شعار قسم مدونات

الاحتلال الإسرائيلي.. والحق المزعوم في الدفاع عن النفس

GAZA STRIP, GAZA - OCTOBER 27: Smoke rises and billows in different regions of Gaza as the Israeli army conducts the most intense air attacks on the 21st day in Gaza Strip, Gaza on October 27, 2023. Due to Israel cutting off electricity and not allowing fuel supplies, Gaza was plunged into darkness, and the sky was frequently illuminated by the bombs being dropped by Israeli aircraft. (Photo by Ali Jadallah/Anadolu via Getty Images)
الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة (وكالة الأناضول)

منذ أن شنت حماس هجومها الكاسح يوم السابع من أكتوبر الماضي لا يزال المسؤولون الغربيون ولاسيما في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا يرددون حتى هذه اللحظة وبشكل مثير للغثيان بأن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها.

وقد وصل التبجح ببعضهم أنه يجيب بهذه الجملة حينما يسأل عن رأي بلاده في ما ترتكبه إسرائيل من مجازر ضد السكان المدنيين في غزة و ذلك في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني.

ومن المؤسف حقاً أن بعض القادة العرب ولاسيما في بداية الأزمة كان يصرح أيضاً على سبيل المجاراة للقادة الغربيين على ما يبدو بأن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها.

وأمام هذا الترديد لهذه المقولة لتبرير جرائم الإبادة التي ترتكب بحق الفلسطينيين في غزة لم يسأل الكثيرون أنفسهم إن كان لإسرائيل فعلاً هذا الحق حسب قواعد القانون الدولي.

الثابت حسب قواعد القانون الدولي هو أن للشعب الرازح تحت نيران الاحتلال الحق في المقاومة والدفاع عن نفسه بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الكفاح المسلح للتخلص من أسر الاحتلال

إن حق الدول في الدفاع عن نفسها هو مبدأ قانوني تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وهذا الحق يعد استثناءً من مبدأ قانوني آخر ألا وهو تحريم استخدام القوة المنصوص عليه في المادة 2، الفقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة. وطبقاً للمادة 51 تتمتع الدول بحق استخدام القوة للدفاع عن نفسها في حالة تعرضها لهجوم مسلح.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو عن مدى جواز استناد إسرائيل إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لتبرير حربها على قطاع غزة باعتبارها دفاعاً عن النفس كما تدعي.

إن الثابت حسب قواعد القانون الدولي هو أن للشعب الرازح تحت نيران الاحتلال الحق في المقاومة والدفاع عن نفسه بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الكفاح المسلح للتخلص من أسر الاحتلال، ذلك لأن الاحتلال يعتبر بمثابة عدوان مستمر وانتهاك لحق الشعب في تقرير مصيره، وبالتالي لا يجوز للمعتدي أن يدعي لنفسه الحق في الدفاع عن النفس في مواجهة المقاومة التي تتمتع أصلاً بهذا الحق.

وكانت محكمة العدل الدولية قد أكدت في رأيها الاستشاري الصادر عام 2004 حول شرعية الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية بأن إسرائيل باعتبارها قوة احتلال ليس لها الحق في الاستناد إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول اتخاذ إجراءات للدفاع عن نفسها عند تعرضها للعدوان.

وكانت إسرائيل قد زعمت أمام المحكمة الدولية بأن بنائها للجدار العازل يعد بمثابة إجراء ضروري يمليه الحق في الدفاع عن النفس لصد الهجمات المسلحة للمقاومة الفلسطينية التي وصفتها بالإرهابية مثلما هو ديدنها في توصيف المقاومة الفلسطينية.

إننا حتى لو سلمنا بوجود حق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها حسب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة مثلما تدعي وتؤيدها في ذلك بعض الدول الغربية، فإن ممارسة هذا الحق مقيد بمبدئي الضرورة والتناسب.

إسرائيل مارست طوال الأعوام الماضية السيطرة على المجال الجوي والمياه الإقليمية والمنافذ البرية والحدود الخاصة بالقطاع، وبالتالي أصبحت تتحكم في المؤن الغذائية والماء والكهرباء وأمور أخرى كثيرة متعلقة بالحياة في القطاع

إن انسحاب إسرائيل من داخل قطاع غزة عام 2005 لا يعني بالضرورة أن إسرائيل لم تعد دولة احتلال فيما يتعلق بالقطاع مثلما تزعم وتؤيدها في زعمها الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي تحللها من كافة المسؤوليات التي يمليها عليها القانون الدولي في هذا الصدد.

إننا لا ننكر أن إسرائيل من خلال انسحابها من داخل القطاع عام 2005 لم يكن لها في السنوات الماضية سيطرة فعلية على غزة من منظور تقليدي بسبب خروج قواتها من داخل القطاع.

بيد أن الأمر الواقع على الأرض دفع العديد من المنظمات والهيئات الدولية البارزة مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي والاتحاد الأوربي وغيرها من المنظمات والمؤسسات الدولية المعتبرة لأن ترى أن إسرائيل رغم انسحابها من داخل قطاع غزة عام 2005 ظلت تحتفظ من خلال الوسائل التكنولوجية الحديثة بالسيطرة المطلوبة على القطاع من خلال طرق عديدة طوال السنوات الماضية.

فإسرائيل مارست طوال الأعوام الماضية السيطرة على المجال الجوي والمياه الإقليمية والمنافذ البرية والحدود الخاصة بالقطاع، وبالتالي أصبحت تتحكم في المؤن الغذائية والماء والكهرباء وأمور أخرى كثيرة متعلقة بالحياة في القطاع، وهو ما جعل البعض يصف وضع غزة في السنوات الماضية بأنه أشبه بسجن مفتوح.

وبالتالي فإنها ظلت حسب هذا الواقع الفعلي قوة احتلال. وعليه فإن فرض إسرائيل الحصار على قطاع غزة يعد انتهاكاً لالتزاماتها حسب القانون الدولي الإنساني ولاسيما اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في الأراضي المحتلة والصادرة عام 1949. فالقانون الدولي يفرض على إسرائيل باعتبارها دولة احتلال مسؤوليات قانونية تجاه شعب غزة والتي من بينها توفير الخدمات الصحية وإمداد شعب القطاع بالمؤن الغذائية والضرورية لكي يبقى على قيد الحياة.

أفعال إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي لا تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني فحسب، لكنها تمثل أيضاً جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل وأيضاً جرائم إبادة جماعية طبقا للجنائية الدولية

إننا لو سلمنا بوجود حق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها حسب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة مثلما تدعي وتؤيدها في ذلك بعض الدول الغربية، فإن ممارسة هذا الحق مقيد بمبدئي الضرورة والتناسب. فمقدار استخدام القوة ينبغي أن يكون متناسباُ مع التهديد الذي يمثله الخصم وألا تزيد في مقدارها عما هو ضروري ومطلوب للتعامل مع التهديد للدفاع عن النفس.

وبالإضافة إلى ذلك فإن استخدام القوة ينبغي أن يتم في إطار الالتزام بالقواعد المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني. ومثلما ذكرت في مقال سابق فإن أفعال إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، تشرين الأول الماضي لا تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني فحسب، لكنها تمثل أيضاً جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل جرائم إبادة جماعية طبقاً للمادة الثامنة والسابعة والسادسة على التوالي من نظام المحكمة الجنائية الدولية.

وعليه فإن إسرائيل حسب قواعد القانون الدولي لا حق لها في الدفاع عن النفس باعتبارها قوة احتلال، وإننا حتى لو سلمنا مع القائلين بوجود هذا الحق لها، فإن الثابت قطعاً هو أن أفعالها قد تجاوزت حدود هذا الحق بعد أن استحالت ممارساتها إلى جرائم بعضها فوق بعض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.