شعار قسم مدونات

المشروعية الإسرائيلية "القادوسية" في أزمة!

واصلت طائرات الجيش الإسرائيلي، فجر اليوم الأحد، قصف مخيمي "النصيرات" و"البريج" وسط قطاع غزة، ومدينة خان يونس جنوبي القطاع. مراسم صلاة الجنازة والتجهيز لدفن عدد من الشهداء في مستشفى شهداء الاقصى بدير البلح وسط قطاع غزة. ( Ashraf Amra - وكالة الأناضول )
جانب من ضحايا القصف الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة (وكالة الأناضول)

من أكثر ما يجعل دعم إسرائيل في الغرب بهذه بالقوة التي نراها اليوم هو طبيعته القادوسية. في الأساطير الإغريقية، القادوسيوس هي عصا الإله هرمس وهو أحد أبناء زيوس. تتميز هذه العصا بثعبانين ملتفين حولها ليجتمع رأسيهما في نهاية العصا.

الدعم لإسرائيل في الحزب الجمهوري الأمريكي المحافظ مثلا، يظهر إسرائيل على أنها امتداد للقيم الأمريكية الديمقراطية بمجابهة الإسلام المتطرف الذي يكره أمريكا.

القادوسية هنا تصف مسارين مختلفين للوصول الى النتيجة ذاتها. الثعبانان الملتفان على العصا قد يسلكان طرق مختلفة لكنهما في المحصلة يجتمعان على نفس العصا.

يمكن تبسيط التيارات السياسية في أمريكا (والى حد كبير، أوروبا أيضا) بتيارين: اليمين المحافظ واليسار الليبرالي. دعم إسرائيل قد يأخذ أشكالا مختلفة حسب التيار لكنه دائما يصل الى النتيجة ذاتها.

  • "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"

نرى الدعم لإسرائيل في الحزب الجمهوري الأمريكي المحافظ مثلا، يظهر إسرائيل على أنها امتداد للقيم الأمريكية الديمقراطية بمجابهة الإسلام المتطرف الذي يكره أمريكا. هنا تجد من يقول: إنه يجب دعم إسرائيل في الشرق الأوسط لمحاربة التطرف وإلا سنجد حركات الجهاد الإسلامي تهاجم أمريكا في دارها.

أصبحت القضية الفلسطينية ترى كقضية اضطهاد مشابهة لقضية السود في أميركا. قضية أخلاقية واضحة المعالم يتضح فيها من هو المضطهد ومن الذي يتم اضطهاده.

  • "معاداة السامية"

على الجهة المقابلة، في التيارات التقدمية اليسارية، يأخذ دعم إسرائيل شكلا آخر. هنا يظهر على شكل دعم للأقليات المضطهدة. دعم إسرائيل هنا مسؤولية أخلاقية إن لم تتبناها فأنت معاد للسامية.

بهذا نرى الطبيعة القادوسية. مسارين مختلفين لنتيجة واحدة.

في الأسابيع الماضية رأى العالم تغيرا واضحا في الدعم الجماهيري لإسرائيل. رأينا مئات الآلاف في شوارع لندن وواشنطن تدعم القضية الفلسطينية. رأينا تخبطا وانهيارا للرواية الإسرائيلية الرسمية. رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت صرح بأن إسرائيل "تخسر الحرب الإعلامية".

هذه التغيرات تأخذ شكلا قادوسيا أيضا. هناك جدل كبير يدور حاليا في الأوساط اليمينية الأميركية حول قضية معاداة بعض الجماعات السياسية اليهودية مثل الـ "ADL" للبيض الأوروبيين. حتى أن مالك منصة "X" أيلون ماسك غرد بدعمه لهذا الموقف المعادي لهذه الجماعات. أصبحت مهاجمة هذه المنظمات قضية يمينية قابلة للنقاش على الملأ بعد أن كان التحدث عن هذه القضايا شبه محرم.

على اليسار أيضا، أصبحت القضية الفلسطينية ترى كقضية اضطهاد مشابهة لقضية السود في أميركا. قضية أخلاقية واضحة المعالم يتضح فيها من هو المضطهِد ومن الذي يتم اضطهاده. قتل آلاف الأطفال أمام العالم لم يد مجال للشك عن أي من الأطراف أتحدث.

على الجانب اليساري، سيكون التعامل مع سقوط صورة إسرائيل بوصفها دولة أخلاقية ومحو صور الأطفال الضحايا من ذاكرة الليبراليين أصعب.

هنا أتكهن بأن الإعلام الإسرائيلي لن يبقى بنفس الوضعية. سيحتاج لتغيير استراتيجيته التي عملت لصالحه جيدا خلال العقود الماضية. حتما سنرى الكثير من التغيرات في الإعلام الغربي خلال الفترة المقبل.

مثلا، بينما كانت المنظمات اليهودية في الدول الغربية تتخذ موقفا معاديا للعنصرية (ظاهريا على الأقل) وتنادي بالتعددية العرقية في أوروبا وأميركا وترحب باللاجئين، سيصبح من المقبول أكثر إعلاميا وسياسيا مهاجمة هذا الطرح وسيزداد نبذ الأقليات العربية والمسلمة في الغرب. سنرى أيضا محاولات لدمج دعم إسرائيل مع أجندات الحركات الوطنية اليمينية المتطرفة التي تنادي بوقف هجرة اللاجئين.

على الجانب اليساري، سيكون التعامل مع سقوط صورة إسرائيل بوصفها دولة أخلاقية ومحو صور الأطفال الضحايا من ذاكرة الليبراليين أصعب. هنا سيتوجب عليهم التضحية بحزب الليكود ونتنياهو نفسه. بعد انتهاء الحرب، سيتم التخلص منه ووصفه باليميني المتطرف الذي شوه صورة إسرائيل. ستستخدم هذه الحجة لمحاولة بناء صورة لإسرائيل جديدة أخلاقية خرجت من سيطرة اليمينيين المتشددين. تماما كما تم وصم فوز بايدن بأنه "الرجوع الى الطبيعة" في الأوساط السياسية اليسارية بعد أربع سنوات من ظلام ترامب.

من الواضح أننا دخلنا عالما جديدا في هذه الحرب الإعلامية لكن هل ستستطيع الطبيعة القادوسية إعادتنا الى العالم القديم؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.