شعار قسم مدونات

تضحيات أهل فلسطين.. مسك البدايات ومر الخواتيم!

1-أسيل جندي، جبل الزيتون، القدس، صورة التقطت من مطلة جبل الزيتون يظهر بها سور القدس التاريخي والمسجد الأقصى ومباني في البلدة القديمة ومحيطها(الجزيرة نت)
سور القدس التاريخي والمسجد الأقصى ومباني في البلدة القديمة (الجزيرة)

أهل فلسطين هم جزء من أمة الإسلام التي بنتها وكونتها العقيدة الإسلامية، فكانت هذه العقيدة هي المحرك والموجه لهم. فلذلك منذ أن كانت أرض فلسطين في العصر الحديث محور الصراع والتوجه من قبل دول الاستعمار كان أهل فلسطين يندفعون بدافع أفكار ومفاهيم العقيدة الإسلامية للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن هذه الأرض المباركة والتي هي جزء من عقيدتهم. فلذلك يشهد التاريخ الحديث على ما قدمه أهل فلسطين من تضحيات جمة ضد العدو الإنكليزي منذ أن احتل فلسطين حتى رحيله عن هذه الديار.

التاريخ والحوادث والوقائع يدللان على أن أهل فلسطين يقدمون التضحيات الجمة في معركة الصراع مع الاحتلال الصهيوني برغبة جامحة ونفس مطمئنة راغبة وكأن التضحيات متعة ولذة لا تضاهيها متعة ولذة أخرى

تضحيات أهل فلسطين ضد الاحتلال اليهودي

بعد أن اكتملت فصول المؤامرة الغربية على أرض فلسطين بإيجاد كيان لليهود على جزء من أرض فلسطين وأهل فلسطين في صراع كفاحي مع هذا " اللقيط الجديد" فكانت تضحيتهم نموذجاً ساطعاً وعلامة فارقة في الشجاعة وروح التحدي ضد هذا الاحتلال المدعوم من قوى الشر والظلام في العالم كافة. وبعد أن وصلت مخططات الدول الاستعمارية لمنتهى مراحلها والمتمثلة بإعطاء هذا الاحتلال بقية أرض فلسطين بعد حروب تمثيلية مع العديد من الدول العربية لم يستسلم أهل فلسطين ولم يحّطوا عصا الجهاد والكفاح والتضحية بل استمروا في طريق الكفاح يقومون بالتضحية بالنفس والمال وكل ما يملكون في معركة الصراع مع هذا المحتل.

متعة ومسك التضحيات عند أهل فلسطين

التاريخ والحوادث والوقائع يدللان على أن أهل فلسطين يقدمون التضحيات الجمة في معركة الصراع مع الاحتلال الصهيوني برغبة جامحة ونفس مطمئنة راغبة وكأن التضحيات متعة ولذة لا تضاهيها متعة ولذة أخرى، فكيف لا يكون ذلك وهؤلاء كونتّهم عقيدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فلذلك كانوا يحبون الموت في سبيل الله(الشهادة) كما تحب الأمم الأخرى الحياة. فالتضحيات بالنسبة لأهل فلسطين هي مسك يستمتعون باشتمام عبيره على مدار العمر.

أهل فلسطين استمروا بتضحياتهم بشغف ورغبة جامحة ودون تردد لكن الخاتمة كانت واحدة وهي سيطرة اليهود واحتلالهم على ما تبقى من أرض فلسطين وبذلك أصبحت كل أرض فلسطين التاريخية مُحتلة من قِبلِ يهود.

مُرّ الخواتيم

الناظر في تاريخ وأحداث القضية الفلسطينية يجد أن متعة التضحية التي يستمتع بها أهل فلسطين متعة غير دائمة بل تتحول لحنظل ومرار لسوء خاتمة جهادهم وكفاحهم وذلك لأن الثمرة تُقطف لمصلحة غيرهم وفي وعاء أعدائهم إذ لا تجري الخواتيم حسب تطلعاتهم وأهدافهم وعلى غير ما تشتهي أنفسهم. فبعد أن ضحّوا وقدّموا كل ما يملكون في سبيل إفشال مخططات الدول الغربية الاستعمارية في إنشاء كيان لليهود على جزء من أرضهم كانت الخاتمة علقما إذ نجحت مخططات دول الاستعمار في إقامة هذا الكيان على أرض الواقع وعلى جل أرض فلسطين في العام ١٩٤٨م، هذا الكيان الذي اعترفت به جل دول الغرب والذي كان من نتائج قيامه تهجير جل أهل فلسطين الذين لم يبخلوا بالمال والولد والنفس في سبيل حماية ديارهم وأرضهم. ورغم هذه النهاية إلا أن أهل فلسطين استمروا بتضحياتهم بشغف ورغبة جامحة ودون تردد لكن الخاتمة كانت واحدة وهي سيطرة اليهود واحتلالهم على ما تبقى من أرض فلسطين وبذلك أصبحت كل أرض فلسطين التاريخية مُحتلة من قِبلِ اليهود الصهاينة.

لكن هذا الحال لم يوقف ثورات وتضحيات أهل فلسطين واستمروا في الكفاح الطويل والتضحيات الجسيمة دون بُخلٍ وفتور وهم يستمتعون بما يُقدمون حتى تم تسخير هذه التضحيات على غير ما يشتهون إذ تم توقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة والتي أعطت الشرعية لهذا الاحتلال على أرض فلسطين قاطبة فكانت اتفاقية أمرّ من العلقم وأسوأ ما عرفه التاريخ من اتفاقيات فكانت دماء أهل فلسطين الزكية تُحلب في غير إنائهم..

الخوف القادم!

الحرب الأخيرة على غزة والتي أطلقت عليها المقاومة معركة "طوفان الأقصى" ورغم شراسة أفعال العدو وحجم الخسائر البشرية الكبيرة إلا أن أهل فلسطين في قبولٍ ورضا لما أصابهم ويقبلون على التضحية بسرور ودافع قوي وكأنهم في "فرح" ويبرقون في كل لحظة رسائل وومضات للعالم كله ولجميع شعوب الأرض قاطبة تحمل الرضا والقبول لهذه التضحيات ولا تظهر عليهم مظاهر السخط والامتعاض وكأنهم في نزهة ورحلة بدقائقها يستمتعون.. لكن انفراد هذا الاحتلال بأهل فلسطين في كل مرة وتسيير الأمور لصالحه وهو وحده يقطف ثمار تضحيات أهل فلسطين ويوجهها لمشاريعه ومخططاته كان الخوف عندنا وعند الجميع أن تكون ثمن دماء وتضحيات أهل فلسطين وخاصة ما يجري في غزة اليوم ثمرة يقطفها هذا الاحتلال كعادته بعد أن تركت الأمة وأهل قوتها غزة وحدها تواجه هذه العدو الشرس المدعوم من كافة دول وأقطار المعمورة..

المعادلة الواضحة والمعهودة أن أهل فلسطين يُضحون ويُقدّمون الغالي والنفيس بنفس مطمئنة والخاتمة تكون مُرّا وعلقما والاحتلال يقطف ثمرة التضحيات، فلذلك كان السبيل في أن تقطف الأمة ومعها أهل فلسطين ثمرة التضحيات هو إعادة القضية الفلسطينية لأصلها قضية أمة تتحمل الأمة بمجموعها مسؤولية تحريرها

أين الخلل؟!

إن الخلل الذي كان بسببه أهل فلسطين يضحون بالغالي والنفيس والاحتلال يقطف الثمار هو تحويل القضية الفلسطينية من قضية أمة لقضية وطنية خاصة بمن يسكن أرض فلسطين بل وصل هذا التحويل أن أصبحت القضية الفلسطينية قضية فصائل كل فصيل يعزف على ربابته! فأرص فلسطين تختلف عن سواها بأنها أرض مربوطة بعقيدة المسلمين فلذلك كانت فلسطين قضية أمة منذ أن فتحها الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب وهكذا ستبقى إلى أن يرث الله الأرض.. لكن خبث الاستعمار ومكره ومن سار في ركبه من أبناء الأمة حولوا هذه القضية من قضية أمة لقضية خاصة بمن يسكنها فلذلك كانت تضحياتهم تسير في وجهة غير الوجهة الصحيحة والمطلوبة..

ما المطلوب؟!

إذا المعادلة الواضحة والمعهودة أن أهل فلسطين يُضحون ويُقدّمون الغالي والنفيس بنفس مطمئنة -وهل هناك أغلى من الأرواح والأنفس؟!- والخاتمة تكون مُرّا وعلقما والاحتلال يقطف ثمرة التضحيات، فلذلك كان السبيل في أن تقطف الأمة ومعها أهل فلسطين ثمرة التضحيات هو إعادة القضية الفلسطينية لأصلها قضية أمة تتحمل الأمة بمجموعها مسؤولية تحريرها، فتحرر هذه الأرض المباركة من دنس هذا الاحتلال وتعيدها جزءا من بلاد العالم الإسلامي، أما إبقاء أهل فلسطين وحدهم يواجهون هذا المحتل المدعوم من أقطار الأرض كافة وانتظار النتائج غير المعتادة فهو وهم وحلم، فعلينا جميعا الاختيار بين أن نبقى نضحي وتكون خاتمة تضحياتنا علقما نتجرعه أو أن نعيد القضية لأصلها قضية أمة فتكون تضحياتنا مع حركة الأمة الحركة الصحيحة سبيلا لتحرير الأرض المباركة كافة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.