شعار قسم مدونات

هل يحاكم نتنياهو ووزير دفاعه أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (يمين) وزير الدفاع يواف غالانت (رويترز)

منذ بدأت إسرائيل عملياتها الانتقامية ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي، في أعقاب الهجوم الكاسح والذي عرف باسم طوفان الأقصى، والذي شنته الحركتان في السابع من أكتوبر عام 2023، لا تتورع إسرائيل عن انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني على مدار الساعة. وقد تجاوزت كافة الأعراف الدولية، بهجومها المتعمد ضد المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية، رغم أنها تتمتع بحماية خاصة في إطار هذا القانون. وليس الهجوم على المستشفى المعمداني في غزة يوم الثلاثاء الماضي إلا ذروة هذه الانتهاكات.

آلاف الصور التي تبثها القنوات التليفزيونية، تظهر كيف دمرت تماماً أحياء سكنية كاملة، وكيف استهدفت المساجد والمدارس، وهذه جميعها أهداف مدنية خالصة، تعد مهاجمتها بمثابة جرائم حرب.

فالمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة عام 1949، تحرم الهجوم على المستشفيات المدنية، التي تقوم بتقديم الرعاية للجرحى والمرضى. ويتضمن البروتوكول الأول والثاني لاتفاقيات جنيف الصادران عام 1977 نصوصا شبيهة تحرم تلك الهجمات. ويعتبر الهجوم المتعمد على المستشفيات، وأماكن تجمع المرضى والجرحى جريمة حرب، كذلك طبقاً للمادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ومهما حاولت إسرائيل التنصل من الهجوم على المستشفى المعمداني، فإنه يظل مجرد حلقة في سلسلة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة خلال الأيام الماضية.

آلاف الصور التي تبثها القنوات التليفزيونية، تظهر كيف دمرت تماماً أحياء سكنية كاملة، وكيف استهدفت المساجد والمدارس، وهذه جميعها أهداف مدنية خالصة، تعد مهاجمتها بمثابة جرائم حرب. أضف إلى ذلك فإن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن أي شخص ينتمي لحركة حماس ينبغي أن يعتبر نفسه في عداد الأموات، يشير إلى وجود نية لدى قادة إسرائيل لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وتنضم إلى قائمة الانتهاكات عمليات الترحيل القصري للمدنيين، والتي تعد جريمة حرب حسب قواعد القانون الدولي الإنساني، وطبقاً للمادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي تشكل أيضاً جريمة ضد الإنسانية حسب المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وتدخل الجرائم التي ترتكب حالياً في قطاع غزة، في إطار ولاية المحكمة الجنائية الدولية. فالمحكمة لها الحق في التحقيق في أي جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم إبادة جماعية، قد ترتكب على الأراضي الفلسطينية وذلك على الرغم من أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة. فعلى الرغم من عدم انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن قبول المحكمة لعضوية فلسطين في أول أبريل 2015 يجعل لها ولاية جنائية على الأراضي الفلسطينية.

وقد أكدت المحكمة في الخامس من فبراير 2021، بأنها تتمتع بصلاحيات تجيز لها النظر في الأوضاع بقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. إلا أنه ينبغي الإشارة هنا إلى أن المحكمة تعد بحكم نظامها الأساسي ملجأً أخيراً لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات، فالمحكمة تمارس اختصاصها فقط حينما تكون الدولة المعنية غير راغبة أو غير قادرة على التحقيق بشكل جدي ومحاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم.

وزير الدفاع يواف غالانت كان قد طالب قبل أيام بقطع المياه والكهرباء والغذاء عن قطاع غزة المحاصر وذلك لأن حماس وأهالي غزة هم من وجهة نظره حيوانات على شكل بشر

وفي ضوء المعطيات الحالية فإنه من المستبعد أن تقوم السلطات الإسرائيلية بإجراء تحقيقات في جرائم الحرب المرتكبة، وفي حالة إجرائها فإنها لن تكون محايدة ومستقلة. وليس هناك ثمة شك في أن إسرائيل قد ارتكبت في خلال الأيام الماضية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل أنها بحصارها لقطاع غزة ومنعها الماء والطعام والدواء عنه، وقيامها بهذا القصف العشوائي لمساكن الفلسطينيين وللمستشفيات في غزة، ترتكب جرائم لا توصف فقط باعتبارها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بل أنها ترقى أيضاً إلى حد الإبادة الجماعية، مثلما هي معرفة في المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وهذه الجريمة ينظر إليها باعتبارها أم الجرائم في القانون الدولي.

وتشير تصريحات قادة إسرائيل وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو كما ذكرنا إلى وجود نية مبيته لإبادة حركة حماس كجماعة دينية عن آخرها، وها هو أيضاً وزير الدفاع يواف غالانت كان قد طالب قبل أيام بقطع المياه والكهرباء والغذاء عن قطاع غزة المحاصر وذلك لأن حماس وأهالي غزة هم من وجهة نظره حيوانات على شكل بشر وهو ما يعني طبقاً للمادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فرض ظروف معيشية بالنسبة لمجموعة معينة من الناس من شأنها أن تفضي إلى هلاك هذه المجموعة بشكل كلي أو جزئي.

وهذه الجرائم المتعمدة في حق الشعب الفلسطيني لا يبررها ادعاء إسرائيل بأنها تمارس حق الدفاع عن النفس، فممارسة هذا الحق المشروع ينبغي أن يتم في إطار قواعد القانون الدولي الإنساني وليس خارجه.

ولذا فإنه من الضروري بأن تقوم المنظمات الدولية والهيئات المعنية بجمع المعلومات والأدلة وتقديمها إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد كريم خان لإقناعه بوجود ما يكفي من الأدلة والبراهين على ارتكاب إسرائيل جرائم تدخل في ولاية المحكمة لكي يقوم بالتحقيق فيها وربما أيضاً إذا ما تحلى بالشجاعة والحياد الكافيين إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يواف غالانت لدورهما في الانتهاكات المروعة التي ارتكبت في غزة في الأيام الماضية، وذلك مثلما فعلت المحكمة في حالة قادة آخرين مثل الرئيس السوداني السابق عمر البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وعلينا أن نذكر هنا أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد فتحت بالفعل في مارس/آذار 2021 تحقيقات في الجرائم المرتكبة بغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. فهل ستبادر المحكمة في التحقيق فيما ترتكبه إسرائيل على مدار الساعة من جرائم ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مقدمتها قطاع غزة؟ أم أن المحكمة قد أصبحت هي الأخرى أداة من أدوات الغرب يسلطها على من يشاء من الزعماء والقادة المغضوب عليهم؟

استهداف المدنيين أياً كانوا وارتكاب الجرائم بحقهم هو أمر مرفوض وتحرمه ليس فقط قواعد القانون الدولي الإنساني، بل سبقتها إلى ذلك منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام قواعد الحرب في الإسلام

يرتكب قادة الغرب خطأً جديداً يضاف إلى سلسلة أخطائهم الماضية حينما يصرون على تقديم الدعم المطلق لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو عدوان مستمر. كما أن حرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير هو انتهاك صارخ لإحدى القواعد الآمرة في القانون الدولي.

إن استهداف المدنيين أياً كانوا وارتكاب الجرائم بحقهم هو أمر مرفوض وتحرمه ليس فقط قواعد القانون الدولي الإنساني، بل سبقتها إلى ذلك منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام قواعد الحرب في الإسلام، فأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده تحرم قتل النساء والأطفال والعجائز، أي أنها تحرم إذا ما استخدمنا لغة القانون الدولي الإنساني قتل واستهداف المدنيين.

وعليه فإنه إلى جانب العمل على تحقيق العدالة وإجراء الملاحقة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب أياً كان مرتكبيها، فإن هناك حاجة إلى معالجة جذور الصراع.

ولذلك يرتكب قادة الغرب خطأً جديداً يضاف إلى سلسلة أخطائهم الماضية حينما يصرون على تقديم الدعم المطلق لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو عدوان مستمر. كما أن حرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير هو انتهاك صارخ لإحدى القواعد الآمرة في القانون الدولي. وخلاصة القول هي أن من يريد تفادي تكرار المجازر التي شهدناها في الأيام الماضية عليه أن يعمل على علاج أسبابها. وهذه الأسباب تعود بنا ليس إلي حرب عام 1967 أو عام النكبة في 1948 فحسب بل إلي وعد بلفور سنة 1917.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.