شعار قسم مدونات

أبو عبيدة.. بطلان في عصور مختلفة

أبو عبيدة .. الناطق باسم كتائب عز الدين القسام
أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام (الجزيرة)

أبو عبيدة اسم له شعبية تخطت الآفاق وباتت تصريحاته محط اهتمام عالمي، وأصبح موضوع نقاش وحديث منصات التواصل الاجتماعي وبشكل خاص في الفترة الأخيرة عقب عملية "طوفان الأقصى".

أبو عبيدة: كنية المتحدث الإعلامي الرسمي لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس تيمنا بالصحابي فاتح القدس أبو عبيدة بن الجراح في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

يلقبه البعض بالملثم حيث يظهر في كل بيان لكتائب القسام ملثما بالكوفية لا يظهر منه إلا عينيه، فهو مجهول الهوية، ولكنه في ذات الوقت معروف..

معروف بصوته وكلماته القوية المزلزلة لأعدائه وتهديداته المتحققة لهم، وكذلك كلمات التحفيز والتثبيت ووعوده الصادقة للمرابطين والصابرين من أهالي فلسطين وغزة.

يقود جهادا من نوع آخر وهو جهاد الكلمة مستعينا بأحد أدوات القوة في العصر "الإعلام" الذي يخوض من خلاله حربا مضادة للحرب الإعلامية الغربية ويبدو من ردود الفعل على جميع المستويات الدولية والشعبية عقب خطاباته أنه انتصر.

كان أبو عبيدة من السابقين الأولين إلي الإسلام فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه وعاش أبو عبيدة تجربة المسلمين القاسية في مكة منذ بدايتها إلي نهايتها

أبو عبيدة.. الصحابي الجليل

واسم أبو عبيدة يجعلنا نعود بالزمن الي عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم لنذكر ملامح من حياة الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح: هو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي، المكنى بأبي عبيدة، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكل أمة أمين، وأمين هذه الامة أبو عبيدة".

كان أبو عبيدة من السابقين الأولين إلى الإسلام فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه وعاش أبو عبيدة تجربة المسلمين القاسية في مكة منذ بدايتها إلي نهايتها وعاني مع المسلمين فثبت للابتلاء وصدق الله ورسوله في كل موقف.

أبو عبيدة يوم بدر

انطلق أبو عبيدة يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لا يهاب الموت فهابه المشركون وحذره فرسان قريش وجعلوا يتنحون عنه كلما واجهوه..

لكن رجلا واحدا منهم جعل يبرز لأبي عبيدة في كل اتجاه، فكان أبو عبيدة يتنحى عن طريقه ويتحاشى لقاءه، لكن هذا الرجل سد علي أبي عبيدة المسالك، ووقف بينه وبين قتال أعداء الله، فلما ضاق به ذرعا ضرب رأسه بالسيف فخر الرجل صريعا، كان هذا الرجل الصريع هو عبدالله بن الجراح والد أبي عبيدة، لم يقتل أبو عبيدة أباه وإنما قتل الشرك في شخص أبيه، فأنزل الله سبحانه في شأن أبي عبيدة وأبيه هذه الآية: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾ [المجادلة: ٢٢]

قال أبو بكر: فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما.

القوي الأمين

لما قدم وفد من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ليحكم بيننا في أشياء من أموالنا اختلفنا فيها، فإنكم عندنا معشر المسلمين مرضيون.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين.

قال عمر بن الخطاب: فرحت إلى صلاة الظهر مبكرا، وإني ما أحببت الإمارة حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحب هذا النعت.

فلما صلى بنا رسول الله ﷺ الظهر، جعل ينظر عن يمينه وعن يساره. فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يقلب بصره فينا حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه فقال: اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه..

فقلت: ذهب بها أبو عبيدة.

أبو عبيدة يوم أحد

في يوم أحد حين هزم المسلمون وكان أبو عبيدة من العشرة الذين احاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ليدفعوا عنه بصدورهم رماح المشركين.

فلما انتهت المعركة كان الرسول قد كسرت رباعيته وشج جبينه، وغارت في وجنته حلقتان من حلق درعه، فأقبل عليه الصديق يريد انتزاعهما من وجنتيه فقال له أبو عبيدة: أقسم عليك أن تترك ذلك لي، فتركه، فخشي أبو عبيدة إن اقتلعهما بيده أن يؤلم رسول الله، فعض على أولهما بثنيته عضا قويا محكما فاستخرجها ووقعت ثنيته. (الثنية: جمعها ثنايا، وهي أسنان مقدمة الفم). ثم عض على الأخرى بثنيته الثانية فاقتلعها فسقطت ثنيته الثانية.

قال أبو بكر: فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما. (الأهتم من انكسرت ثنيتاه)

أصاب أبو عبيدة بن الجراح هذا الطاعون فلما حضرته الوفاة أوصى جنده فقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا…

وفاته رضي الله عنه

كان أبو عبيدة بن الجراح في بلاد الشام يقود جيوش المسلمين من نصر الى نصر حتى فتح الله علي يديه الديار الشامية كلها فبلغ الفرات شرقا واسيا الصغرى شمالا.

عند ذلك دهم بلاد الشام طاعون يحصد الناس حصدا..

فأصاب أبا عبيدة بن الجراح هذا الطاعون فلما حضرته الوفاة أوصى جنده فقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا، وحجوا، واعتمروا وتواصوا، وانصحوا لأمرائكم ولا تغشوهم. ولا تلهكم الدنيا، فان المرء لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون، إن الله كتب الموت على بني آدم فهم ميتون، وأكيسهم (أحسنهم عقلا وفهما للأمور) أطوعهم لربه، وأعملهم ليوم معاده.. والسلام عليكم ورحمة الله.. ثم التفت إلى معاذ بن جبل وقال: يا معاذ صل بالناس. ثم فاضت روحه الطاهرة..

إنه لجهاد نصر أو استشهاد

هذه هي الجملة التي يختم بها غالبا أبو عبيدة المتحدث الإعلامي لكتائب القسام كلمته وهذه هي نفس العبارة التي قالها الشهيد عز الدين القسام عندما حاصرته قوات الاستعمار البريطاني وطلبوا منه الاستسلام في أحراش يعبد شمال الضفة الغربية.

وهذا دليل على أنه حتى وإن استشهد المجاهد فإن المعركة لا تنتهي والفكرة لا تموت وكلماته لا تندثر بل تنبض بالحياة وتنقل لأخرين يؤمنون بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.