شعار قسم مدونات

اتهام المقاومة بالإرهاب.. التُّرهةُ المفضَّلة للمحتلين!

من بيان انطلاق معركة طوفان الاقصى – 2023 المصدر : الإعلام العسكري لكتائب عز الدين القسام
المتخاذلين طفقوا يلومون الأبطال على ذودهم عن أعراضهم وعرض أمتهم (الإعلام العسكري لكتائب عز الدين القسام)

غداة اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية في الفاتح من نوفمبر 1954 قام المجاهدون بالهجوم على ما يقرب من ثلاثين موقعا عسكريا فرنسيا في وقت متزامن، الأمر الذي دوَّخ قادة الاحتلال وخلط أوراقهم فأطلقوا العنان لآلتهم الإعلامية لنعت المقاومة بشتى الأوصاف المشينة.

دعاية الإرهاب كانت ولا تزال الترهة المفضلة للمحتلين الغاصبين للتعمية على جرائمهم الكبار، وتشويه مقاومة الأحرار، وليس هذا بمستغرب، فقد تشابهت قلوبهم، وائتلفت نفوسهم

فجريدة (صدى الجزائر) كتبت على صفحتها الأولى: " ثلاثون هجوما (إرهابيا) في وقت واحد بالجزائر"، وعنونت جريدة (الجزائر) كما يلي: "سلسلة من الهجومات (الإرهابية) أمس بالجزائر، من طرف الفلاّقة (الإرهابيون)"، وذكرت صحيفة (إرسالية قسطنطين) من جهتها: "سلسلة من الهجمات (الإرهابية) في الجزائر، ومقتل ضابط وجنديين في خنشلة وباتنة"، وكتبت (صدى وهران) من مدينة وهران غربي الجزائر: "ليلة الأحد إلى الاثنين من خنشلة إلى كاسينى..هجومات (إرهابية) بالتراب الجزائري." أما صحيفة لوموند "Le Monde" الفرنسية الشهيرة فقد كتبت على صفحتها الأولى العبارة التالية: "الإرهاب في شمال إفريقيا: عدة قتلى في الجزائر في هجمات متزامنة على مراكز الشرطة".

يبدو أن دعاية الإرهاب كانت ولا تزال الترهة المفضلة للمحتلين الغاصبين للتعمية على جرائمهم الكبار، وتشويه مقاومة الأحرار، وليس هذا بمستغرب، فقد تشابهت قلوبهم، وائتلفت نفوسهم، وما تقوم به اليوم صحف ووكالات الأنباء الغربية مثل: نيويورك تايمز، فرانس 24، بي بي سي، فوكس نيوز، واشنطن بوست، هو الدور ذاته الذي قامت به الماكنات الإعلامية للقوى الإمبريالية الفرنسية والبريطانية والإيطالية في القرن 19 في وصف المقاومات التحريرية، فلا شيء تغير سوى الزمن!

ولكن المستغرب في هذا الزمن هو أن تنطلي الدعاية الإعلامية الأمريكوصهيونية، على لفيف من أشباه المفكرين والإعلاميين والمتعالمين المتفيقهين حراس الأنظمة الدكتاتورية، الذين استهوتهم الرواية الصهيونية وانسجموا مع أنغامها النشاز، فطفقوا يلومون الأبطال على ذودهم عن أعراضهم وعرض أمتهم، والأنكى من ذلك حين يَسْلُقُون المقاومين بألسنة حداد أشحة على الخير، ويلمزونهم بالتهور والتسرع وعدم تقدير المآلات وتحصيل شروط الجهاد؟

إلى كل من يحاول عبثا ربط مآسي ومعاناة الشعب الفلسطيني بفصائل المقاومة في غزة تحديدا، سواء من العرب المتصهينة، أو المؤدلجين والمتأثرين بالرواية الغربية المُدجنَّة، أسألكم بالله؛ هل جبهة التحرير الجزائرية هي التي تتحمل مسؤولية مئات الآلاف من القتلى الجزائريين

وكان حريا بأمثال هؤلاء القُعَدَةِ الجُثَمَةِ، الكَسَلَةِ النُّوَمَةِ، لو أنهم وفروا نصائحهم للمتخاذلين والمتواطئين مع العدو من بني جلدتهم، وذكروهم بعقاب وعاقبة الخيانة والنفاق وموالاة الأعداء، ووجوب نصرة المظلوم وكبح صائلة الظالم، ولو أنهم فعلوا ذلك -ويا ليت- لما تجرأ اليهود على اقتراف كل هذه الشنائع، فإنهم قد اقترفوها ليس بسبب صواريخ القسام كما يقولوا الشانئون الشامتون، ولكن لما وجدوا أمة نائمة، ونخبة معطوبة خائرة، وطبقة حاكمة خائنة، وهيئة علمائية غافلة ومهادنة، وأشباه مثقفين بارعين في قلب الحقائق البلجاء، وأنصاف مفكرين بلا ضمير ولا مروءة ولا صدق ولا حياء، عند ذاك تجرأ الصهاينة على قتل الأبرياء، وسفك الدماء، والدوس على بساط الأقصى بكل جفاء، وسرقة الأرض والتاريخ والماضي والحاضر والمستقبل أمام أعين الجبناء.

فبربكم إن لم تكونوا رجالا يوم الوغى فمتى تكونون؟ وإن لم تكونوا أبطالا يوم الملحمة فمتى تستبسلون؟

إن لم تكن بطلا إذا حمي الوغى .. فاحذر عليك مواقف الأبطال

فإلى كل من يحاول عبثا ربط مآسي ومعاناة الشعب الفلسطيني بفصائل المقاومة في غزة تحديدا، سواء من العرب المتصهينة، أو المؤدلجين والمتأثرين بالرواية الغربية المُدجنَّة، أسألكم بالله؛ هل جبهة التحرير الجزائرية هي التي تتحمل مسؤولية مئات الآلاف من القتلى الجزائريين، بل مليونا ونصف مليون شهيد في ثورة التحرير؟ أم أنها ضريبة الكرامة والحرية التي يجب أن يدفعها الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الشاب والعجور؟ هل تريدون نصرا على بلاط القصور ونسائم المكيفات والعجول المشوية؟ أم هل تريدون أن تمطر السماء ذهبا أو فضة؟ فأي نوع من النصر تريدون؟

 

ألم تكن فرنسا كلما قام المجاهدون الأبرار بقتل جنودها أو تفجير مقهى أو نصب كمين، كما كانت تفعل جميلة بوحيرد وحسيبة بن بوعلي وأخواتهما، هاجت واستشاطت غضبا وقصفت بطائراتها وصواريخها

ألم تقرؤوا وتَعُوا قول الله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214)، ألم يذبح الصحابة ويقتَّلوا في المعارك وهم قلة وعلى ضعف؟، "إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا" (الأحزاب 10-12) ألم تقرؤا في التاريخ أنه لما دخل الصليبيون بيتَ المقدس أحدثوا فيها قتلا رهيبا حتى غاصت ركاب الخيول في الدماء والجثث المترامية، فمن يتحمل مسؤولية هؤلاء؟ آهُمُ الذين دافعوا عن عرضهم ودينهم وأرضهم؟ آهُمُ الذين رفضوا العدوان ووقفوا له صامدين؟ آهُمُ الذين بذلوا مهجهم رخيصة في سبيل الله وابتغوا الكرامة لا المهانة؟

ألم تكن فرنسا كلما قام المجاهدون الأبرار بقتل جنودها أو تفجير مقهى أو نصب كمين، كما كانت تفعل جميلة بوحيرد وحسيبة بن بوعلي وأخواتهما، هاجت واستشاطت غضبا وقصفت بطائراتها وصواريخها، وأعملت الموت الزؤام في المدنيين، كمجازر 8 مايو  1945 وسياسة الأرض المحروقة ورمي الناس في محتشدات الصحراء، فهل كانت جميلة بوحيرد إرهابية؟ هل كان العربي بن مهيدي إرهابيا؟ هل كان زيغود يوسف إرهابيا؟ هل كان سي الحواس إرهابيا؟ لقد كانت فرنسا تقتل الآلاف من المدنيين وتعتقل مثلهم بسبب القنابل والمقاومة التي كان يقوم بها هؤلاء الأبطال، فأين هي عقولكم يا من تلومون المقاومة وتحملونها المسؤولية؟

إنني أجزم أنه لو كان في زمن الثورة الجزائرية أمثال هؤلاء المتصهينين من العرب وأشياعهم لاعتبروا المجاهدين إرهابيين والثورة مغامرة ومقامرة، ولا عجب؛ فمن لم يشم رائحة الثورة لن يدرك قيمة الأوطان، ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه لن يعرف للشرف أي عنوان، ومن لم يكن ذا نفس أبيّة، تساوت عنده العَليّة والدَّنيّة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.