شعار قسم مدونات

الشيخ إبراهيم المالي.. كنز إفريقي عظيم يلمع في مالي!

الشيخ إبراهيم المالي الأزهري (الجزيرة)

منذ أن أعلنت منصة أثير للبودكاست عن جزء من حلقة حكايات إفريقية على مواقع التواصل الاجتماعي التي كان الضيف فيها العالم العلامة النحرير اللغوي والمتعمق في بحور العلم والمعرفة، الذي أفنى حياته كلها في العلم والتعليم منتقلا من قرى جمهورية مالي إلى أروقة الأزهر الشريف،؛ كان الجميع ينتظر بلهفة وبفارغ الصبر هذه الحلقة الجميلة التي أماطت اللثام عن كنز عظيم ظل مغمورا عن كثير من المتابعين في العالم الإفريقي فضلا عن العالم العربي.

كان وقع حديثه هذا كبيرا على المشاهدين، فليت شعري هل يدرك المشرفون على منصة أثير وقع وتأثير هذه الحلقة على شباب إفريقيا المسلمين وطلاب العلم من كل حدب وصوب؟ لقد أثرت حكاياته على كثير من المتابعين المهتمين بالعلم والمعرفة والثقافة.

من أكثر ما كان يروقني ويفرحني في حديث هذا العالم الكبير، أنه تكلم بلسان جميع الأفارقة المسلمين وعن ثقافتهم، وكان الحديث ماتعا أثناء ذكره مراحل التعليم الإسلامي في إفريقيا وخاصة في الثقافة الفلّانية ومن شابههم في النموذج التعليمي

الانعزال عن العالم المادي والتفرد بالعلم والتعليم

ربما تكون الدهشة الكبيرة من الكثيرين في القارة وخارجها بعد مشاهدة الحلقة الزاخرة بحكايات الشيخ ومشواره الطويل المحفوف بالمخاطر والمغامرات في سبيل طلب العلم وتعليمه، هي بتلك النزعة الانعزالية التي يتمتع بها الشيخ، فهذا العالم الكبير ليس نشطا في مواقع التواصل الاجتماعي كما هو حال الكثيرين في عصرنا الحالي، وليس من الذين يعشقون الظهور أمام عدسات الكاميرا، بل اختار البقاء في كوخه المبارك يعلم الناس ويؤلف الكتب في شتى الفنون بدون ضوضاء الحياة، في عالم يعج بالمهاترات الفكرية والجدل البيزنطي بين الطوائف الدينية.

من أكثر ما كان يروقني ويفرحني في حديث هذا العالم الكبير، أنه تكلم بلسان جميع الأفارقة المسلمين وعن ثقافتهم، وكان الحديث ماتعا أثناء ذكره مراحل التعليم الإسلامي في إفريقيا وخاصة في الثقافة الفلّانية ومن شابههم في النموذج التعليمي، وبصفتي فلّانيا؛ كانت تدغدغني تلك اللكنة الفلّانية الجميلة الرَّقْرَاقَة التي تزين لغته العربية الجزلة القوية، سيدرك قولي كل من يفهم اللغة الفلّانية.

أثناء ذكره تلك المراحل الرائعة كنتُ أرى نفسي فيها، إنها مراحل بريئة مر بها كل طفل إفريقي في بداية تكوينه العلمي منذ نعومة أظفاره، ولا شك أن الكثيرين مثلي سيرجعون إلى تلك الذكريات الجميلة في تلك المرحلة أثناء ذكر الشيخ إياها.

تأثرت جدا عندما قال: إنه مكث في مركزه يعلم ثلاثة طلاب فحسب خلال سنوات، دون ملل ولا كلل، سبحان الله! يا لها من عزيمة! ويا له من حب للعلم والتدريس لوجه الله!

كادت الدموع تذرف مني حين قال: إنه بقي في مركزه يدرّس زمنا طويل بدون كهرباء ولا إمكانات، كل ذلك حبا منه للعلم والتعليم، حتى جاءه الفتح وأتته النعم من كل مكان..

تجاربه في الحياة والصعوبات التي واجهها، وخاصة في مصر بالذات، وكفاحه في مشوار دراساته العليا، وعدم استسلامه، وكذلك عدم تركيزه على الشهادات ووُلوجه مجال التعليم منذ أيامه الأولى في أروقة الأزهر؛ كل هذه المعطيات دروس وعبر نفيسة لطلاب العلم في عصرنا هذا، يعلمنا كذلك بأن الإنسان لا يجب عليه في أي حال من الأحوال وضع السلاح ورفع الراية البيضاء إثر الضربة أو الهزيمة الأولى مهما كان ذلك مؤلما.

هذه الوصية يجب على كل طالب علم، الالتزام بها أثناء مشواره العلمي فضلا عن حياته، إنها أفضل وأنجع الطرق للتحصيل العلمي بدون التركيز على المهاترات الفكرية التي ابتلي بها للأسف الشديد كثير من شباب المسلمين بسبب الجدل البيزنطي بين الطوائف الدينية وإهمال القضايا المهمة التي تجمع المسلمين.

"اطلب العلم ولا تخاصم أحدا…"

وهذه الوصية بلا شك، من أعظم وأجمل وأروع الوصايا لأي طالب علم ولأي إنسان.

هذه الوصية يجب على كل طالب علم، الالتزام بها أثناء مشواره العلمي فضلا عن حياته، إنها أفضل وأنجع الطرق للتحصيل العلمي بدون التركيز على المهاترات الفكرية التي ابتلي بها للأسف الشديد كثير من شباب المسلمين بسبب الجدل البيزنطي بين الطوائف الدينية وإهمال القضايا المهمة التي تجمع المسلمين.

نشكر المشرفين على منصة أثير للبودكاست على إنتاجهم هذه التحفة، ونحثهم على المزيد والمزيد من حكايا إفريقية، وقد يكون هناك ألف شيخ إبراهيم المالي.

والشكر موصول لمقدم البرنامج أحمد فال وكل المشرفين على هذه المنصة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.