شعار قسم مدونات

نظارة عمر المختار وكرسي أحمد ياسين

عمر المختار.. أسد الصحراء الذي هزت هيبته الاحتلال الإيطالي المصدر: الجزيرة الوثائقية
إعدام عمر المختار لن ينهي القضية ولن يكبح الثورة (الجزيرة)

في لحظة ما ومكان ما حيث أسدلت علينا الليلة الصيفية بسكونها، وتحلقنا حول التلفاز مع الأسرة أشاهد بشغف برنامج "إذا غنى القمر" على التلفزيون السوري والذي يقدمه الإعلامي الكبير مروان الصواف. بصوته الساحر، وارتجاله العفوي وروحه الدفاقة وإيحائه الأخاذ؛ بدأ حديثه عن الفيلم السينمائي الكلاسيكي أسد الصحراء "عمر المختار"، الذي قدم فيه الممثل الفنان أنطوني كوين شخصية البطل الليبي عمر المختار.

كان الصواف يتوقف ليعلق عند لحظة مؤثرة من الفيلم، تلك التي تصور مشهد تنفيذ حكم الإعدام على عمر المختار. الحلبة معدة بعناية، والحرس متجمع حول المنصة الخشبية، وبنادقهم مسددة إلى الناس الذين يشاهدون.

النظارة التي وضعها الطفل على وجهه عندما كان في حلقة القرآن عند عمر المختار ليست مجرد نظارات من معدن وزجاج، بل هي رمز للصمود والكرامة وروح المقاومة.

في هذه اللحظة القاسية على الحضور الذي يتأهب لتوديع القائد الذي دوخ إيطاليا الموسولينية، يدفع كرسي الإعدام من تحت أقدام عمر المختار بصمت عظيم، وتسقط نظاراته التي كان يستعين بها على قراءة القرآن أرضاً ويكسر الصمت أصوات التكبير التي تختلط بالزغاريد وهم يحاولون كسر الطوق العسكري للوصول إلى جثمان عمر المختار.

ولكن هنا، في هذا المشهد البارز الذي أبدع فيه المخرج الرائع مصطفى العقاد، يكمن المعنى الرمزي العميق. إن النظارة التي وضعها الطفل على وجهه عندما كان في حلقة القرآن عند عمر المختار ليست مجرد نظارات من معدن وزجاج، بل هي رمز للصمود والكرامة وروح المقاومة.

إنها رمز لأمل لا ينتهي، وحلم لا يموت، ونضال لا ينتهي وكأني بالطفل الذي كان يحضر حلقات القرآن عند عمر المختار يتلمس طريقه من هذه النظارة ويحيلها بوصلة ليهتدي بها.

ما يميز هذا المشهد وتعليق الصواف هو الرسالة الرمزية العميقة التي يحملها. يرسم المشهد لوحة بديعة تُظهر أن إعدام عمر المختار لن ينهي القضية، ولن يكبح الثورة. هناك أطفال صغار كانوا يحضرون تلك اللحظة المؤلمة، ومنهم طفل صغير انفصل عن حشود الناس ليتجاوز الزحام ويلتقط تلك النظارات اللامعة ويضعها على عينيه، لم ينشغل باستشهاد المختار بقدر ما كان مشغولا بطريقه ونهجه.

هذا المشهد المؤثر لا يمر مرور الكرام، بل يحمل في طياته رسالة قوية وجسدية. إنه يؤكد أن رمز النظارات هو رمز للاستمرارية والتحدي والمضي قدمًا، بغض النظر عن الصعوبات والتحديات. إنه رمز للأمل الذي لا ينقطع، والإصرار على تحقيق الحق والعدل.

النظارات التي انزلقت من عيني عمر المختار ويرمقها ذلك الطفل بعينيه من بعيد؛ تمثل وعدًا بالنصر. وعندما تراها أمه تُلبسه إياها، تشير إلى أن القضية مستمرة، وأن الحق سيظل دائمًا عزيزًا. إنها تذكير بأن الظلم لا يدوم، وأن الحرية ستبزغ أخيرًا.

هذا الرمز، هذه النظارات الصغيرة، هي رسالة للأجيال القادمة. إنها تطلق الدعوة لهم ليستلهموا من رمز النظارات وروح الصمود والمقاومة. إنها تحفزهم على مواصلة مسار النضال وعدم الاستسلام أبدًا للظلم والاستبداد.

هذه النظارات تجعلنا نفهم أن قضية الحرية والكرامة قضية لا تقتصر على زمان ومكان معين، بل هي قضية تجاوزت الزمن وتركت أثرًا عميقًا في نفوس الأجيال.

في هذه اللحظة الفنية، دعوة بليغة لنكون جزءًا من مسيرة النضال والتغيير، وأن نسهم في بناء عالم يسوده السلام والعدل والحرية. نتذكر دائمًا أن هذه النظارات تمثل نورًا يشع في الظلمة، وأنها رمز لعزم لا ينقطع وثبات لا يتزعزع.

في هذه اللحظة من الزمن الصعبة والمعقدة التي تمر بها سورية وفلسطين وغزة، يُظهر المشهد الذي تمثله تلك النظارات لنا الطريق إلى الأمام. إنها تُشير إلى أهمية الاستمرار في النضال من أجل العدالة والحرية، وتذكيرنا بأنه حتى في أصعب اللحظات يجب أن نحتفظ بأمل لا ينقطع وأن الشهادة في عمق فلسفتها هي استمرار للحياة بطريقة مختلفة وليس موتاً وفناء مجانياً بدون رسالة ولا غاية.

إن هذه النظارات تجعلنا نفهم أن قضية الحرية والكرامة هي قضية لا تقتصر على زمان ومكان معين، بل هي قضية تجاوزت الزمن وتركت أثرًا عميقًا في نفوس الأجيال. إنها رمز للمقاومة الإنسانية والتصميم على تحقيق التغيير كما قال عمر المختار للمستعمر الإيطالي عليكم أن تقاتلوا أجيلاً من بعدي.

لذلك، دعونا نحمل هذه الرسالة الرمزية إضافة لكل الصور الرمزية الأخرى التي عادت إلى ذاكرتي يوم أن شاهدت كرسي الشيخ أحمد ياسين بعد استشهاده صامداً لم يتأثر من قصف الاحتلال الإسرائيلي بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين باعثاً برسالته لأجيال المقاومة أن الشيخ العاجز الذي عذره الله تعالى عن الجهاد والكفاح ثاوياً على كرسيه المتحرك حرك أمة من المقاومين وأعاد للقضية ألقها ونحن اليوم نشهد غراسه وثماره في فلسطين يانعاً مغدقاً يغيظ المحتل وحلفائه، فلا عذر للأصحاء اليوم فقد يكون لدينا جميعًا القدرة على تحقيق التغيير وصنع الفارق، سواء كنا في المنزل أو في مجتمعنا أو في العالم بأسره عندم ا نؤمن بالرسالة ونتجند للحق.

لذا، لنكن لا مجاهدين مضحين في سبيل الحق والعدل فحسب، وإنما مصدر إلهام للأجيال، فما نفعله اليوم ونتحدث به ونمارسه هو مدرسة الأجيال اللاحقة، ولنستمر في نقل رسالة الحرية والكرامة بشغف وإصرار، ولنجعل من نظارة عمر المختار وكرسي أحمد ياسين شمعة تضيء لنا الطريق نحو عالم يسوده العدل والحرية وينحسر فيه الظلم والجاهلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.