شعار قسم مدونات

ميراث الزوجة.. الشافعي والألماني وجهاً لوجه!

مدونات - المساواة في الميراث
في القانون الشافعي يُلزم الزوج بالنفقة الكاملة على الأسرة والبيت (رويترز)

الميراث نظام لتوزيع الحريات بطريقة منصفة تدفع لعمارة العالم والمستقبل، فالحريات حقوق وقدرات، والموارد الاقتصادية من أهم القدرات التي توسع الحريات في العيش والنمو، حين تحصل امرأة على حصة من الميراث فإنها تحصل على حزمة حريات في الحقيقة.

يسعى الفقه الشافعي -والإسلامي عموماً- إلى توسيع حرية أكبر عدد ممكن من النساء دون أن يقوم بتمييز جائر لامرأة ضد أخرى. ميراث الزوجة مثال ممتاز لشرح طريقة القانون الشافعي في توسيع النساء مقارناً بالقانون الألماني كنموذج عن القوانين الأوربية والأمريكية.

صلب القضية أن الزوجة تساهم في تمكين زوجها من العمل من خلال رعاية المنزل والأولاد وبالتالي تساهم بشكل غير مباشر في تكوين ثروته، حتى حين تعمل الزوجة فإنها في الغالب تحمل مسؤولية أكبر في رعاية الأسرة. يقول بعض الناس أن القوانين الغربية أنصفت الزوجة فاعتبرت أن كل ما يكسبه الزوج بعد الزواج يكون مالاً مشتركاً بينهما تأخذ نصفه عند الطلاق أو الوفاة، خاصة عند وفاة الزوج تكون قد بلغت من العمر مرحلة تضعف عن العمل غالباً، لكن الفقه الإسلامي يعطيها ثُمُن الميراث عند وجود أولاد، وهو مقدار زهيد مقارنة بجهودها ووضعها..

حسب نظام الأموال المشتركة ستتابع الزوجة الألمانية حياتها بعد زوجها ومعها (386) ألف، وحسب نظام الأموال المستقلة سيكون معها (361) ألف، أما الزوجة الشافعية فتتابع حياتها ومعها (492) ألف.

دراسة حالة

لنفترض أن الزوج والزوجة عاشا مع بعضهما أربعين سنة، لديهما ابنان وبنتان، قبل الزواج لم يكن هناك شيء يُذكر معهما، خلال الأربعين سنة كان دخل الزوج الإجمالي (480.000) بمتوسط (1000) كل شهر، وكانت الزوجة تعمل أستاذة في الجامعة وتحصل على راتب مماثل لزوجها، ستكون نفقة البيت والأسرة خلال الأربعين سنة هي (288.000) بمتوسط (600) كل شهر، ومصاريف الزوجة الخاصة (48.000) بمتوسط (100) كل شهر، توفي الزوج وترك وراءه ميراث (100.000).

في القانون الألماني تنفق الزوجة على الأسرة مساواة مع الزوج حسب دخلها، لأنهما يحملان المسؤولية الاقتصادية بشكل مشترك، وبالتالي تكون قد أنفقت خلال تلك المدة (144.000) وهو مقدار نصف النفقة التي تحتاجها الأسرة، وتحصل على (50.000) وهو نصف ميراث زوجها على نظام الأموال المشتركة (ما يكسبه أحد الزوجين بعد الزواج يكون مالاً مشتركاً بينهما)، أما إذا كان الاتفاق بين الزوجين على نظام الأموال المستقلة فإن الزوجة تأخذ ربع الميراث فقط (الأموال المستقلة يعني فصل الملكيات والذمم المالية، فما يكسبه أحد الزوجين يكون خاصاً له دون الزوج الآخر).

في القانون الشافعي يُلزم الزوج بالنفقة الكاملة على الأسرة والبيت، وعلى متطلبات الزوجة الخاصة، والزوجة لا تطالب أن تنفق على أحد ولا على نفسها، وتحصل على (12.500) وهو مقدار الثُمُن من ميراث زوجها.

ما أخذته الزوجة الألمانية من دخل زوجها بشكل مباشر (50.000) ثم دفعت نصف نفقة الأسرة (144.000)، وما أخذته الزوجة الشافعية من دخل زوجها بشكل مباشر (60.500) تتكون من (12.500 ميراث + 48.000 نفقة الزوجة) ثم لم تدفع أي شيء للنفقة. فيكون وضع الألمانية هكذا:

  • في نظام الأموال المشتركة: 50.000 – 144.000 = – 94.000.
  • في نظام الأموال المستقلة: 25.000 – 144.000 = – 119.000.
  • ويكون وضع الشافعية هكذا: 60.500 – 0.00   = + 60.500.

واقعياً، حسب نظام الأموال المشتركة ستتابع الزوجة الألمانية حياتها بعد زوجها ومعها (386) ألف، وحسب نظام الأموال المستقلة سيكون معها (361) ألف، أما الزوجة الشافعية فتتابع حياتها ومعها (492) ألف. مبلغ الألمانية هو محصلة دخلها من عملها الخاص وميراثها مطروحاً منه النفقة التي دفعتها، ومبلغ الشافعية محصلة دخلها الخاص وميراثها ونفقتها الشخصية وعدم دفعها أي نفقة.

يبدو أن الشافعي هنا يعطيها أقل بكثير ويدعها للمجهول رغم تقدمها في السن، لماذا لا يعطيها الشافعي حصة كافية يحميها؟

مشاركة الزوجة بالنفقة

لنفترض أن الزوجة الشافعية شاركت على مبدأ المساواة ودفعت نصف نفقة البيت، كما يحدث في كثير من الحالات الواقعية في مجتمعاتنا، النظام الشافعي يحتسب إنفاقها ديناً في ذمة الزوج إذا اتفقا على نظام الدين في النفقة (أن ما تنفقه الزوجة هو دين وليس تبرع ومساعدة)، فإذا توفي تستعيد الزوجة المبلغ قبل تقسيم الميراث، ولو أخذت كامل التركة لأنه دين، وبالتالي نرجع فعلياً إلى حالة صفر نفقة.

في حال أنفقت على نظام التبرع والمساعدة، فإن الزوجة الشافعية عند وفاة زوجها سيكون مجموع مالها الخاص وما جاءها من زوجها ثُمُن الميراث ونفقتها الشخصية التي دفعها لها خلال حياته (396.500)، أما الألمانية فمجموع مالها الخاص وميراثها حسب نظام الأموال المشتركة سيكون (386.000)، وحسب نظام الأموال المستقلة (361.000)، ما زال الشافعي أفضل خيار اقتصادي لها.

لنفترض أن الزوجة كانت ربة منزل ولم تعمل خلال حياتها أي عمل مأجور ولم يدخلها مال، وبالتالي لم تنفق شيئاً بل كان الزوج ينفق عليها، فإن المال الذي سيكون بين يديها بعد وفاة زوجها في القانون الألماني وفق نظام الأموال المشتركة (50.000)، ووفق نظام الأموال المستقلة (25.000)، وفي القانون الشافعي (12.500). يبدو أن الشافعي هنا يعطيها أقل بكثير ويدعها للمجهول رغم تقدمها في السن، لماذا لا يعطيها الشافعي حصة كافية يحميها؟

سيبقى الأفضل للزوجة والبنت في الحرية الاقتصادية أن تأخذ بالنظام الشافعي، فهو يوسع الحريات المالية لأكبر عدد من النساء.

ديناميكية الميراث

عند توزيع ميراث الزوج البالغ 100.000 يعطي القانون الألماني: (50.00 للزوجة + 25.000 للابنين + 25.000 للبنتين)، بينما يعطي الشافعي: (12.500 للزوجة، 58.330 للابنين + 29.170 للبنتين). تكشف المقارنة أن النظام الشافعي مشدود للمستقبل، فيخصص موارد أكثر للذين سيشكلون المستقبل ويحملون مهمته، وبالتالي سيعطي الجيل الأصغر الحصة الأكثر من الميراث، تطبيقاً لقاعدة "موقع الجيل الوارث"، أما النظام الألماني فهو مشدود للماضي يعطي الجيل الأكبر حصة أكثر.

لكن الشافعي لا يترك الجيل الأكبر للمجهول والبؤس، لذلك يوجب على الابن والبنت أن ينفقوا على أمهم إذا احتاجت، فهو يقوي الجيل الأصغر اقتصادياً ثم يحملهم مسؤولية أمهم، ومن أخذ من الميراث أكثر يجب أن ينفق على أصله الذي أخذ أقل، وينفق الابن على أمه ضعف ما تنفقه البنت لأنه أخذ ضعفها في الميراث، فالغنم بالغرم.

هكذا نشاهد أن الميراث الذي ذهب للأبناء يتسرب عند الحاجة إلى الزوجة من خلال إلزام الأبناء بالنفقة على أمهم، بالتالي ستحصل على دخل مالي مستمر يحررها ويمنحها حياة كريمة لائقة، رغم أنها قد تكون استنفذت من أولادها كل المال الذي ورثوه، وحتى أنهم دفعوا من أموالهم الخاصة. الطريف أن البنت الألمانية تأخذ 12.5 وتكون حصتها مساوية لأخيها، بينما تأخذ البنت الشافعية 14.5 رغم أن حصتها نصف حصة أخيها. ديناميكية الفقه الشافعي في ترتيب الأمور وتركيب المصالح مدهشة.

بعد أن يعطي القانون الألماني الزوجة نصف ميراث زوجها قد ينفذ ما لديها وتصبح على حافة الحاجة، وأكثر ما يحدث حين يكون ميراث الزوج صغير، لا يبقى فرق حقيقي بين أن تأخذ الزوجة نصفه أو ثمنه لأنه سينفذ خلال وقت قصير سنة أو سنتين، هنا تتدخل الدولة بأنظمة أخرى لتعالج المشكلة كنظام المعونات، أما القانون الشافعي فإنه يتابع القصة ويفرض على الأبناء أن ينفقوا عليها، فإن عجزوا يتدخل بنظام اجتماعي آخر هو الزكاة، فإن لم يتيسر أيضاً يوجب على الدولة هنا أن تتدخل بالمعونات. أي أن النظام الشافعي يتمركز حول المجتمع وموارده ليجعله أكثر استقلالية وحرية، أما الألماني فهو متمركز حول الدولة يلجأ إليها مباشرة.

كل هذا إذا لم توجد وصية، لكن يتيح النظام الألماني للزوج هنا أن يوصي بنصف ميراثه، فإذا أوصى به لصديقه وكان المعتمد بين الزوجين نظام الأموال المشتركة تحصل الزوجة على ربع الميراث فقط (25.000)، وتحصل في نظام الأموال المستقلة على الثُمُن فقط (12.500)، في النظام الألماني تأخذ الزوجة باعتبار الزوجية الثُمُن فقط مثل الشافعي، فإذا انضاف إلى الزوجية نظام الأموال المشتركة وعدم وجود وصية فإنها تأخذ النصف باعتبار هذه العناصر الثلاثة مجتمعة.

سيبقى الأفضل للزوجة والبنت في الحرية الاقتصادية أن تأخذ بالنظام الشافعي، فهو يوسع الحريات المالية لأكبر عدد من النساء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.