شعار قسم مدونات

الكبار لم يموتوا.. والصغار لم ينسوا

شاب فلسطيني ملثم يستلهم تجربة الانتفاضة في تظاهرة ضد أونروا
شاب فلسطيني ملثم يستلهم تجربة الانتفاضة في تظاهرات عام 2015 (الجزيرة)

في أواخر الثمانينات، كان أبو جهاد خليل الوزير هو أول شهيد فلسطيني يعلق بذهني طفلا، بسبب ملصق صغير على باب شقة أحد الجيران الفلسطينيين، أطل منه أبو جهاد بوجهه البشوش وابتسامته الودودة، كان أبو جهاد أحد مؤسسي حركة فتح، وقائدها العسكري الأبرز، الذي قاد النضال المسلح ضد إسرائيل لأكثر من عقدين من الزمان، سواء في الأرض المحتلة أو في لبنان أو حتى تلك العمليات التي استهدفت المصالح الإسرائيلية في الخارج، وكان ميلاده في مدينة الرملة في أكتوبر، تشرين الأول 1935، قبل شهر واحد من وفاة عز الدين القسام، الشيخ السوري الأصل، الذي قاد النضال ضد الانتداب البريطاني والمستعمرات الصهيونية خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، ليستشهد في جنين، ويكون استشهاده أحد مقدمات الثورة الفلسطينية عام 1936.

قبل عشرين عاما من وفاة المهندس التونسي الزواري، في عام 1996، كان اغتيال المهندس يحيى عياش، القائد العسكري بكتائب القسام، والذي مازلت أذكر الوقع الشديد لاغتياله حين كنت صبيا

أما استشهاد أبو جهاد، فكان في عملية اغتيال في تونس، خلال أحداث الانتفاضة الأولى عام 1988، وذلك قبل نحو ثلاث عقود من عملية اغتيال أخرى جرت في تونس أيضا عام 2016، واستهدفت محمد الزواري، أحد القيادات العسكرية لكتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والذي أسهم في تطوير ترسانتها العسكرية عبر تزويدها بالطائرات المسيرة، لتلعب دورا هاما في الصراع العسكري ضد إسرائيل خلال السنوات العشر الماضية، وصولا إلى الحرب الراهنة.

قبل عشرين عاما من وفاة المهندس التونسي الزواري، في عام 1996، كان اغتيال المهندس يحيى عياش، القائد العسكري بكتائب القسام، والذي مازلت أذكر الوقع الشديد لاغتياله حين كنت صبيا، إذ ارتبط اسم عياش بتطور نوعي في عمليات المقاومة الفلسطينية، والذي تمثل في التوظيف المكثف للسيارات المفخخة، والعمليات الاستشهادية في الداخل الإسرائيلي، خصوصا بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي عام 1994، كما مازلت أذكر سلسلة التفجيرات المزلزلة التي قامت بها المقاومة ردا على اغتياله، وكان المخطط لها هو محمد الضيف، القائد الحالي لكتائب القسام، والمولود عام 1965، العام الذي بدأت فيه الثورة الفلسطينية المسلحة، على يد حركة فتح، التي أسسها ياسر عرفات، القائد التاريخي للثورة الفلسطينية، والذي صار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، ثم انتخب رئيسا للسلطة الفلسطينية عام 1996.

لم يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أريئيل شارون من حل لوقف الانتفاضة سوى استهداف القيادات الفلسطينية، ليشهد عام 2004، علاوة على استشهاد الرئيس الفلسطيني، استشهاد الشيخ أحمد ياسين المؤسس والزعيم الروحي لحركة حماس، في شهر مارس، ثم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، الذي خلفه في قيادة الحركة بعد ذلك بشهر

استشهاد عرفات كان في نوفمبر، تشرين الثاني عام 2004، وذلك كأحد تداعيات انتفاضة الأقصى، والتي اندلعت قبل ذلك بأربع سنوات، وشهدت تصعيدا غير مسبوق بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، أسفر عن استشهاد نحو 4400 فلسطينيا، وما يقارب 49 ألف جريح، وفي المقابل بلغ عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي نحو 1100 إسرائيلي، كما وصل عدد الجرحى 4 آلاف ونصف، فلم يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أريئيل شارون من حل لوقف الانتفاضة سوى استهداف القيادات الفلسطينية، ليشهد عام 2004، علاوة على استشهاد الرئيس الفلسطيني، استشهاد الشيخ أحمد ياسين المؤسس والزعيم الروحي لحركة حماس، في شهر مارس، آذار، ثم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، الذي خلفه في قيادة الحركة بعد ذلك بشهر، وهي الأحداث الجسام التي جرت بينما كان يحيى السنوار، القائد الحالي لحركة حماس في غزة، يقضي عامه السادس عشر في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

إن كان هناك من درس نتعلمه من مسيرة النضال الفلسطيني عبر ما يقارب القرن فهي أن المقولة التي تُعزى لمؤسس دولة الاحتلال الإسرائيلي ديفيد بن غوريون "الكبار سيموتون والصغار سينسون" لا تعدو إلا أن تكون أمنية كاذبة، يحاول بها تهدئة خواطر كيان تتملكه عقدة الفناء الوشيك، فالذين يقودون الصراع الآن هم أبناء "أطفال النكبة" الذين توقع بن غوريون أن ينسوا، والذين يخوضون المعارك الدامية في شوارع غزة والضفة هم أحفادهم وأبناء أحفادهم، بل حتى الذين أراد قادة العدو باستهدافهم أن ينهوا القضية لم يموتوا على الحقيقة، فقد عاد عز الدين القسام كتائبا، والياسين قذيفة مضادة للدروع، وعياش صاروخا مداه 250 كم، والزواري طائرات مسيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.