شعار قسم مدونات

التضامن الكتالوني مع فلسطين أقوى!

برلمان كتالونيا يقر الحقوق السياسية "للسجناء السياسيين" من نوابه
برلمان كتالونيا يدين إسرائيل بسبب نظام الفصل العنصري (الجزيرة)

مرة أخرى تؤكد برشلونة تضامنها مع فلسطين، بعد أن أعلن رئيس البلدية الجديد أنه سيُعيد تفعيل قرار الإدارة السابقة، بقطع هذه المدينة الكتالونية لعلاقاتها مع إسرائيل. وكتالونيا منطقة في إسبانيا، لها خصوصيتها التي برزت في محاولاتها السابقة لتحقيق الاستقلال، وفيها نجد واحدة من أقوى الحملات لمواجهة نظام الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني في أوروبا وفي العالم كله.

في أقل من شهرين، تم جمع عدد التوقيعات المطلوب لحملة توقيع تطالب حكومة المدينة بوقف علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دولة إسرائيل وبإظهار التضامن مع القضية الفلسطينية؛ وأصبح موضوع فلسطين مطروحا على الطاولة أكثر من أي وقت مضى، وفي مدينة أوروبية عملت الجالية الفلسطينية فيها بشكل متواصل للدفاع عن حقوقها، ووجدنا أخيرا برلمانا أوروبيا يدين إسرائيل بسبب نظام الفصل العنصري. وبالتالي، أصبحت كتالونيا منطقة متميزة بدعمها القضية ورفضها الاحتلال، لكن الواقع لم يكن دائمًا على هذا النحو.

الصورة عند الطبقة السياسية في كتالونيا استمرت على هذا النحو حتى قبل أربع سنوات تقريبًا، وقد دعم الرئيس الكتالوني السابق كارلس بوتشدمون دولة إسرائيل في يومها الوطني، وهو المعروف عند الفلسطينيين بيوم نكبة

من الصهيونية إلى مركز أوروبي في الدفاع عن فلسطين

صلاح جمال، مؤسس الجالية الفلسطينية في كتالونيا، وهو كاتب فلسطيني، يتذكر وصوله إلى مدينة برشلونة قبل 40 سنة؛ لا أحد في ذلك الوقت كان يعرف شيئًا عن القضية الفلسطينية، ولا حتى عن موقع وجغرافية فلسطين.

في الحقيقة، عندما دخل الرجل هذه المنطقة كان فيها النخبة المثقفة الكتالونية المعروفة باسم"Ateneu Barcelonés" ، وكان التصوّر السائد لدى كل المثقفين من الصهاينة، أن الشعب اليهودي حافظ على لغته، كما حافظ الكتالونيون على لغتهم، وأنشأ دولته الخاصة بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام.

الصورة عند الطبقة السياسية في كتالونيا استمرت على هذا النحو حتى قبل أربع سنوات تقريبًا، وقد دعم الرئيس الكتالوني السابق كارلس بوتشدمون دولة إسرائيل في يومها الوطني، وهو المعروف عند الفلسطينيين بيوم نكبة؛ ولكن الدعم الشعبي لفلسطين غيّر بشكل تدريجي الواقع السياسي السابق.. والآن يؤكد الناشطون من أجل فلسطين في برشلونة، بأن جلّ الناس الذين طُلب منهم توقيع عريضة الحملة استجابوا لذلك بحماس يعكس إرادتهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

وبفضل هذا التحول في توجهات النسيج الاجتماعي، حدث تحول في النسيج السياسي نفسه، بشكل يسمح للبرلمان، على الأرجح، بوقف العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين برشلونة ودولة إسرائيل، اللذين يجمع بينهما اتفاق تعاوني منذ 1998، ورغم عدم وجود أي تأكيد من جانب الأحزاب السياسية التي ستصوت على القرار، حسب الناشط الفلسطيني الدكتور إبراهيم البيساني، فإن المطالبة ستكون معتمدة.

يمكننا تفسير ذلك الدعم الكتالوني من خلال التاريخ الكفاحي الكتالوني، وقد قالت لنا أليس سامسون (عضو من الحملة في برشلونة) إن هذا الموقف ليس فريدا من نوعه في الدعم لفلسطين

كتالونيا مركز لكل القضايا

في هذا الوقت، قد تُعتبَر هذه المبادرة معادية للسامية في بعض الفضاءات، لكن الأمر لا يمكن أن يكون كذلك في كتالونيا، لا سيما مع وجود واحدة من المنظمات اليهودية القليلة في أوروبا؛ جمعية كتالونية تضم يهودا وفلسطينيين معا، وهي واحدة من الجمعيات الكتالونية التي تقف وراء الحملة لوقف العلاقات مع دولة إسرائيل، وقد جاء في بيان الجمعية الأخير: نحن، الأعضاء اليهود بالجمعية، واضحون في إعلان أن هذا ليس صراعًا بين شعبين أو ديانتين، بل إنه يرتبط باستعمار المستوطنات والاحتلال العسكري؛ ولهذا السبب لا نعترف بحق الدولة الصهيونية في التحدث نيابة عنا، ولا نيابة عن الأشخاص الذين يُعتبرون يهودًا بكل تنوعهم.

لوران كوهين عضو يهودي بالجمعية، ولد في فرنسا، وهو من أصل مصري؛ قررت عائلته الخروج من مصر بسبب التوتر الناشئ عن إقامة دولة إسرائيل. بالنسبة له، كان تاريخ العلاقة بين الجاليتين المسلمة واليهودية دائمًا سلميًّا تمامًا حتى الإنشاء، وأفضل بكثير مما هو مع المسيحية الأوروبية؛ أنشأ هو وأعضاء آخرون جمعيتهم في برشلونة، وكان دورها صغيرا، يفكر لوران بأن تسهم جمعيته في جعل برشلونة مكانا مميزا لنشاطات القضية الفلسطينية.

ولكن، يمكننا تفسير ذلك الدعم الكتالوني من خلال التاريخ الكفاحي الكتالوني، وقد قالت لنا أليس سامسون (عضو من الحملة في برشلونة) إن هذا الموقف ليس فريدا من نوعه في الدعم لفلسطين، بل ترى أن كتالونيا رغم الصراعات الاجتماعية تحمل -بشكل عام- الهم الفلسطيني، وتشهد هذه المنطقة نشاطا يعد جزءا من الحركة التقدمية والمناهضة للاستعمار.

منذ بدء الهجمات المستمرة على غزة، خرج آلاف الأشخاص في برشلونة إلى الشوارع للاحتجاج والمطالبة بقطع العلاقات مرة أخرى؛ فانتهى الأمر إلى بقبول حكومة البلدية لأنه مطلب الشعب الكتالوني

بعد بعض عقبات.. التضامن يقاوم

أدت جهود حملة التوقيعات لعام 2022 إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين العاصمة الكاتالونية وإسرائيل في فبراير، وهي خطوة وافقت عليها ريئسة البلدية اليسارية آدا كولاو؛ لكن الانتخابات البلدية، التي أدت إلى انتخاب ريئس من المحافظين، نتج عنها العودة عن القرار في 1 سبتمبر.

ومع ذلك، فمنذ بدء الهجمات المستمرة على غزة، خرج آلاف الأشخاص في برشلونة إلى الشوارع للاحتجاج والمطالبة بقطع العلاقات مرة أخرى؛ فانتهى الأمر إلى قبول حكومة البلدية مطلب الشعب الكتالوني، وفي 24 نوفمبر تم قطع العلاقات مرة أخرى، ما يدل على أن التضامن الكتالوني مع فلسطين لا يزال أقوى من أي وقت مضى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.