شعار قسم مدونات

الكراهية والإنسانية في الغرب

الإنسانية من أكبر الأركان التي لابد أن يلتزم بها المجتمع الغربي بشكل عام والإسلامي بشكل خاص (غيتي)

يلجأ البعض في الدول الغربية إلى شعارات كراهية ليثير غضب اليهود والمسلمين، بحجة مناهضة هذا أو ذاك. ففي ألمانيا تحديدا حيث تتمتع الإنسانية بجذور أعمق في تأريخ الفكر السياسي يكون الأمر معكوسا ولكن الأوضاع التي حصلت في غزة بدءا من السابع من أكتوبر، جعلت بقعة الكراهية خصوصا فيما يتعلق بإسرائيل والتي كانت راكدة في قاع نفوس بعض شرائح المجتمع الألماني من المهاجرين المسلمين أو الألمان تطفو إلى السطح، وتظهر بشكل صادم في الشارع أو على مواقع التواصل.

منذ ذلك التاريخ يعيش يهود ألمانيا ومسلمو فلسطين خصوصا والعرب عامة، وضعا مقلقا من المعاداة الهمجية، فلم يتخيلوا يوما أنهم سيعيشونه على خلفية ما يحدث من صراع في غزة، بين أناس يحملون لبعضهم البعض كرها أبديا يرضعونه صغارا نظرا لأسباب سياسية وتاريخية

فقد صدمت النخب الألمانية السياسية منها والثقافية التي كانت تعيش في عالم مثالي لا يمت لواقع محيطها وبلدها بصلة بكيفية تبرير الأحداث في بلادها وباقي الدول الغربية، واستغلال ديموقراطياتها لتسويق خطاب كراهية مخيف على أنه حرية رأي ودفاع عن قضية.

لكن يبدو أن تصدعات الهوية التي كان يتم تجاهلها وتغطيتها بكذبة الاندماج بدأت تظهر في بنيان المجتمع الألماني.

فمنذ ذلك التاريخ يعيش يهود ألمانيا ومسلمو فلسطين خصوصا والعرب عامة، وضعا مقلقا من المعاداة الهمجية، فلم يتخيلوا يوما أنهم سيعيشونه على خلفية ما يحدث من صراع في غزة، بين أناس يحملون لبعضهم البعض كرها أبديا يرضعونه صغارا نظرا لأسباب سياسية وتاريخية جميعنا بات يعرفها، بل إن هنالك اليوم شبابا مسلمين ويهود ولدوا ونشأوا في ألمانيا وليس غزة أو تل أبيب، جمعتهم صداقة عمر تصدعت بسبب هذه الحرب وخطابات الكراهية الذي يرافقها والذي ينساق إليه الشباب الأسرع تأثرا بالشعارات العاطفية التي تدغدغ المشاعر وتثير الغرائز فباتوا ينادون بعضهم بنبرة كراهية (يا يهودي، ويا إسلامي)، وبكل تأكيد تكمن المشكلة بفشل العالم العربي والغربي في إيجاد حل لمشكلة شديدة الوضوح لصراع بين قوميتين، كان هناك خطر من تركه للزمن لأنه كان لا بد وأن يتطور إلى صراع ديني، كانت بذوره تنزرع وتنمو في مناخات الدم وهذا ما حصل في تلك الحرب  التي وقف طرفاها مدججين بالأيدلوجيا.

حركة حماس بعد أن تقدمت إثر تآكل التيار الوطني الفلسطيني بفعل فشل فرص الحل، وعلى الجانب الآخر كانت إسرائيل تسير نحو عمقها الديني وهي ترى بالفلسطيني سليل كنعان الذي دارت معه كل معارك الكتب، وأنتجت حالة دينية في نظام حكمها الذي كان علمانيا يوما ما لكنه فقد اللحظة التي كانت من الممكن أن تضمن بقائه في الحكم لعقود، لكنه تلاشى مع ضياع الفرص ودفع الثمن ليسلم الراية للقوميين والدينيين.

هناك أسباب كثيرة أخرى تقف أيضا خلف التركيز الانتقائي على هذا الصراع دون غيره في الغرب، ووراء أكمة التحشيد الشعبوي الذي نشهده اليوم بسبب ما وراءها من دوافع هي على الأغلب ليست إنسانية بحتة.

فالعديد من الصراعات الدموية شهدها العالم سابقا، لكنها لا تحشد الناس بنفس القدر ولا تستفزهم بنفس الطريقة، ولا تخرج تظاهرات لتستنكرها ولا بنسبة واحد في المئة من التظاهرات التي نراها منذ أسابيع في العديد من مدن ألمانيا بحجة إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة.

من الضروري تفكيك عقلية القطيع، التي بدأت تنتشر في كل دول العالم ومنها ألمانيا والتي تغذيها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت مشاعا لكل من "هب ودب" من المختلين لتمرير وتسويق أيديولوجياتهم بين الناس ووسط الشباب تحديدا

وإن تكلمنا بعمق أكثر عن المجتمع الألماني وحكومته، بعيدا عن انتمائي العربي الأول وأهميته الخاصة لي شخصيا، فإنه لا بد من وضع سؤال مهم على طاولة الحكومة ألا وهي كيفية الخروج من دوامة هذا الصراع المجتمعي الخطير الذي تعيشه ألمانيا؟ والذي يتصاعد ويجذب أناسا مغيبين جددا يوميا.

إذ يتوجب أولا تعزيز ثقافة تقبل الآخر، لكونه إنسانا وليس لأنه من نفس الدين أو العرق، على حساب ثقافة الكراهية، ومكافحة معاداة الكره والعنصرية بين المسلمين وغير المسلمين، ومحاكمة من يثير الكراهية ويدعو إلى العنف ولو بكلمة ضد المسلمين وغير المسلمين بقوة وحزم.

ثانيا، من الضروري تفكيك عقلية القطيع، التي بدأت تنتشر في كل دول العالم ومنها ألمانيا والتي تغذيها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت مشاعا لكل من "هب ودب" من المختلين لتمرير وتسويق أيديولوجياتهم بين الناس ووسط الشباب تحديدا، الذين يستقبلون كل ما يتابعونه فيها.

لذا نراهم أكثر الناس اندفاعا في التظاهرات وتطرفا في الشعارات التي تدعي الدفاع عن أهالي غزة، وهي في غالبيتها رسائل دعم لحماس وكراهية لليهود (إلا ما رحم ربي)، وهنالك مثلهم طبعا في إسرائيل، فالنظرة الإنسانية تتلاشى يوما بعد آخر لصالح الاندفاع الأعمى والتطرف لأحد الجانبين، إذ يتم التغاضي عن الحقائق لصالح فورة الاندفاع العاطفي، والنظر إلى الصراع بشكل غير موضوعي يزيده دموية.

إن الإنسانية من أكبر الأركان التي لابد أن يلتزم بها المجتمع الغربي بشكل عام والإسلامي بشكل خاص فقد حثنا نبي الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام بذلك

ثالثا، وهو الأهم على المدى البعيد يأتي دور التعليم، إذ يتعين على المؤسسات التعليمية تثقيف الأطفال وتوعيتهم بشأن معاداة السامية لليهود والكراهية للمسلمين والأقليات عموما، فمنذ سقوط النازية وانتهاء الحرب العالمية الثانية لم يكن تدريس التاريخ والعلوم الاجتماعية يوما أكثر أهمية مما هو عليه اليوم، لأنه من وضع أساس المجتمع الألماني الحر الذي عرفناه خلال العقود الماضية، ولا بد أن يكون هو نفسه من سيساعدهم اليوم على تجاوز محنتهم الحالية وعلى الصمود مستقبلا.

أعلم تماما أنه لا تنتهي الحروب عادة بين ليلة وضحاها، ولكن أعلم أيضا وعلى يقين حتمي أن من ترك المناسبات الدينية في هذه الأيام، ولم يحتفل احتراما للبشرية كانوا وسيبقون خشبة المسرح الأساسية للإنسانية، على الأقل بالمعنى الروحي، وخصوصا في وقت الأزمات التي تمر بها غزة.

إن الإنسانية من أكبر الأركان التي لابد أن يلتزم بها المجتمع الغربي بشكل عام والإسلامي بشكل خاص فقد حثنا نبي الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام بذلك، وعلمنا بأن الإنسانية رتبة لا يتمكن من الوصول إليها إلا بعض البشر، فهنيئا لمن يستحقها، رفعت الأقلام وجفت الصحف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.