شعار قسم مدونات

شكرا غزة..

يد المعتدي حطمت الأحلام ودمرت الحاضر.. حصل هذا في الوقت الذي كنا فيه نرتع ونلعب نناكف هموم الحياة وتناكفنا (وكالة الأناضول)

تمر بنا الأيام عصيبات.. قتل وتدمير وتهجير.. عائلات برمتها تختفي، وأخرى يبقى منها فرد أو اثنان يتقاسمون عذب ذكريات الماضي وألم الحنين إلى أحباب اتكؤوا عليهم في لحظات ضعف يوما أو رسموا معهم صورا شتى لمستقبل مبهج مليء بأحلام وآمال ظنوها ستتحقق..

نعم نحن أمة اعتدنا الانهزامات والانتكاسات، لعقود ليست قليلة. حتى صار الطبيعي عندنا أننا ضعفاء، ما بيدنا حيلة، يأخذنا الخضوع والخنوع ونقف مكتوفي الأيدي كمن لا حول له ولا قوة سوى أن يسأل الله السلامة والنجاة.

إلا أن يد المعتدي حطمت الأحلام ودمرت الحاضر.. حصل هذا في الوقت الذي كنا فيه نرتع ونلعب، نناكف هموم الحياة وتناكفنا، نعم كنا غارقين بين ملذات وهموم عندما نراجعها اليوم نستصغرها.. بل قد نستسخفها ونستهونها.. فجاء السابع من أكتوبر ليوقظنا، صفعة على الوجه لتذكرنا بآننا أصحاب قضية وأصحاب حق، بل أصحاب واجب وعلينا فرض لحشد قوانا ومجابهة من اغتصب أرضنا، مقدساتنا، وحقوقنا.. لمن اقتلع الإنسان الحر في دواخلنا..

تداعت ثلة نحسبها قليلة اعتادت الهوان والمذلة واستثقلت التحرك في وجه صنمها، ذاك الصنم المتمثل بضعف وانكسار وخذلان في دواخلنا.. نعم نحن أمة اعتدنا الانهزامات والانتكاسات، لعقود ليست قليلة. حتى صار الطبيعي عندنا أننا ضعفاء، ما بيدنا حيلة، يأخذنا الخضوع والخنوع ونقف مكتوفي الأيدي كمن لا حول له ولا قوة سوى أن يسأل الله السلامة والنجاة.

ننتظر التعاطف ونذرف الدموع أيضا لنظهر أقصى تعاطفنا، ولربما خرجنا نردد بعض هتاف التنديد، لا نبدي مقاومة ملموسة ولا نريد لأحد أن يبديها حتى لا نعيش ذاك الضغط والألم، فمعنى الحياة في دواخلنا قد تغير إلى رغد في العيش، رفاه ولو على مستوى السكون والهدوء حتى إن كان على حساب كرامتنا، ولو دمر منظومة عزة ورفعة وتكريم حبانا الله إياها حين اختارنا جزءا من أمة إسلامية غيرت وجه العالم يوما ورفعته وحررته من الذل بعبوديته المادية إلى الرفعة بعبودية الأحد.

وها نحن اليوم نعود، الواقع أننا لم ننشغل في ملذات الحياة ومصالحنا الفردية عن قضية فلسطين فقط؛ بل إننا انشغلنا عن قضايا المسلمين ككل بطبيعة الحال. فاعتدنا أن نرى أو نسمع أخبار شهداء يسقطون في سوريا، في بورما في اليمن.. نرى التضييق في مصر تدهور الحال في لبنان، هوان في بقاع شتى من العالم، انحراف هنا وهناك، ثم ندير وجهنا ونقول علينا بما لنا وما علينا، كل بنفسه ومركزيته؛ ربما قد تحمل بعضنا فعلا مسؤولية عائلته الصغيرة بعد أن استشعر بأن قيمته الذاتية وطموحاته هي الأهم؛ وفي أحسن الأحوال، فقد انطوى كل منا على دولته التي يعيش فيها.. ورآى أن مصلحته مصلحتها. ونسى انتماءه الأعم والأهم لأخوة له في الله وقد جعل الله رابط الأخوة في الدين أقوى من أخوة الدم، ليسند بعضنا بعضا ويتوحد صفنا.. لكننا أضعنا الرابط ونسينا حقه وتفرق صفنا.. وما نادينا إلا بوطنيات وإقليميات ومناطقيات ضيقة أبعدت الأخ عن أخيه، فلم يتألم لألمه، ولم يغضب لغصبه، ظنا منه أنما يعنيه ما هو داخل نطاق حدود دولته السياسية.. نعم هذا هو حالنا وهذه صورتنا وهكذا نعيش ونمضي أيامنا بسلام كما نظن وندعي..

إذا هي أزمات عديدة نمر بها في واقعنا الحقيقة.. إلا أن السابع من تشرين الأول / أكتوبر أيقظنا.. ليذكرنا أننا أمة.. لا يستقيم مصيرها إلا لو تداعى بعضها لبعض. كيف لا ونحن من قال فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عن النعمان بن بشير وبرواية البخاري: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

فليسأل كل منا نفسه اليوم: هل قدمت؟ وهل هذا جل ما في وسعك أن تقدم فعلا؟ هل كنت جزءا من هذه المعركة أم كنت مجرد شاهد؟ ولنكن مبدعين فزماننا زمان الإبداع ولا تعدم الحيلة ولا الوسيلة لمن قصدها

صرخات علت من المكلومين فطرقت جدران مسامعنا وقلوبنا قائلة: "معلش كله فدا الأقصى، كله فدا فلسطين"..

والأقصى أقصانا. ووالله ما وفيناه حقه، ولا بذلنا له المستطاع حتى اليوم. فلا يمكن لمسلم ألا يكون قد تشبع بذلك الحلم بزيارة مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو حلم بصلاة في أول قبلة صلى إليها المسلمون بعد أن فرضت عليهم الصلاة ليلة الإسراء والمعراج. فليسأل كل منا نفسه اليوم: هل قدمت؟ وهل هذا جل ما في وسعك أن تقدم فعلا؟ هل كنت جزءا من هذه المعركة أم كنت مجرد شاهد؟ ولنكن مبدعين فزماننا زمان الإبداع ولا تعدم الحيلة ولا الوسيلة لمن قصدها. وما إن قصدتها حتى يسرها الله لك ويسرك لها.

نعم، شاءت أقدار الله أن تبقى قضية الأقصى عالقة في هذه الحقبة من الزمن، مع كل ما يحمله الاحتلال من ألم وانكسار ودماء وهوان، إلا أن مشيئته أرادت أن تكون مشبك الأمة، وصلة وصلها وموقظ ضميرها.. ما إن ضاقت واستحكمت بنا الشدائد، فما من مسلم لا يستفزه ويستنهضه الأقصى.

فشكرا غزة! أيقظتِنا. شكرا غزة حملت هم الأمة يا مدينة ما تجاوزت مساحة 365 كم٢، في حين ضمت أبناء هذه الأمة أصقاع الأرض.

  • شكرا غزة أيقظت روح المبادرة فينا..
  • شكرا غزة أشعلت نار القضية وذكرتنا بأننا أهلها وأهل حقها..
  • شكرا غزة زرعت فينا الأمل من جديد بأن كلمتنا آن أن تكون العليا..
  • شكرا غزة ذكرتنا أن السلامة ليست كل شيء ولكنها تكون في الثبات لانتزاع الحق مهما كلفت الأثمان..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.