شعار قسم مدونات

عن الكريمات المرطبة الزائفة وآثارها الجانبية

المرضى الذين وصفت لهم الستيروئيدات علاجا واستفادوا منها قد يعودون لاستعمالها دون مراجعة الطبيب بطريقة خاطئة وهذا ما يؤدي إلى الكوارث (بيكسابي)

بوجه محمر وعينين مطرقتين دخلت الفتاة إلى العيادة مع والدتها، كانت صغيرة لا تتجاوز الخامسة عشرة وتبدو شديدة الخجل. لم تتفوه بكلمة بعد ما سألتها عن سبب زيارتها للعيادة، أمها هي التي باشرت الإجابة فأوضحت أن ابنتها تعاني من احمرار مزمن في الوجه وأنه يبدو جافاً على الدوام مع تقشر وخطوط حمراء على الخدين، تزداد الأعراض عند تعرض الفتاة لأجواء حارة جداً أو باردة جداً، وكذلك عند تناول مأكولات تحتوي على الكثير من التوابل، أو عند التعرض لأشعة الشمس.

كل هذه الأعراض تتوافق مع داء الوردية على الرغم من أنه نادراً ما يصيب الأطفال بهذه الأعمار. سألت الأم عن كيفية تدبيرها للحالة خلال الفترة السابقة وما الذي استعملته من علاجات فقالت لي "بس كريم مرطب" سألتها عن اسم الكريم فقالت "ديرموڤيت"، لم أستطع كتمان الابتسامة وأنا أردد خلفها باستغراب "ديرموڤيت؟!". الديرموڤيت هو اسم تجاري شائع لمادة الكلوبيتازول وهي تعتبر من أقوى الستيروئيدات الموضعية (الكورتيزون) تأثيراً، وهو بالتأكيد ليس مجرد كريم مرطب بريء.

منذ بدايات القرن التاسع عشر قام العلماء بدراسة وظائف الغدة الكظرية، وفي ذلك الوقت اكتشف عالم إنجليزي يدعى توماس أديسون (ليس مخترع المصباح الكهربائي) مرضاً قاتلاً يحصل نتيجة لأذية في هذه الغدد تؤدي إلى انتاج غير كاف من الكورتيزون. وفي عام 1896 وجد ويليام أوسلر أنه بالإمكان علاج هذا المرض بخلاصات غدد كظرية حيوانية.

في عام 1933 عولج لأول مرة مريض يعاني من التهاب المفاصل الروماتيزمي بخلاصة الكورتيزون مما أدى لتحسن واضح في صحته. وفي عام 1950 بدأت إمكانات الستيروئيدات بعلاج طيف واسع من الأمراض؛ بالتوضيح أكثر فأكثر (الربو، الأكزيما، داء النفاخ الرئوي المزمن، النقرس، الذئبة، أمراض الأمعاء الالتهابية، التصلب المتعدد وغيرها)، مما أدى بدوره لظهور عدد كبير من الآثار الجانبية التي سأحاول الإحاطة بها في السطور القادمة.

كثيراً ما أصادف سوءً في استعمال الستيروئيدات الموضعية في العيادة نظراً ربما لسهولة وصول المرضى إليها لأنها يمكن أن تباع في الصيدليات بدون وصفة طبية

إن إمكانية حصول أعراض جانبية لاستعمال الستيروئيدات تعتمد على عوامل عديدة منها:

  • نوع الستيروئيد: الذي تتناوله فالشكل الفموي يؤدي إلى آثار جانبية بنسبة أكبر؛ فالجرعة: كلما زادت كلما زادت الآثار الجانبية.
  • طول فترة العلاج: حيث تزداد إمكانية حصول الآثار الجانبية إذا ما زادت مدة العلاج عن ثلاثة أسابيع.
  • العمر: إذ إنّ الأطفال وكبار السن أكثر عرضة للإصابة.

وفيما يلي سوف أعرض أهم التأثيرات الجانبية المصاحبة لاستعمال الستيروئيدات تبعاً لطريقة استعمالها (موضعية، استنشاقيه، فموية) مع التركيز على النوع الموضعي بما أنها أكثر ما أشاهده في العيادة.

التأثيرات الجانبية للستيروئيدات الموضعية

كثيراً ما أصادف سوءا في استعمال الستيروئيدات الموضعية في العيادة نظراً ربما لسهولة وصول المرضى إليها لأنها يمكن أن تباع في الصيدليات بدون وصفة طبية، ولأن الصيادلة يستسهلون إعطاءها لأي مريض يراجعهم في الصيدلية ويطلب منهم علاجاً لآفة جلدية ما، إلى جانب أن المرضى الذين وصفت لهم الستيروئيدات علاجا واستفادوا منها قد يعودون لاستعمالها دون مراجعة الطبيب بطريقة خاطئة وهذا ما يؤدي إلى الكوارث التي نراها في العيادة.

من أهم الاثار الجانبية ترقق الجلد حيث يبدو وكأنه لشخص متقدم في العمر وينجم ذلك عن تثبيط الستيروئيدات لانقسام خلايا الجلد بالإضافة لخفض وتيرة إنتاج الكولاجين في الجلد، وهذا بدوره قد يؤدي أيضاً للتشققات الجلدية.

يمكن أيضاً أن نلاحظ شعرانية زائدة في المناطق التي طُبق عليها الدواء لفترات طويلة وحتى ظهور للشعر في أماكن لا يظهر بها عادة كالوجه وظهر القدمين واليدين عند النساء.

قد يظهر أيضاً حبوب شبيهة بحب الشباب ولكنها تكون متماثلة بالشكل والحجم عادة، ومن الاثار الأخرى (الوردية، التهاب جلد ما حول الفم، وتأخر في شفاء الجروح وزيادة في إمكانية انتانات الجلد).

يجب ترشيد استعمال الستيروئيدات وزيادة الوعي بآثارها الجانبية المترتبة على الاستعمال الخاطئ لها، مع التنبيه الدائم للمرضى بالالتزام بتعليمات الطبيب.

الأعراض الجانبية للستيروئيدات الاستنشاقية

في الجرعات العادية نادرا ما تؤدي إلى أية أعراض ولكن بالجرعات المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى:

  • قلاعات في الفم.
  • رعاف بسيط.
  • صعوبات في الكلام أو صوت خشن.
  • سعال.
  • سلاق فموي (فطور).
  • قد تزيد أيضا نسبة حدوث الانتانات الرئوية عند من يستعملها من مرضى النفاخ الرئوي المزمن.

الآثار الجانبية للستيروئيدات الفموية

إذا اخذت لمدة تزيد عن الثلاث أسابيع يمكن أن تسبب :

  • زيادة الشهية.
  • حب شباب.
  • تقلبات سريعة في المزاج.
  • تكدم الجلد بسهولة.
  • ضعف في العضلات.
  • تأخر في شفاء الجروح.
  • متلازمة كوشينغ (تجمع للدهون في الوجه والجذع، تشققات جلدية ارجوانية، حب شباب).
  • ترقق عظام.
  • سكري.
  • ارتفاع في ضغط الدم.
  • ساد أو زرق.
  • قرحات معدية.
  • اكتئاب، تفكير بالانتحار، قلق، هلوسات.
  • زيادة إمكانية الإصابة ببعض الانتانات مثل الجدري، الحصبة.
  • نقص في النمو عند الأطفال.

نهايةً بالطبع كوني طبيبة جلدية لا يمكنني شيطنة الستيروئيدات سواء كانت موضعية أو جهازية، إنها الخط الأول في علاج الكثير من الأمراض الجلدية، ولكن يجب ترشيد استعمالها وزيادة الوعي بآثارها الجانبية المترتبة على الاستعمال الخاطئ لها، مع التنبيه الدائم للمرضى بالالتزام بتعليمات الطبيب في العلاج ودمتم سالمين..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.