شعار قسم مدونات

الثغور كثيرة.. فأين ثغرك؟!

محتجون يطالبون بوقف إطلاق نار فوري في غزة / لندن / بريطانيا / الجزيرة نت
في لندن محتجون يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار في غزة (الجزيرة)

الموت في الحرب فجيعة لكن الأصعب منه البقاء على رمق الحياة هناك في مخيمات اللجوء في ظل ظروف معيشية لا إنسانية، حيث لا مشافي لا دواء، إصابات خطيرة وإعاقات وتشوهات مستديمة، تجمعات مكتظة، نزوح جماعي، مصير مجهول، وعالم يتاجر بكل ما أوتي من جشع في مصير هؤلاء الكرام.

مكن نفسك وقوها وهيئ العدة لقابل الأيام فالنوازل كبيرة وكثيرة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف

"ولاد عالم وناس"

أكثر ما أفكر به وأتوجع منه هو مصير أهلنا الكرام الذين أخرجوا من ديارهم ظلما وعدوانا، كل واحد منهم فقد جنته الصغيرة التي كانت تؤويه، أسرة دافئة، أطفال يزينون حياته، أحلام مستقبلية بذل لأجلها ليالي طوالا وصبرا متواصلا وعملا مضنيا، كل ذلك حولته قذائف الحقد إلى حطام تناثر مع أحجار أرضنا الأبية، واليوم يبيتون في العراء كل يلملم جراحه، تفاصيل كثيرة ودقيقة واحتياجات عامة وخاصة، ضرورات سلبت منهم في رمشة عين، ودفعت بهم سيولا بشرية هربا من جحيم الحقد الذي ينزل حمما على بيوت المدنيين العزل.

لا مكان للعجز

تكوي مشاعرنا مشاهد الفجيعة؛ تصيبنا بالصدمة وتشعرنا بالضعف وتوحي لنا بالعجز والتكبيل، ورد عن سيدنا عمر ابن الخطاب قوله: (اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة)، السلبية والعجز لا مكان لها في قاموس المسلم الثقة، والموضع اليوم موضع عمل ونصرة لا موضع خور وحيرة، وقد يضيق الميدان ويستحيل في أرض الرباط لكن الميادين كثيرة والثغور مفتوحة، فكيف السبيل؟

عرف الشعوب الأخرى بما جرى ويجري لهم فللشعوب صيحة ترعب المجرمين وتهز عروشهم، وإن كثير من الناس مازالت على سجيتها الإنسانية ترفض الظلم وتستقبحه

وسائل النصرة

  • مكن نفسك وقوها وهيئ العدة لقابل الأيام فالنوازل كبيرة وكثيرة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، عليك بالتمكين المادي والمعنوي حتى تكون قادرا على نصرة غيرك ممن نزلت بهم نوازل الدهر فالضعيف لا يتنصر به.
  • اغرس ثمرك بأبنائك وربهم كما يحب الله ورسوله، وازرع فيهم هموم الأمة اجعل قضاياها حاضرة في وجدانهم وسلوكهم وأساسا لأحلامهم وآمالهم وطموحاتهم وعنوانا لمستقبلهم، وتخير لهم قدواتهم، فما أنت غير قادر عليه اليوم سيحققه أبناؤك من بعدك غدا.
  • واسهم وضمد جراحهم وقوّ عزيمتهم واشدد من أزرهم فمحنتهم عظيمة، وفيهم الضعيف والقوي، الشجاع والخائف، والمتقدم والمتأخر، التقي والعاصي، وابثث الأمل في من حولك وذكرهم إن تراخوا وثبتهم إن فتنوا وزلزلوا ويئسوا، وستجد طريقك لهم في مواقع التواصل التي شرفتنا بالاجتماع بهم.
  • عرف الشعوب الأخرى بما جرى ويجري لهم فللشعوب صيحة ترعب المجرمين وتهز عروشهم، وإن كثير من الناس مازالت على سجيتها الإنسانية ترفض الظلم وتستقبحه، وعدونا يتفنن في خداعهم والكذب عليهم، فإن كنت تجيد لغة أجنبية فمسؤوليتك مضاعفة؛ كن صوت من لا صوت له، وإلا فاستعن ببرامج الذكاء الاصطناعي اللغوية ففيها ما يغني، وخاطب الناس على قدر عقولهم وموقعهم بين الأمم، وافهم قبل ذلك تاريخهم وطباعهم حتى يكون لصوتك وقع يرن في ضمائرهم.
  • قاطع كل من ساند الطغاة ولو بكلمة، ووطن نفسك وأهلك على الترك والتخلي والاكتفاء بأقل القليل، حرر نفسك من أحمال كبلتك وكن خفيف الاحتياج قليل التعلق.

ساندهم بما استطعت من بذل وعطاء ولا تستصغر في ذلك نفقة أو وقتا فكرة أو مجهودا ولو أن كل منا قدم قطرة لنزل المطر سيولا مباركة.

  • لا تترك وسيلة سلمية ممكنة إلا وشاغب فيها؛ تظاهر لأجلهم، ارفع صورهم، غنّ أمجادهم امدح فعلهم، ذم شائنهم، عكر على داعميهم واعتصم في مقراتهم، عطل بسلوكك السلمي البسيط اشغالهم، عرقل بقعودك أو وقوفك أو تسمرك مصالحهم.
  • استنفر طاقاتك وامكاناتك، ومحور اهتماماتك، واحشد تفكيرك حولهم، فواجب الوقت لا يتسع لغيرهم، إلا ما افترضه الله تعالى علينا مما لابد منه، املأ الدنيا ضجيجا عنهم في مواقع التواصل ومع الناس من حولك.
  • ساندهم بما استطعت من بذل وعطاء ولا تستصغر في ذلك نفقة أو وقتا فكرة أو مجهودا ولو أن كلا منا قدم قطرة لنزل المطر سيولا مباركة.
  • ادع لهم بذل وضراعة دعاء من انقطعت به السبل وأغلقت بوجهه الأبواب فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل).
  • تعلم منهم دروس العز والإباء، وتشرب من فعالهم معاني الكرامة والصمود، وانثر هذه المعاني والعبر بشتى الطرق والوسائل في محيطك الذي تصل إليه فرب مبلغ أوعى من سامع.
  • لا تنس أن معركتك الأهم مع الطغاة فهم شرط الغزاة ومطيتها، فأقلق راحتهم وعكر صفوهم وأدم ذعرهم.

وإن هذا ليس إلا غيض من فيض، وما ترك ذكره أكثر مما قيل، فأبواب الخير لا تنقطع وإبداع المنشغلين لا حد له، وتضحيات الصادقين لا يعرف أكثرها إلا الله تعالى، والحراك على الأرض أسمى وأرفع وأضر وأشد وطأة وأكبر أثرا، ولنتذكر أن ما نفعله إنما نقدمه لأنفسنا، نصرة كان أو خذلانا، وأن الذي تفضل علينا بالنعيم سيحاسبنا على التخاذل والتقصير (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) (التكاثر 8).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.