شعار قسم مدونات

بين نضال الأجداد ووعي الأحفاد.. قصة جيل يحمل القضية في قلبه

المسيرة التضامنية في تونس مع الشعب الفلسطيني
مسيرة تضامنية في تونس مع الشعب الفلسطيني (الجزيرة)

الحرية لا تُمنح على أطباق من ذهب.. لقد ولدنا جيلا بعد جيل نعلم الحق ونعرف أصحابه علم اليقين ولقد انتصرنا مرات ومرات قبل نصر التحرير، زارنا الموت بكل أشكاله، وودعنا من يعز علينا وداعهم دون وداع، صمودنا وثباتنا هذا يُدَرَس، سوف نكون، سوف ننتصر، سوف لن نُهزم!

الحرية ثمنها غال، الحرية لا تُمنح على أطباق من ذهب، يدفع اليوم أهالينا في فلسطين وغزة ثمنها أرواحا طاهرة، ويودعون أولادهم من المهد إلى اللحد، أطفال أعمارهم أيام، يودعونهم بكل قناعة ورضاء بقضاء الله وقدره، فيمنحوننا بذلك درسا لا ينسى في الصبر والصمود.

الحق يبقى قائما ما دام هناك من يؤمن به ويحفظه، ويسعى بكل الطرق لاسترداده، فلا يضيع حق وراءه مطالب.

طوفان الأقصى.. تكشف عن جيل صاعد واعد

جالسة أتابع الاخبار التي تشغل الجميع منذ يوم اندلاع معركة طوفان الأقصى الأخيرة، حين قاطعني ابن خالتي الذي لا يتجاوز عمره سبع سنوات، ليعرض علي مقطع فيديو من تلقاء نفسه، ويشرحه لي بتأثر كبير "هذا علم فلسطين" مشيرا إليه.. ويضيف "إسرائيل تقتل الأطفال الصغار!" هنا ذُهلت وفرِحت في الآن ذاته، وسارعت الى ذهني حينها العبارة التي قالتها جولدا مائير، رئيسة وزراء الحكومة الإسرائيلية السابقة، "الكبار يموتون والصغار ينسون" هذه الجملة منذ عقود، تثبت كل يوم فشلها بشكل ذريع. فقد رحلت أجيال عديدة، مات الأجداد، ولكن لم يتخل الأحفاد عن الذاكرة.

هل نسينا، لا لم ننس، وهل نسي أولادنا، لا والله لم ولن ينسوا. هذا الحق لنا طال الزمان أو قصر، وأدركت حينها أننا حقا انتصرنا، وأننا توارثنا الحق الفلسطيني وحفظناه، وبهذا نحن أقرب للتحرير من أي وقت مضى. فالحق لا يزول بمرور الزمان ولا يسقط بالخذلان، ولا بالرضوخ، ولا بالاستسلام ولا بزيف معاهدات السلام. الحق يبقى قائما مادام هناك من يؤمن به ويحفظه، ويسعى بكل الطرق لاسترداده. "فلا يضيع حق وراءه مطالب".

طلبة الجامعات التونسية مع القضية

يوم الأربعاء الماضي، كنت جزءًا من فعالية إنسانية تطوعية تهدف إلى دعم الشعب الفلسطيني الصامد، وهي ليست الأولى فقد شاركت في العشرات في هذه الأيام القليلة. كانت فعالية مكللة بالنجاح غمرتني فيها مشاعر الفخر والأمل، وخلعت عني ثوب اليأس الذي لا ألبسه إلا أحيانا عندما تتكرر أمامي مشاهد الموت المريعة، وأنا أكره الإحباط وأحب أن أتفاءل خيرا دائما وأبدا.

"العدو قد أدرك أن زواله سيكون بسبب الوعي والمعرفة وأنه لن ينال ما يريد طالما هناك أصوات تصدح بالحق، لذلك أحب أن أذكركم دائما أن هناك أبرياء وأطفال ونساء وعَجَزة عزل، الآن تتم إبادتهم بدم بارد وسط سكوت مخز، على الأقل اكتبوا وانشروا لا تتوقفوا! صوتكم عال! أنا أسمعه! هذا صوت الحق، الصوت الذي يزعجهم هذا الصوت الذي يجب ان يملأ الشوارع"

رغم كل الظلمات وظلام الأعوام الأخيرة وُلد جيل أفكاره من نور، ومعارفه كبيرة، وإيمانه بحقه إيمان راسخ تؤكده لنا الشدائد.

سندخلها محررين.. يقول الجد نقلا عن حفيده

وأنا في طريق العودة، بعد أن كنت قد أشرت في مداخلتي في فعالية في جامعة منوبة عن موضوع انبهاري بأن الجيل الصاعد جيل مثقف وواع، استوقفني نداء أحد الحضور لي، رجل ذو هيبة ووقار وبعد إلقاء التحية والثناء على أدائي أخبرني أن مسألة وعي أولادنا بما يجري في فلسطين ليست بالجديدة فحفيده البالغ من العمر ثلاث سنوات يقول في فيديو شاهدته وإياه مرتين متتاليتين، فيه يعرض الصغير الزيت والزيتون والزعتر: إنها كلها من فلسطين إأنه قد زار مسجد قبة الصخرة، وقد صلى في الأقصى، تسأله والدته: "وهل تحب أن تعود لفلسطين؟ فيقول: "سنصلي في الأقصى صلاة التحرير"..

ولادة جيل واع قادر على التغيير

هذا الجيل الذي حاولوا تغييبه، وتشتيته بجعل قضايا الأمة مجرد "ترند" وبتسليط الضوء على المؤثرين والناشطين "التافهين"، محدودي الفكر ومنعدمي الإبداع، أولئك المجردون من كل القيم والمبادئ، وعملوا على قمع حرية التعبير وقاموا بتكميم أفواه المعارضين، وناشري الفكر التوعوي والتنويري، وضيقوا بشتى الطرق على أصوات الحق والمبدعين الحقيقيين.. رغم كل الظلمات وظلام الأعوام الأخيرة وُلد جيل أفكاره من نور، ومعارفه كبيرة، وإيمانه بحقه إيمان راسخ تؤكده لنا الشدائد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.