شعار قسم مدونات

تَمظهرات نضالات المغاربة مع فلسطين في القرن العشرين

/ قيادات من مختلف التوجهات الفكرية بالمغرب تتحد في مسيرة الرباط دعما لطوفان الأقصى/ مصدر الصورة: الجزيرة نت
قيادات من مختلف التوجهات الفكرية بالمغرب تتحد مع الجماهير في مسيرة الرباط دعما لطوفان الأقصى (الجزيرة)

تعرض المغرب لأصناف من الاحتلالات الأجنبية، من مرحلة ما قبل الميلاد وإلى القرن العشرين، واجهها المغاربة بصمود وإرادة وعزيمة على الاستقلال، واستعانوا بدولهم العظيمة، المرابطية والموحدية والمرينية والسعدية والعلوية بصد تطلعات الأجانب صوب بلادهم، فحق للشعب المغربي أن يوصف بالشعب المقاوم، وأن توصف دوله بالدول الـمجاهدة.

وفي السياق المعاصر؛ تزامن الاحتلال الفرنسي والإسباني للمغرب مع تزايد الأطماع الصهيونية في فلسطين، حيث صدر وعد بلفور بعد خمس سنوات فقط من معاهدة الحماية 1912، لذا كانت الأوضاع واحدة والمعركة واحدة والمصير واحد، ونشأت من ثم علائق قوية ومتينة بين فلسطين والمغرب طيلة القرن العشرين، بنت على ما كان من سالف العلاقات وأواصر المحبة والتعاون منذ زمان بعيد. نستحضر في الجزء الأول من هذا المقال؛ محطات بارزة وناصعة لمظاهر التضامن والإسناد الشعبي والمدني والطلابي المغربي، عبر مسار تاريخي – تركيبي ينطلق من عصر الانتداب البريطاني على فلسطين إلى نهاية القرن العشرين.

 

تزايد اهتمام المغاربة بهذه القضية لا سيما بعد اندلاع أحداث "حائط البراق"، وما واكبها من مواجهات عنيفة بين المسلمين واليهود في القدس (أغسطس 1929)

مظاهر التضامن والتآزر الشعبي

تفتح وعي المغاربة إزاء مخاطر الاحتلال البريطاني لبلاد الشام مبكرا، فـساهموا في تعزيز ارتباط شبابهم وبنيهم بأرض فلسطين التي هي سرة أرض الشام، وترافعوا بمختلف الأشكال التي كانت بين أيديهم أو قادتهم إليها أفكارهم، ونرصد ذلك موثقا في الآتي:

  • الترافع الدبلوماسي والنضال الثقافي والدعم المادي:

كانت أولى مؤشرات وعي الحركة الوطنية المغربية بقضايا المشرق العربي في إرسال وفود طلابية إلى فلسطين، و"كان وراء توجيه بعثة تعليمية إلى نابلس بفلسطين في أكتوبر، تشرين الأول 1928″ السيد عبد السلام بنونة، كانت أغلبها من تطوان "تلقحت بأفراد من المنطقة السلطانية (..) تتألف من تلامذة الثانوي" بهدف الدراسة في مدرسة النجاح _ التي أضحت اليوم جامعة _ وقد استمرت "أفواج الطلبة المغاربة تأتي تـباعا إلى مدرسة النجاح حتى العام 1935″، كما كان السيد بنونة وراء مشاركة المغرب في "المؤتمر الإسلامي العام في القدس في ديسمبر، كانون الأول 1931".

واحتضنت مدينة طنجة فعاليات تنظيم مسرحية بعنوان "صلاح الدين الأيوبي" بمسرح سرفانطيس، وقد "توجه لحضورها من تطوان ما يزيد على 250 شخصا"، وفي 18 مارس، آذار 1929، "أعيد تمثيل رواية صلاح الدين الأيوبي بثغر طنجة، وحضرها ما يزيد عن 300 شخص من تطوان".

تزايد اهتمام المغاربة بهذه القضية لا سيما بعد اندلاع أحداث "حائط البراق"، وما واكبها من مواجهات عنيفة بين المسلمين واليهود في القدس (أغسطس، آب 1929)، تابعها المغاربة عبر قصاصات الجرائد الوطنية والدولية الصادرة آنذاك بالمغرب. وقام أهل فاس بتأطير من شباب الحركة الوطنية بإعداد عريضة احتجاجية ضد الأعمال العدوانية في الأقصى، ورفعوها إلى ممثل بريطانيا في طنجة السيد ماكدونالد بوساطة باشا مدينة فاس، عبروا فيها عن "سخط تام على السياسة الإنجليزية". وأكدت الصحافة الفرنسية أن العريضة "غطتها آلاف الإمضاءات المطلوبة من المسلمين بدون استثناء". ثم سلمت نسخة مصورة من العريضة في صيف 1929 لـمفتي فلسطين السيد أمين الحسيني أثناء زيارة لباريس وفق شهادة الأستاذ المرحوم محمد الفاسي.

عندما عزمت الإدارة الاستعمارية لفلسطين سنة 1937 على تقسيمها بين الإنجليز والعرب والشتات اليهودي الأجنبي؛ عقدت في المغرب سلسلة تجمعات بالمساجد، وإلقاء خطب وإرسال برقيات تضامن واستنكار، وجمع التبرعات، وتأسيس اللجنة القومية للدفاع عن فلسطين برئاسة الحاج الفاطمي الشراكسي في مدينة الجديدة

سنوات قليلة بعد هذا الحادث؛ بادر سكان مدينة سلا بتأطير من خلايا الحركة الوطنية إلى إصدار عريضة تضامنية مع الشعب الفلسطيني وجهوها إلى رئيس مكتب المؤتمر الإسلامي الدائم بالقدس، أكدوا فيها تلبية نداء الأخوة الإسلامية، وأخبروه فيها أن المغاربة أدوا صلاة الغائب ترحما على أرواح شهداء القدس الذين قضوا في مظاهرات 1933.

وفي سنة 1933 قامت جماعة تحت مسمى "لجنة الدفاع عن فلسطين الـمقدسة" بمدينة طنجة وأعدت لائحة لــ"متبرعين لفلسطين"، وفي العام الموالي، أرسل الوطنيون المغاربة احتجاجا مكتوبا إلى القنصل البريطاني بالمغرب أكدوا فيه رفضهم للسياسة البريطانية في فلسطين ووعد بلفور.

أرسل حوالي 60 شخصا من مدينة سلا عريضة احتجاجية سنة 1936 إلى القنصل العام الإنجليزي في الرباط طالبوا فيها بتوقيف الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، ورفض المآسي والفظائع النازلة بالفلسطينيين، وتساءلوا عن مصير "بلاد نقدسها بل نفديها بأرواحنا". وحاولوا  إرسال عريضة إلى وزارة الخارجية البريطانية بلندن، للتعبير عن استنكارهم لسياسة إنجلترا بصفتها قوة الانتداب المكلفة بإدارة فلسطين باسم عصبة الأمم".

وبالدعم العيني والمالي لم يبخل المغاربة على أشقائهم الفلسطينيين؛ نطالع هذا في شهادة للضابط المغربي المقاوم المرحوم الهاشمي الطود يقول فيها "لا زلت أذكر حملة جمع التبرعات للمجاهدين الفلسطينيين سنة 1937 في القصر الكبير، تلك الحملة التي تـجـندت لها القيادات الوطنية وعلى رأسها الأستاذ عبد الخالق الطريس، والتي كان لها صدى تعبويا عميقا، وبالنسبة لي شخصيا غيرت مجرى حياتي، فقد شاركت مع شباب المدينة في جمع التبرعات، وأصبح لي منذ ذلك التاريخ قضية؛ هي قضية فلسطين".

وعندما عزمت الإدارة الاستعمارية لفلسطين سنة 1937 تقسيمها بين الإنجليز والعرب والشتات اليهودي الأجنبي؛ عقدت في المغرب سلسلة تجمعات بالمساجد، وإلقاء خطب وإرسال برقيات تضامن واستنكار، وجمع التبرعات، وتأسيس "اللجنة القومية للدفاع عن فلسطين برئاسة الحاج الفاطمي الشراكسي في مدينة الجديدة". وفي مدن فاس، الرباط، الدار البيضاء؛ عقدت اجتماعات عمومية بالمساجد، تليت أثنائها سورة الإسراء، ودعا الناس مع الشهداء والمجاهدين في الثروة الفلسطينية.

بدورهم تقدم طلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمقرر حول فلسطين في مؤتمرهم 13 المنعقد سنة 1969، عبروا في بيان المؤتمر الوطني الثالث عشر على "الترابط المصيري بين الإمبريالية والصهيونية، مما يحتم ربط النضال ضد إسرائيل بالنضال ضد الإمبريالية، واعتبر أن القضية الفلسطينية قضية وطنية".

ثم جاءت المسيرة الخضراء في نوفمبر، تشرين الثاني 1975؛ ورفع المغاربة فيها لافتات حملت عبارات "مسيرة الصحراء؛ بداية المسيرة لتحرير القدس"، للتأكيد على عمق ومتانة الروابط بين الشعبين.

اتضح الدعم الشعبي في سنة 1968، عندما تـم تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني من طرف مجموعة من الوطنيين الذين ينتمون لمختلف الوظائف والقطاعات والتوجهات، وتـم الشروع في تنظيم أول حملة عمومية لجمع الدعم والاحتياجات دامت ثلاثة أشهر خلال سنة 1970

  • الإسهام النضالي في الكفاح المسلح:

بعيد صدور قرار مجلس الأمن الذي قضى بتقسيم فلسطين بتاريخ 29 نوفمبر 1947؛ وجه الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي نداء دعا فيه العرب والمسلمين للجهاد ورد العدوان الصهيوني الغاشم على الأراضي المقدسة. فتطوع المغاربة في الجهد الكفاحي من أجل تحرير فلسطين في جميع الميادين السياسية والمالية والاجتماعية، وحتى في الميدان؛ وذلك بالعمل المسلح والمقاومة، حيث شارك حوالي "أحد عشر مجاهدا" من بينهم: عبد السلام الطود من القصر الكبير، محمد بن صبيح من تطوان، عبد الكريم الفيلالي من مكناس، الحاج محمد البرنوصي من مكناس أيضا، قاتلوا "أول الأمر في موقع البـريج جنوبي غزة، حيث واجهت وحدتنا في أكثر من موقعة عصابات الهاغانا بقيادة الإرهابي مناحيم بيغن، وعصابات إرغون تسفاي لومي بقيادة الإرهابي إسحاق شامير. ثم تقدمت الوحدة داخل التراب الفلسطيني حتى مدينة غزة حيث مكثت لمدة خمسة عشر يوما (..) لتستقر بعد ذلك في مثلث أسدود-عسقلان-بربرة، على مسافة 36 كيلمترا جنوب تل أبيب"، وكان هذا في يناير من العام 1948.

كما اتضح الدعم الشعبي في سنة 1968، عندما تـم تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني من طرف مجموعة من الوطنيين الذين ينتمون لمختلف الوظائف والقطاعات والتوجهات، وتـم الشروع في تنظيم أول حملة عمومية لجمع الدعم والاحتياجات دامت ثلاثة أشهر خلال سنة 1970، سارع فيها المغاربة إلى تقديم الأغطية ومختلف أنواع الـملابس الصوفية للثوار الفلسطينيين، وتسابقت النساء الـمغربيات في صنع الـمعاطف الصوفية لهم بأيـديـهن، وأسهمت هذه الحملة بجمع 260 ألف درهم، و20 سيارة من نوع جيب، و4 سيارات كبيرة".

هذه عينة من مظاهر التآزر والتضامن والتلاحم الـمجتمعي التي عبرت عنها أطياف المجتمع المغربي مع الفلسطينيين من لدن عهد الاحتلال البريطاني إلى مرحلة التآمر الصهيوني فالاستيطان الغاشم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.