شعار قسم مدونات

هل تخافون من الإصابة بالخَرَف؟ إليكم الحل..

shutterstock_1801707715 مرضه بالزهايمر أنساه أنه كان متزوجا منذ 11 عاما، فعاود الكرة.
من المُحال أن نقف في وجه عجلة الحياة ونمنع تقدُّمنا في العمر لكن نستطيع أن نخفف من وطأة هذه العجلة على أجسامنا وأذهاننا (شترستوك)

وُجد حديثا أن الأشخاص الذين تميل شخصياتهم نحو الحرص، والانفتاح الاجتماعي والشعور الإيجابي؛ هم أقل عرضة للإصابة بالخرف، حتى إن التمتع بهذه الصفات يخفف بشكل كبير من خطر الإصابة بالخَرف كلما زاد التقدم بالعمر، وبالمقابل فإن الأشخاص الذين تميل شخصياتهم نحو العُصابية والشعور السلبي هم أكثر عرضة للإصابة بالخَرَف في نهاية المطاف، فعلى الرغم من أن الباحثين أثبتوا وجود ترابط قوي بين سمات الشخصية والخَرَف، إلا أنهم لم يتمكنوا من إثبات ارتباطها بالآلية الإمراضية للخرف (أي إحداثه لضرر في خلايا الدماغ).

أجرى الباحثون ضمن جامعة كاليفورنيا في فرع ديفيس دراسة تحليلية تجميعية، وهي دراسة ترتكز على المراجعة والبحث العميق في الدراسات التي ركزت على موضوع معين والمقارنة فيما بينها، ومن ثم استخلاص نتيجة نهائية مما توصلت إليه تلك الدراسات على اختلاف ظروفها، وقد تضمنت تلك الدراسة تحرِّيا حول تأثير شخصية الفرد في خطورة إصابته بالخَرَف، واستندت إلى نموذج العوامل الخمسة لسمات الشخصية، وشملت تحليل بيانات ثمانية دراسات منشورة، أي اعتمدت على استبيانات ضمت ما يقرب من ٤٤,٥٣١ شخصا.

داء الزهايمر يعد النمط الأكثر شيوعا من الخَرَف، وهو يؤدي بالمسنين المصابين به لعجز وفقدان الاستقلالية مع تقدم المرض، إذ تتأثر الذاكرة الجديدة دون القديمة في المراحل الأولية منه، وتعجز عن تذكّر بعض الموضوعات أو التفاصيل الحديثة

فما هو الخرف؟ وهل يعد مرحلة حتمية لا يمكن تفاديها في عمر الشيخوخة؟

لا يمكن وصف الخَرَف بكونه مرض معين، وإنما هو مصطلح عام وواسع يشير إلى وجود تدهور في وظائف الدماغ، تؤدي إلى ضعف القدرة على التذكُّر والتفكير واتخاذ القرارات، وهذا بدوره يعيق سيرورة الحياة اليومية الطبيعية للشخص المُسن. وهو يصيب من عمره لا يقل عن 65 عاما، لكن ورغم تزايد أعداد المصابين به بصورة ملحوظة في نصف القرن الماضي بالتزامن مع تزايد العمر المتوقع للفرد، إلا أنه ليس حتميا عند كل كبار السن، فالكثير منهم ينعمون بقدرات عقلية طبيعية طيلة أعمارهم، فلا داعي للقلق!

أما داء الزهايمر فيعد النمط الأكثر شيوعا من الخَرَف، وهو يؤدي بالمسنين المصابين به لعجز وفقدان الاستقلالية مع تقدم المرض، إذ تتأثر الذاكرة الجديدة دون القديمة في المراحل الأولية منه، وتعجز عن تذكّر بعض الموضوعات أو التفاصيل الحديثة، ولكنها تتذكر الأحداث منذ ثلاثين عاما -على سبيل المثال- وبالتفصيل أيضا. إلا أنه ومع تقدم المرض تتأثر كلا الذاكرتين القديمة منها والجديدة، إلى جانب فقدان المسن قدراته على المحاكمة العقلية، مع مصاحبة شعور التيه في الزمان والمكان.

ما هي الشخصية في علم النفس؟

الشخصية من أخص خواص الفرد، فهي تميّزه من سواه، وتعطي تصورا عن مشاعره وردود أفعاله العاطفية وأفكاره الداخلية وانعكاساتها على تصرفاته وسلوكه، فهي ترسم تعاملاته في مواقف الحياة وتجاه المحيطين به عموما، وعلى هذا فهي ليست معبِّرة عن مميزاته الشكلية أو البيولوجية أو تلك المهارات التي اكتسبها بالممارسة، وليست مجرد سمة عابرة ظهرت في فترة معينة لتتلاشى بعدها كالحزن واليأس عقب وفاة حبيب أو الفرح والابتهاج التالي لتحقيق حلم ما، لتكون -في الغالب إلا ما ندر- ثابتة طيلة حياة الفرد ولصيقة به.

السمات في هذه النظرية تقع على مقياس تدرُّجي ذي طرفين؛ أحدهما للصفة ذاتها في شكلها المتطرف أو الجامح، والآخر لنقيضها، وما بينهما يعد توسطا لهما، فلا نقول إن الفرد لديه هذه الصفة أو مفتقد لها، وإنما يكون توصيفها نسبيا

هل يسعنا تحديد شخصية الفرد أم هناك شخصيات وسمات لامحدودة؟

وضع علماء النفس على مدى عقود كثيرا من النظريات التي تُوصِّف شخصية الفرد، إلا أن أكثرها شيوعا هي نظرية سمات الشخصية الخمس الكبرى -والمعروفة أيضا باسم نموذج العوامل الخمسة (FFM)- المقترحة من قبل عالم النفس الأميركي دونالد فيسك، وهي تفترض أن هناك خمس سمات أساسية تتفاوت في نسبة هيمنتها على شخصية الفرد الواحد.

فالسمات في هذه النظرية تقع على مقياس تدرُّجي ذي طرفين؛ أحدهما للصفة ذاتها في شكلها المتطرف أو الجامح، والآخر لنقيضها، وما بينهما يعد توسطا لهما، فلا نقول إن الفرد لديه هذه الصفة أو مفتقد لها، وإنما يكون توصيفها نسبيا، أي أن كل شخص لديه نسبة منها، كبيرة كانت أو معتدلة أو صغيرة تكاد تكون غير ملحوظة، لتشكِّل شخصيته الفريدة جنبا إلى جنب مع باقي الصفات.

وهذه السمات هي:

  • الانفتاح على التجربة

تمثل الميل للاستمتاع بالتجارب والأفكار الجديدة، ويتأرجح فيها الإنسان بين كونه فضوليا ذا خيال إبداعي ويفكر خارج الصندوق، وبين كونه عمليا وتقليديا ويركن إلى الروتين.

  • الحرص أو يقظة الضمير

وهي سمة الشعور بالمسؤولية والانضباط الذاتي وحس الترتيب العالي، ليغدو سلوك الفرد هدفا بعيدا عن العبثية، وفي حال طغيان هذه السمة يكون هذا الفرد محط ثقة يُعتمد عليه فهو منظم ومجتهد ومتقن لعمله، وعلى النقيض منها يكون غير منظم ولامبالي في إنجاز مهامه وغالبا ما يكون متهورا في اندفاعاته.

  • الانبساط النفسي

تكون هذه السمة متمثلة في السعي نحو النشاط والإثارة والرفقة على الدوام. فالشخص الذي تغلب عنده هذه الصفة هو اجتماعي ولطيف ويسعى دوما نحو المغامرات، وعلى النقيض منها يكون هادئا متحفظا وميالا للانسحاب من المناسبات الاجتماعية.

إذن يختلف هنا منبع الطاقة والإثارة للفرد، فالاجتماعي تحرّكه طاقة الناس من حوله بينما ترهق ذلك الانطوائي، ويجد في عزلته ذروة نشاطه وتركيزه.

  • الوفاق أو طيب النفس

يعبر عن الميل لمراعاة الآخرين واحتياجاتهم ومشاعرهم، فكلما غلبت عليك هذه السمة كنت متعاونا ومتعاطفا معهم، وتُؤثِرهم على ذاتك، واثقا بهم ومتفهما لهم، وعند تدني مستوياتها لديك ستكون ناقدا بحدة بدون مراعاة للمشاعر، غير متعاون، تميل للارتياب بمن حولك بشكل كبير.

  • العُصابية

هي سمة التقلب العاطفي وتأرجح المزاج، ويميل الشخص الذي يختبر مستويات عالية من العُصابية إلى القلق تجاه توافه الأمور والشعور بالحزن الدائم والسلبية تجاه الحياة عموما، وهو أكثر عرضة للاضطرابات النفسية، بينما نسبها المنخفضة تضفي على المرء الشعور بالهدوء والاطمئنان وتجعله مستقر المزاج وثابت الجنان.

اقترح الدكتور ديفيد ميريل، وهو طبيب نفسية خاص بالمسنين، أن الأشخاص ممن تكون شخصياتهم حريصة ومنفتحة ويغلب عليهم الشعور الإيجابي؛ هم أشخاص ميالون لاتخاذ قرارات مبنية على معايير منطقية فيما يتعلق بصحتهم في أثناء تقدمهم بالعمر

ما العلاقة بين بعض السمات الشخصية وصحة إدراكية أفضل؟

وجد الباحثون أن السمات الشخصية للأفراد غير مرتبطة بإحداث ضرر جسدي فعلي ضمن الدماغ الذي يعد من الآلية الإمراضية للخَرَف، وإنما مرتبطة بالتظاهرات السريرية له وبالتالي احتمالية تشخيصه. وفي هذا الصدد قالت الطبيبة المسؤولة الأولى عن الدراسة إيموريك بيك: "إنها أخبار مبشرة، فحتى لو استحال علينا تفادي المرض بحد ذاته، إلا أنه قد يكون بمقدورنا تخفيف حدة تظاهراته السريرية وتقليل احتمالية تدهور الإدراك والوظائف المعرفية لدى المُسن".

واقترح الدكتور ديفيد ميريل، وهو طبيب نفسية خاص بالمسنين، أن الأشخاص ممن تكون شخصياتهم حريصة ومنفتحة ويغلب عليهم الشعور الإيجابي؛ هم أشخاص ميالون لاتخاذ قرارات مبنية على معايير منطقية فيما يتعلق بصحتهم في أثناء تقدمهم بالعمر. وهذا يتضمن الالتزام بالتمرين المنتظم والحمية الصحية وأخذ قسط كافٍ من النوم، عدا عن تفادي القلق والعادات الصحية السيئة كالتدخين وشرب الكحول، وأيضا الانخراط في نشاطات مُحفّزة إدراكيا واجتماعيا.

كل هذا له تأثيره التراكمي بمرور الوقت على استتباب القدرات العقلية. فمن المُحال أن نقف في وجه عجلة الحياة ونمنع تقدُّمنا في العمر، وما بأيدينا – بعد مشيئة الله- سوى أن نخفف من وطأة وآثار هذه العجلة على أجسامنا وأذهاننا، وبإدراكنا لسمات شخصياتنا وأثرها في نمط حياتنا وردود أفعالنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.