شعار قسم مدونات

نتنياهو.. بايدن.. وبوق جبرائيل!

تدمير الأنفاق بين سيناء وغزة ج2
الأنفاق يخرج منها الموت على جنود الاحتلال ومنها تنبعث الحياة للفلسطيني (الجزيرة)

يعتبر بوق جبرائيل أحد المفارقات الكبرى في الرياضيات فهو شكل هندسي بمساحة سطح لا نهائية بينما حجمه نهائي؛ وأول من بحث في خصائص هذا الشكل، كان الفيزيائي والرياضي الإيطالي ايفانجليستا توريتشلي (ق.17) وتكمن المفارقة في بوق جبرائيل أنه بإمكاننا نظريا ملؤه بالطلاء لكون حجمه متناهي لكن بما أن مساحته لا نهائية فلن يكون بالإمكان أن نغطي الجدران الداخلية للشكل.

بعد تسع وستون يوما من القصف والقتل والتشريد فقد بات واضحا أن ما نجح فيه نتنياهو وجيشه لم يكن سوى لائحة طويلة من الشهداء معظمها من الأطفال والنساء على مرأى ومسمع من العالم الغربي

تذكرت هذه المفارقة وأنا أتابع مسار حرب الإبادة التي يشنها نتنياهو وتيار التطرف في حكومته على غزة، فمنذ السابع من أكتوبر قرر نتنياهو حربه على غزة وكافة فصائل المقاومة الفلسطينية وبسقف أهداف عالية تبدأ باسترجاع" الأسرى/ الرهائن" وانتهاء بالقضاء على حماس وغيرها من فصائل المقاومة بشكل نهائي.

غير أنه وبعد تسع وستون يوما من القصف والقتل والتشريد فقد بات واضحا أن ما نجح فيه نتنياهو وجيشه لم يكن سوى لائحة طويلة من الشهداء معظمها من الأطفال والنساء على مرأى ومسمع من العالم الغربي، الذي طالما تشدق بكونه الحامي لحقوق المرأة والطفل، وتدمير غير مسبوق للبنية التحتية مدفوعا في الإفراط في استعمال القوة بما لاقاه بداية من توافد أكثر القوى الغربية لتل أبيب و بدعم غير مشروط، غير أن ما وثقته التقارير الإعلامية وبعض المنظمات العالمية من انتهاكات صارخة للقوانين والأعراف جعلت نتنياهو يكتشف أن قطار حلفائه بدأ يفقد ركابه مع كل "محطة/ مجزرة" يرتكبها جيش الاحتلال في غزة، ليجد نفسه في الأخير وحيدا هو وحليفه بايدن الذي فوت على نفسه للأسف "شرف" التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الداعي للوقف الفوري للعدوان على غزة معطيا يذلك لنتنياهو وجيشه مزيدا من الوقت للقتل والتشريد.

لقد كانت عملية طوفان الأقصى مليئة بالمفارقات بدأ بعملية تبادل الأسرى حيث ضربت المقاومة الفلسطينية مثالا أمام العالم في سمو الأخلاق ونبل معاملة الأسرى، في مقابل السقوط المدوي لجيش الاحتلال وكأنه لم يكتف بما سرق من أعمار النساء والأطفال الأسرى، وإثباتا لمقولة الطبع يغلب التطبع فقد أبي إلا أن يودعهم بما يثبت ساديته وتجرده من كل قيم النبل بمنع الأهالي من إقامة أي مظاهر للفرح والاحتفال.

قد تستطيع إسرائيل نظريا إغراق أنفاق غزة بمياه البحر لأن حجمها متناه لكن الركام الذي تولد من كل هذا الدمار جعل غزة لا متناهية المساحة وعصية على السيطرة

ولأن لغزة بعدا يتجاوز الاسم المجرد للمكان في حيزه الجغرافي، فقد كان لزاما أن تنزل عقابها على نتنياهو وجيشه المتجرد في عدوانه من أي قانون أخلاقي بأن جعلت هذا الكم الهائل من الدمار به ومنه يستتر ويخرج أفراد المقاومة ليجهزوا على المعتدي؛ ويصير كل هذا الركام امتدادا لأنفاق غزة.

بمساحة بدأ يراها الجندي الإسرائيلي لا متناهية وكأنها تذكرنا بمفارقة بوق جبرائيل، فقد تستطيع إسرائيل نظريا إغراق أنفاق غزة بمياه البحر لأن حجمها متناه لكن الركام الذي تولد من كل هذا الدمار جعل غزة لا متناهية المساحة وعصية على السيطرة، فمنها يخرج الموت على جنود الاحتلال ومنها تنبعث الحياة للفلسطيني على جسر الانتصار بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.