شعار قسم مدونات

8 صفات لتكون عظيما.. التركيز (3)

تركيز كل أعمالك وأفكارك ومجهوداتك على شيء واحد فقط هو بمنزلة بداية الطريق للنجاح والتميز (بيكسلز)

يعلم الله كم عانيت كثيرا لكتابة هذا المقال، لكثرة المشتتات من حولي وقلة تركيزي. فالصفة الثالثة في طريقك للعظمة هي التركيز وما أصعبها من صفة في عصرنا الحالي، فالإنسان يستيقظ على وابل من الإشعارات والتنبيهات التي تسرق منك يومك من قبل أن يبدأ، وهنا قد تجد أن الطريقة الوحيدة لتنجز ما هو مطلوب منك، أن تغلق الهاتف وكل جهاز يصدر إشعارات وتنبيهات.

تحدثنا في المقالين السابقين عن الصفات الثماني التي تجعلك عظيما، والتي استخرجها الكاتب ريتشارد جون بعد أن جمع 300 صفة للعظماء، وكان الشغف الصفة الأولى، والعمل بجد هو الصفة الثانية وسنتحدث في هذا المقال عن الصفة الثالثة وهي "التركيز".

يقول ريتشارد جون، أنك إن أردت أن تكون شخصا عظيما لابد أن تكون بارعا في شيء واحدا محدد، لأن تركيز كل أعمالك وأفكارك ومجهوداتك على شيء واحد فقط، هو بمنزلة بداية الطريق للنجاح والتميز، وتكرار فعله مئات بل آلاف المرات، يمنحك الشعور بالرضا وبالثقة بالنفس، لأن ثقة الشخص بنفسه تزداد عندما يوقن أنه قادر على فعل أمر محدد على أكمل وجه.

ما هو الشي الذي تركز عليه في حياتك بحيث إذا ذكرناه يذكر اسمك؟، الآن أشعر بك عزيزي وكأنك تريد أن تسألني وأنا كيف أعرف وأحصل على مجال تركيزي؟!

كي تفشل عليك فقط ألا تركز

يتساءل ريتشارد جون: "لو سألتك هل تستطيع أن تذكر لي الشيء الذي تركز عليه حياتك كلها في خمس كلمات فقط؟"، هناك بعض الأشخاص يُعرفون بالمجال الذي ركزوا عليه طيلة حياتهم، فمارتن لوثر كينج ركز على الحقوق المدنية، ومايكل جوردان ركز على تسديد كرة السلة، وأينشتاين ركز على النسبية، وبيل جيتس ركز على البرمجيات ومايكروسوفت، ويوساين بولت ركز على العدو السريع،  ومحمد صلاح ركز على تهديف كرة القدم في المرمي، وميسي ركز على أن يصبح أفضل لاعب بالعالم وجلب كأس العالم لبلاده.

وفي حياة الصحابة الأوليين تجد بعض الصحابة صب كل تركيزه على أمر واحد، فخالد بن الوليد ركز على المعارك والفتوحات وفنون الحرب، ومعاذ ابن جبل ركز على معرفة الحلال والحرام، وأبو هريرة ركز على رواية الأحاديث وغيرهم الكثير.

وأنا أسألك الآن عزيزي القارئ، ما هو الشي الذي تركز عليه في حياتك بحيث إذا ذكرناه يذكر اسمك؟، الآن أشعر بك عزيزي وكأنك تريد أن تسألني وأنا كيف أعرف وأحصل على مجال تركيزي؟!

الطريقة سهلة، فما عليك إلا استرجع ذكرياتك للخلف وتذكر المواد الدراسية التي كانت تشعل حماسك وشغفك هذا أولا، ولا تتسرع في الحكم الآن، ابدأ بنظرة واسعة على كل المجالات التي تحب وتعمل ومن ثم حدد تركيزك وقلل دائرة النظر للأشياء الأهم ثم المهم.

الطبيب جوزيف ماكينيس بدأ طبيبا عاديا، وكان تركيزه على علم وظائف الأعضاء تحت الماء حين بدأ بدراسة الغواصيين اللذين يعملون في أعماق سحيقة، ليصبح بعد ذلك أول شخص يغوص أسفل القطب الشمالي، ما ساعده ليصبح من أوائل الأشخاص الذين اكتشفوا حطام سفينة تايتانيك الشهيرة.

من المؤكد أنه قد مرت عليك تجربة تركيز أشعة الشمس على الورقة وأنت بالصفوف الدراسية الأولى، حيث يمكن لأشعة الشمس هذه أن تشعل نار ملتهبة لو تم تركيزها عبر عدسة مكبرة، وأنت تحتاج إلى أن تركز كل طاقتك على شيء واحد فقط، وهذه الطاقة كفيلة بإشعال حماسك وتقدمك.

التركيز هو مفتاح النجاح، عليك أن تتخصص في مجال معين وتبني فيه خبراتك الخاصة، بدلا من التشتت في أكثر من مجال.

سألت صديقي الدكتور في جامعة قطر، أريد أن أدرس علم نفس، لشغفي الشديد بهذا النوع من العلم وهو الإبحار في دواخل النفس البشرية، أجابني: لماذا تريد أن تدرس علم جديد عليك؟ من الأفضل لك الدراسة بشكل أفقي وليس رأسي استوقفتني الكلمة "أفقي"، وهنا تعني مسار محدد ومركز مثلا طالب الإعلام يدرس  ماجستير في الإعلام، ولا يذهب ويدرس علم جديد مختلف عن دراسته الحالية.

التركيز يأتي بالتدريب، يقول تايجر وودز -أشهر لاعب جولف بالعالم: "إن التركيز ساعدني كثيرا على تسديد أصعب الضربات وسط جمهور صاخب وصافرات تخترق الأذان كنت أعزل نفسي عن كل هذا الصخب، وأضع كل تركيزي على تسديد الكرة"، فمن السهل التركيز على الأمور التي تحبها أكثر من غيرها.

التركيز يحتاج إلى أن تتدرب عليه لفترة من الزمن، بعدها ستصبح قادرا على الانهماك في عمل تحبه دون أن تسمع صافرة الإنذار بجوارك، ونجد أن معادلة الأشخاص الناجحين هي التدريب والتركيز ثم المزيد من التركيز والتدريب.

الآن أصبح من النادر التركيز لأكثر من فيمتو ثانية حتى تبتلعك أصوات الإشعارات من كل مكان، والناجحون  يحتاجون لاختراع طرق جديدة تبعدهم عن المشتتات هذه، يقول الروائي ستيفن كينج: "إذا أردت أن تكون كاتبا يجب ألا تحتوي غرفتك على أي مشتتات أو أجهزة تصدر أصوات"، إنه التركيز يا سادة، وما أصعبه الآن في عالم يقتظ بالمشتتات.

إذا أردت النجاح عليك أن تتخلص من كل الأجهزة الشريرة التي تصدر إشعارات مفخخة تأخذك إلى مثلث برمودا، ثم تفيق بعد ساعات لتكتشف أنك كنت على وشك أن تفعل المجد بينما يلهو الأخرون. فمعظم الناجحين كان بينهم رابط مشترك وهو أنهم نشأوا في بيئات بسيطة وأماكن خالية وبعيدة، وجاء في دراسة حديثة أن كل إشعار يأتيك يشتت انتباهك، تحتاج بعده إلى 25 دقيقة لتعود لنفس تركيزك السابق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.