بتكسر أوراق الشجر تحت أقدامنا. أصبحنا نستوعب قاعدة البدايات وأن في كل شيء يمكن أن يكون بشكل ما بداية، فكل عين تفتح بداية وكل شفاء بداية وكل خيبة بداية.

وقررنا أن نطفو على الموج بسلام كما تطفو زجاجة تحمل رسالة، ولا بأس إن لم تصل فالرسائل المهمة تصل إلى طويل شواطئها ولو بعد عمر. فقط علينا أن نواصل مصيرنا ونترك الماضي تائها في دهاليز النسيان، فالماضي ما هو إلا تبدل الفصول، أو حذاء قديم يكفي أن يزج به في قعر الخزانة، أو ظرف كبير أبيض اهترأ بمرور الزمن ولم تعد له أهمية.

كبرنا وفهمنا تماما لكي نهزم كل ما هو ضدنا علينا أن نتعامل بذكاء، تماما مثل ما يفعله حوت الأوركا للقضاء على عدوه. جميعنا على علم بأن القرش والحوت كلاهما يعد من أقوى وأشرس الحيوانات المائية. ولكن في النهاية القاتل المرح الأوركا هو الذي يفوز بالمعركة لأنه يستخدم ذكاءه، تجده يصفع سطح الماء بذيله كما لو أنه يلعب لعبة تصفيق باليدين مع البحر، وذلك ليرسل موجة عبر الماء لتفقد القروش وعيها مما يسمح له أن يبدأ بالقتل، عضة واحدة قوية تكفي لقتل أحد أنواع القرش. فالأوركا لم يضيع وقته في العراك ولكن وصل للهدف الذي خطط له. أليس هذا فن من الفنون التي علينا أن نضيفها لأسلوب حياتنا؟

حتما الحياة ستبدو جميلة لو استعملنا ذكاءنا بنسبة أكبر من شكوانا، وتوقفنا عن البحث على العقد لكل حل واستوعبنا أن من حاولوا التقليل من شأننا هذا يعني بكل بساطة أننا أفضل منهم.

ولو صدق الكثير منا بأن هذا العالم أكثر إبهارا وأكثر جمالا مما نظن لكانت الحياة أسهل، نحن نحتاج فقط الوقت لنستوعب ذلك جيدا ونتعلم فنون الحياة بكل ألوانها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.